الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5937 6295 - حدثنا قتيبة، حدثنا حماد، عن كثير، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمروا الآنية، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح، فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت". [انظر: 3280 - مسلم: 2012 - فتح: 11 \ 85]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون".

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي موسى قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فحدث بشأنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم".

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث كثير -هو ابن شنظير، أبو قرة الأزدي، ويقال: المازني البصري- عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 154 ] "خمروا الآنية، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح، فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت".


                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              التخمير: التغطية، ومنه سميت الخمر; لأنها تغطي العقل، وخمار المرأة، والخمر -بالتحريك- ما ستر عنك، تقول: توارى الصيد عني في خمر الوادي.

                                                                                                                                                                                                                              "وأجيفوا": أغلقوا; أي: للحفظ من السارق والشيطان.

                                                                                                                                                                                                                              والفويسقة: الفأرة، سماها بذلك وإن كانت لم تؤمر ولم تنه; لأن فعلها فعله في الفساد، ومثله: "خمس فواسق يقتلن في الحرم" وكذلك قوله في النار: "إنها عدو لكم" أي: تفعل فعله في الإحراق، وإنما أمر بالتغطية، وكذا إيكاء السقاء كما سيأتي، وهي القربة لما نبه - عليه السلام - في مسلم: "إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك". قال الليث: كانت الأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول. قلت: وهو في شهور القبط كيهك.

                                                                                                                                                                                                                              وفي هذه الأحاديث الإبانة عن أن من الحق على من أراد المبيت في بيت، ليس فيه غيره وفيه نار، أو مصباح، أن لا يبيت حتى يطفئه، أو يحرزه، بما يأمن به إحراقه وضره، وكذلك إن كان فيه جماعة، فالحق عليهم إذا أرادوا النوم ألا ينام آخرهم حتى يفعل به ما ذكرت;

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 155 ] لأمر الشارع بذلك، فإن فرط فيه مفرط فلحقه ضر في نفس، أو مال، كان لوصيته لأمته مخالفا، ولأدبه تاركا، وقد روى عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جاءت فأرة (فجرت) الفتيلة فألقتها بين يدي رسول الله على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية