الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا مات الرجل ، وترك ابنا فأقر الابن بأخ له من أبيه فأعطاه نصف ما في يده ثم إن الابن المقر له أقر بأخ لهما ، وقال المقر به للآخر أنا ابن الميت ، وأما أنت فلست له بابن فقد كذب الأخ الابن المعروف فيك لم يلتفت إلى قوله ، ولا يأخذ مما في يد هذا المقر إلا نصف ما في يده ، وذكر في كتاب الفرائض إذا أقر بامرأة ، ودفع إليها نصيبها ثم أقرت المرأة بابن فقال المقر به أنا ابن الميت ، وأما أنت فلست بامرأة له فإنه يأخذ منها جميع ما في يدها ، وكذلك لو كان الميت امرأة فأقر ابنها بزوج ، ودفع إليه نصيبه ثم أقر الزوج بابن فقال المقر به أنا ابن لها ، وأنت لست بزوج لها فإنه يأخذ منه جميع ما في يده ، وقال زفر رحمه الله في الفصلين جميعا يأخذ المقر به الآخر من المقر جميع ما في يده ، وهو القياس ; لأنهما تصادقا على نسب المقر به الآخر ، ولم يوجد التصادق في حق المقر به الأول فمن تصادقا عليه يكون أولى بالمال بمنزلة ما لو مات رجل ، وله ابنان قد كانا عبدين فقال أحدهما لصاحبه عتقنا جميعا قبل موت الأب ، وقال الآخر أما أنا فعتقت قبل موته ، وأما أنت فإنما عتقت بعد موته فإنه يكون المال كله للذي اتفق أنه عتق قبل موته ، وعن أبي يوسف قال في الفصلين لا يأخذ المقر به الآخر إلا مقدار حصته مما في يد الأول على ما أقر له به ، ولا يعتبر تكذيبه به فإن الأول يقول استحقاقك إنما يثبت باعتبار إقراري فإذا كنت غير وارث كما زعمت لا يثبت لك بإقراري شيء ، وأنت تأخذ شيئا من التركة فمن ضرورة أخذك الشيء من التركة باعتبار إقراري الحكم بقرابتي ، ونفذ الحكم بذلك ، ولا يعتبر تكذيبك في ، وأما وجه ظاهر الرواية في الفرق بين الفصلين أن الزوج والمرأة إنما يأخذان الميراث بسبب ليس بقائم في الحال فإن النكاح يرتفع بالموت ، وإنما يأخذان بنكاح قد كان في حالة الحياة فليس من ضرورة الحكم به في حق الأول الحكم به في حق الثاني ، وقد كذب الثاني بهما فلا تكون لهما المزاحمة معه في استحقاق التركة فأما ذو القرابة فإنما يستحق التركة بسبب قائم في الحال ، وهو سبب لا يحتمل الرفع بعد ثبوت ، وقد جرى الحكم به حين أخذ شيئا من التركة من الابن المعروف فلا يعتبر تكذيب الثاني في حقه فلهذا لا يأخذ من المقر به الأول إلا نصف ما في يده .

وكذلك لو لم يقر الابن المعروف بأخ ، ولكنه أقر أن لهذا الرجل على الميت ألف درهم ، وأنكر صاحب الألفين لا يأخذ من الألفين إلا الثلثين ; لأن تكذيبه بعدما جرى الحكم في الدين بالدين الأول غير معتبر .

( ألا ترى ) أنا لو أبطلنا حق صاحب [ ص: 209 ] الألف بهذا التكذيب فأقر صاحب الألفين بألف لآخر ، وكذبه المقر له بدين صاحب الألفين نأخذ منه خمسي الألف حتى تناسخ ذلك عشرة ثم إن العاشر أقر للأول الذي أقر له الوارث فإنه يأخذ هو الألف منه ثم يأخذون منه حتى يدور عليهم جميعا ، ولا يزال يدور كذلك فهذا لا يستقيم ، ولكن الحكم فيه ما بينا أن تكذيبه لا يعتبر بعدما حكمنا بدفعه ، وإذا ترك الرجل ثلاثة بنين فأقر أحدهم بابنين ، وصدقه الآخران في أحدهما ، وتكاذب الابنان فيما بينهما فإن المتفق عليه يأخذ من الذي أقر بهما خمس ما في يده في قول أبي يوسف ، وفي قول محمد سبع ما في يده ; لأن المقر بهما يزعم أن الميت ترك خمسة بنين ، وأن حق المتفق عليه في خمس التركة ، وفي يده جزء من التركة فيعطيه خمس ما في يده .

( ألا ترى ) أن الآخرين لو صدقاه فيهما كان يأخذ كل واحد منهما منه خمس ما في يده فتكذيبهما بالآخر لا يغير الحكم فيما بينهما ومحمد رحمه الله يقول المقر يقول للمتفق عليه حقي في سهم وحق المجحود في سهم ، وحقك في سهم إلا أن ثلثي سهمك في يد الآخرين ، وقد صدقا بك متحملا على ثلثي ما بيدك فأنت تضرب فيما في يدي بثلث سهم ، وأنا بسهم ، والمجحود بسهم فجعلنا كل ثلاثة سهما فلهذا نأخذ سبع ما في يده فنضمه إلى ما في يد الآخرين ، ويقتسمون ذلك أثلاثا لتصادقهم على أن حقهم في التركة سواء .

ولو أقر أحدهم بابنين فصدقه أحد إخوته في أحدهما ، وكذبه الثالث فيهما ، وتكاذبا فيما بينهما أخذ الابن الذي أقر به الاثنان من المقر بهما ربع ما في يده في قول أبي يوسف ; لأن الذي كذب بهما لا يعتبر في المقاسمة بين المقر ، والمقر به ، وإذا سقط اعتباره يجعل كأن المعروف اثنان ، والتركة ما في أيديهما فأقر أحدهما بابنين ، وصدقه الآخر في أحدهما ، وقد بينا في هذا بعينه أن على قول أبي يوسف يأخذ المتفق عليه من المقر ربع ما في يده ، وعلى قول محمد خمس ما في يده فكذلك في هذا الفصل ، وفائدة هذه الإعادة بيان أنه لا يقيد بالذي أنكرهما جميعا ، ولا يدخل نصيبه في شيء من فريضتهما فيكون إيضاحا لجميع ما سبق .

التالي السابق


الخدمات العلمية