السادسة : إذا ، فالمذهب وجوب القطع في الجملة ، وبه قطع الجمهور وحكى نبش قبرا وسرق منه الكفن ابن خيران وابن الوكيل قولا آخر أنه لا قطع فيه بحال ؛ لأنه موضوع للبلى لا للإحراز ، ويتفرع على المذهب صور .
إحداها : إن كان ، قطع بسرقة الكفن منه ، وكذا لو كانت المقبرة محفوفة بالعمارة يندر تخلف الطارقين عنها في زمن يتأتى فيه النبش ، أو كان عليها حراس مرتبون ، ولو كان القبر [ ص: 130 ] في مفازة وبقعة ضائعة ، فوجهان ، أحدهما : ليس بحرز ، وبه قطع صاحب " المهذب " القبر في بيت محرز وعزاه إلى جماهير الأصحاب ؛ لأن السارق يأخذ من غير خطر ، والثاني واختاره والغزالي القفال والقاضي ، ورجحه العبادي : القبر حرز للكفن حيث كان ؛ لأن النفوس تهاب الموتى ، ولو كان ، فعلى الوجه الأول لا قطع ، وعلى الثاني : يجب ، ولو كان القبر في بيت محرز فسرق الكفن حافظ البيت ، فإن كان لها حارس ، وجب القطع ، وإلا فوجهان ، أصحهما : يجب أيضا ؛ لأنه حرز في العادة . القبر في مقابر البلاد الواقعة على طرف العمارة
الثانية : لو ، قال الإمام : إن كان القبر في بيت ، تعلق القطع بسرقته ، وإن كان في المقابر فوجهان ، أصحهما وبه قطع الجمهور : لا قطع للعادة ، بخلاف الكفن ؛ لأن الشرع قطع فيه النباش ، وجعله محرزا لضرورة التكفين والدفن ، وخص الإمام الوجه الآخر بما إذا كان من جنس الكفن ، كثوب وضع فيه ، وكما لو كفن في زيادة على خمسة أثواب ، ففي الزيادة على الخمسة التي تلي الميت الوجهان ، وليس الوجه مختصا فقد حكاه وضع في القبر شيء سوى الكفن الروياني فيما لو وضع في القبر مضربة ، أو وسادة للميت ، وعن بعضهم أنه أجراه فيما لو وضع معه دراهم أو دنانير ، بل في " الرقم " للعبادي أن القفال أوجب القطع فيما لو دفن معه مال في برية ، والتابوت الذي يدفن فيه كالأكفان الزائدة ، والزيادة على ما استحب تطييب الميت به ، كسائر الأموال ، وعن الماسرجسي أنه يقطع بالقدر المتسحب كالكفن .
الثالثة : إذا كفن من تركته ، فلمن الكفن ؟ فيه أوجه ، أصحها : للورثة ، لكن يقدم الميت فيه كقضاء دينه وإن كان الملك للورثة ، وعلى هذا لو ، فلا قطع ، [ ص: 131 ] والثاني : يبقى على ملك الميت لحاجته إليه وإن كان لا يثبت له الملك ابتداء ، كما يبقى الدين عليه وإن لم يثبت عليه ابتداء ، والثالث : أن الملك فيه لله عز وجل ، فإن قلنا : الملك فيه للوارث ، فهو الخصم في السرقة ، وإن قلنا : للميت ، فهل الخصم الوارث أم الحاكم ؟ وجهان ، وإن قلنا : لله عز وجل ، فالخصم الحاكم ، هذا ما ذكره الأصحاب ، وقال الإمام : إن كان من يقول : الملك لله تعالى أو للميت ، يقول : يتعين رده بعد ما أخذه النباش إلى الميت ، ولا يجوز للوارث إبداله ، فالتفريع والخلاف في أن الخصم من هو صحيح ، لكن هذا قول عري عن التحصيل ، والوجه عندي أن للوارث إبداله بعد انفصاله عن الميت ، وحينئذ يجب الجزم بأنه الخصم لا غير ، ولو أكل الميت سبع ، أو ذهب به سيل ، وبقي الكفن ، فإن قلنا : إنه ملك الورثة ، اقتسموه ، وإن قلنا : ملك الميت ، فالأصح أنه يجعل في بيت المال لمصالح المسلمين . والثاني : أنه للورثة ، وإن قلنا : لله تعالى ، جعل في بيت المال قطعا ، هذا كله إذا كفن من تركته ، فإن كفنه أجنبي ، أو كفن من بيت المال ، فلمن الملك فيه ؟ فيه طريقان : أحدهما : على الأوجه ، والثاني : للأجنبي ، أو على حكم بيت المال ، ويكون كالعارية . سرقه بعض الورثة ، أو ولد بعضهم
قلت : هذا أصح . والله أعلم .
والقول في أن الخصم في السرقة من هو ؟ وفي أنه لو أكله سبع إلى من يرد الكفن ؟ مبني على الخلاف في الملك .
فرع
كفن سيد عبده ، فهل الكفن ملك السيد أم لا يملكه أحد ؟ وجهان ، [ ص: 132 ] أصحهما : الأول ، ولو سرق الكفن وضاع ، كفن ثانيا من التركة ، فإن لم يكن ، فهو كمن مات ولا تركة له .
قلت : هكذا جزم صاحب " التتمة " بأنه يجب تكفينه ثانيا من التركة ، وقال صاحب " الحاوي " : إذا كفن من ماله وقسمت التركة ، ثم سرق الكفن ، استحب للورثة تكفينه ثانيا ، ولا يلزمهم ذلك ، وهذا قوي . والله أعلم .
وإنما يقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر ، أما إذا أخرجه من اللحد إلى فضاء القبر ، وتركه هناك لخوف أو غيره ، فلا يقطع ، هكذا نص عليه - رحمه الله - ، ويجوز أن يخرج على الخلاف في الإخراج من بيت إلى صحن الدار . الشافعي
فصل
، نظر إن كان في يد المسروق منه بإجارة ، فسرق منه المؤجر ، قطع ؛ لأن المنافع مستحقة للمستأجر ، وفي هذا الاستدلال إعلام بأن التصوير فيمن استحق بالإجارة إيواء المتاع دون من استأجر أرضا للزراعة فآوى إليها ماشية ، وإن كان الحرز في يده بإعارة وسرق المعير منه مال المستعير ، قطع على الأصح المنصوص ، وقيل : لا ، وقيل : إن دخل الحرز بنية الرجوع عن العارية فلا قطع ، وإن دخل بنية السرقة قطع ، ولو أعار عبدا لحفظ مال ، أو رعي غنم ، ثم سرق مما يحفظه عبده ، فقيل : يقطع قطعا ، وقيل : فيه الأوجه ، ولو أعار قميصا ، فلبسه المستعير ، وطر المعير جيبه وأخذ ما فيه ، قطع ، ولو كان الحرز في يده بغصب ، فسرق مالك الحرز منه ، فلا قطع ؛ لأن دخوله جائز فليس محرزا عنه ، وإن سرق منه أجنبي ، لم يقطع على [ ص: 133 ] الأصح ، ولو اشترى الحرز ، وسرق منه قبل القبض مال البائع ، فإن لم يكن أدى الثمن ، قطع ، وإلا فلا على الأصح ، ولو غصب مالا ، أو سرقه ووضعه في حرزه ، فجاء مالك المال وسرق من ذلك الحرز مالا للغاصب ، فلا قطع على الأصح ؛ لأن له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله ، وخصص جماعة الوجهين بما إذا كان مال الغاصب متميزا لا عن ماله ، سواء أخذه وحده أم مع مال نفسه ، فأما إذا كان مخلوطا به بحيث لا يتميز أحدهما ، فلا قطع قطعا ، وهذا تفريع على أن المال المشترك لا يقطع به الشريك ، ولو سرق أجنبي المال المغصوب أو المسروق ، لم يقطع على الأصح . إذا كان الحرز ملكا للسارق
فصل
، فإن كان يوجد عزيزا بثمن غال ، قطع ، وإن كان لا يوجد ولا يقدر عليه ، فلا قطع ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن سرق طعاما في عام القحط والمجاعة عمر - رضي الله عنه - : لا قطع في عام المجاعة .