الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4205 حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن سعيد الجريري عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( إن أحسن ما غير ) : بصيغة المجهول ( به ) : الباء للسببية ( هذا الشيب ) : نائب الفاعل ( الحناء ) : بالرفع خبر إن ( والكتم ) : بفتحتين نبات باليمن يخرج الصبغ أسود [ ص: 202 ] يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر والصبغ بهما معا يخرج بين السواد والحمرة والحديث يدل على أن الحناء والكتم من أحسن الصباغات التي يغير بها الشيب وإن الصبغ غير مقصور عليهما لدلالة صيغة التفصيل على مشاركة غيرهما من الصباغات لهما في أصل الحسن ، وهو يحتمل أن يكون على التعاقب ويحتمل الجمع .

                                                                      وقد أخرج مسلم من حديث أنس قال اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا أي منفردا ، وهذا يشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائما .

                                                                      قال الإمام ابن الأثير . الكتم هو نبت يخلط مع الوسمة ويصبغ به الشعر أسود وقيل هو الوسمة ومنه الحديث إن أبا بكر كان يصبغ بالحناء والكتم ويشبه أن يراد به استعمال الكتم مفردا عن الحناء ، فإن الحناء إذا خضب به مع الكتم جاء أسود ، وقد صح النهي عن السواد ولعل الحديث بالحناء أو الكتم على التخيير ولكن الروايات على اختلافها بالحناء والكتم .

                                                                      وقال أبو عبيد الكتم مشددة التاء والمشهور التخفيف والوسمة بكسر السين نبت وقيل شجر باليمن يخضب بورقه الشعر أسود انتهى .

                                                                      وقال الأردبيلي في الأزهار : ويشبه أن يكون المراد استعمال الكتم مفردا عن الحناء ، وبه قطع الخطابي لأنهما إذا خلطا أو خضب بالحناء ثم بالكتم جاء أسود وقد نهي عن الأسود .

                                                                      وقال بعض العلماء : المراد بالحديث تفضيل الحناء والكتم على غيرهما في تغيير الشيب لا بيان كيفية التغيير فلا بأس بالواو ، ويكون معنى الحديث الحناء والكتم من أفضل ما غير به الشيب لا بيان كيفية التغيير انتهى كلام الأردبيلي وقال العلامة المناوي في شرح الجامع الصغير : الكتم بالتحريك نبت يخلط بالوسمة ويخضب به ذكره في الصحاح وورقه كورق الزيتون وثمره قدر الفلفل وليس هو ورق النيل كما وهم ، ولا يشكل بالنهي عن الخضاب بالسواد لأن الكتم إنما يسود منفردا ، فإذا ضم للحناء صير الشعر بين أحمر وأسود ، والمنهي عنه الأسود البحت .

                                                                      وقال المناوي في شرح الشمائل : الكتم بفتحتين ومثناة فوقية وأبو عبيد شددها نبت فيه حمرة يخلط بالوسمة ويخضب به .

                                                                      وفي كتب الطب الكتم من نبات الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر كقدر الفلفل ويسود إذا نضج ويعتصر منه دهن يستصبح به في البوادي ثم قال ففيه إشعار بأن [ ص: 203 ] أبا بكر كان يجمع بينهما لا بالكتم الصرف الموجب للسواد الصرف لأنه مذموم انتهى .

                                                                      وفي القاموس : نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه وأصله إذا طبخ بالماء كان منه مداد للكتابة انتهى .

                                                                      وقال الحافظ : الكتم الصرف يوجب سوادا مائلا إلى الحمرة والحناء يوجب الحمرة فاستعمالهما يوجب ما بين السواد والحمرة انتهى .

                                                                      وسيجيء في الباب الآتي من حديث ابن عباس أن رجلا قد خضب بالحناء والكتم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا أحسن الحديث ، وهو ينتقض به قول الخطابي وقول ابن الأثير ومن تابعهما والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي حسن صحيح .




                                                                      الخدمات العلمية