الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب والمتاع قال فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا قال فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك أو شراكان من نار

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          997 981 - ( مالك عن ثور ) بمثلثة ( بن زيد الديلي ) بكسر المهملة وإسكان التحتية المدني [ ص: 47 ] ( عن أبي الغيث ) بمعجمة فتحتية فمثلثة ( سالم ) المدني وهو بكنيته أشهر من اسمه وقد سمي هنا فلا التفات لمن قال لا يوقف على اسمه صحيحا ، نعم لا يعرف اسم أبيه ( مولى ) عبد الله ( بن مطيع ) بن الأسود العدوي المدني له رؤية وأمره ابن الزبير على الكوفة ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين ( عن أبي هريرة أنه قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر ) بمعجمة آخره راء كما رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب الذي لجماعة رواة الموطأ ، وغلط عبيد الله بن يحيى فقال " حنين " نبه عليه ابن عبد البر .

                                                                                                          وحكى الدارقطني عن موسى بن هارون أن ثور بن زيد وهم في قوله : خرجنا ؛ لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت ، يعني كما رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة قال : " قدمت المدينة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة " الحديث وفيه : " فزودنا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم " وقد رواه محمد بن إسحاق عن ثور بن زيد بلفظ : " انصرفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وادي القرى " فلعل ثورا وهم لما حدث به غير ابن إسحاق وزعم أن روايته أرجح لا تسمع ، فأين يقع سماعه من سماع مالك حتى يقدم عليه ؟ وقد تابع مالكا عبد العزيز الدراوردي في مسلم والبيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة قال : " خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من خيبر إلى وادي القرى " فلعل هذا أصل الحديث ، ولا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم ( فلم نغنم ذهبا ولا ورقا ) وفي رواية : ولا فضة ( إلا الأموال : الثياب والمتاع ) كذا ليحيى وحده ، وللشافعي وابن وهب وابن القاسم وغيرهم : إلا الأموال والثياب والمتاع بحرف العطف ، قال الحافظ : وهو المحفوظ .

                                                                                                          وقال القعنبي : إلا الثياب والمتاع والأموال وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن مالك قال : " حدثني ثور بن زيد الديلي قال : حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول : افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط " أخرجه البخاري في المغازي وهي سالمة من الاعتراض بحمل قوله افتتحنا أي المسلمون ، وله نظائر قال ابن عبد البر : فجوز أبو إسحاق مع جلالته إسناده بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ، ورفع الإشكال قال : وفي الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالا وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق .

                                                                                                          وقال الحافظ : مقتضاه أن الثياب والمتاع لا يسمى مالا .

                                                                                                          وقد نقل ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل الضبي قال : المال عند العرب الصامت والناطق ، الذهب والفضة والجوهر ، والناطق البعير والبقر والشاة ، فإذا قلت عن حضري كثر ماله فالمراد الصامت ، [ ص: 48 ] وإن قلت عن بدوي فالمراد الناطق انتهى .

                                                                                                          وقد أطلق أبو قتادة على البستان مالا كما مر من قوله : فابتعت به مخرفا فإنه لأول مال تأثلته ، فالذي يظهر أن المال ما له قيمة ، لكن قد يغلب على قوم تخصيصه بشيء كما حكاه المفضل ، فتحمل الأموال على المواشي والحوائط التي ذكرت في الحديث ، ولا يراد بها النقود لأنه نفاها أولا ، ثم لا تخالف بين قول أبي هريرة فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم ، وبين قول أبي موسى الأشعري : ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا يعني الأشعريين لأن مراده من غير استرضاء أحد من الغانمين .

                                                                                                          وأما أبو هريرة وأصحابه فلم يعطهم إلا عن طيب خواطر المسلمين .

                                                                                                          ( قال : فأهدى رفاعة بن زيد ) أحد بني الضباب كذا في رواية أبي إسحاق عن مالك بكسر الضاد المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف بلفظ جمع الضب ، وعند مسلم : وهب له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب بضم المعجمة بصيغة التصغير .

                                                                                                          وفي رواية محمد بن إسحاق رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبني بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها نون وقيل بفتح المعجمة وكسر الموحدة نسبة إلى بطن من جذام ، قال الواقدي : كان رفاعة وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه ( غلاما ) عبدا ( أسود يقال له مدعم ) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين صحابي - رضي الله عنه - ( فوجه ) بفتح الواو وقال الكرماني بالبناء للمجهول ( رسول الله ) وفي رواية الفزاري : ثم انصرفنا مع رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - إلى وادي القرى ) بضم القاف وفتح الراء مقصور موضع بقرب المدينة ( حتى إذا كنا بوادي القرى بينما ) بالميم بلا فاء ( مدعم يحط رحل رسوله - صلى الله عليه وسلم - ) زاد في رواية البيهقي : وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية ( إذ جاءه ) أي مدعما ( سهم عائر ) بعين مهملة فألف فهمزة فراء بزنة الفاعل أي لا يدرى من رمى به ، وقيل هو الحائد عن قصده ( فأصابه فقتله فقال الناس : هنيئا له الجنة ) وفي رواية الفزاري : الشهادة ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلا ) ردع لهم عن هذا القول ( والذي نفسي بيده إن الشملة ) كساء يشتمل به ويلتف فيه ، وقيل إنما تسمى شملة إذا كان لها هدب ( التي أخذها ) ، وفي رواية أصابها ( يوم خيبر ) بمعجمة أوله وراء بلا نقط آخره على الصواب ( من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل ) بزنة تفتعل عند ابن وضاح ولابن يحيى لتشعل [ ص: 49 ] بالبناء للمجهول ( عليه نارا ) قال الحافظ : يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة فيعذب بها ، ويحتمل أن المراد أنها سبب لعذاب النار ، وكذا يقال في الشراك الآتي .

                                                                                                          وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال : " كان على ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له كركرة فقال - صلى الله عليه وسلم - : هو في النار في عباءة غلها " وكلام عياض يشعر باتحاد قصته مع قصة مدعم ، والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما ، فإن قصة مدعم كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة ، والذي أهداه رفاعة بخلاف كركرة فأهداه هوزة بن علي وكان نوبيا أسود يمسك دابته - صلى الله عليه وسلم - في القتال فأعتقه أي وغل عباءة ولم يمت بسهم بل ذكر البلاذري أنه مات في قتال أهل الردة بعده - صلى الله عليه وسلم - فافترقا .

                                                                                                          نعم روى مسلم عن عمر : " لما كان يوم خيبر قالوا فلان شهيد ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة " فهذا يمكن تفسيره بكركرة بفتح الكافين وبكسرهما قاله عياض .

                                                                                                          وقال النووي : إنما اختلف في كافه الأولى .

                                                                                                          أما الثانية فمكسورة اتفاقا .

                                                                                                          وقوله : هو في النار أي يعذب على معصيته إن لم يعف الله تعالى عنه .

                                                                                                          ( قال : فلما سمع الناس ذلك جاء رجل ) قال الحافظ : لم أقف على اسمه ( بشراك ) بكسر الشين المعجمة وخفة الراء سير النعل على ظهر القدم ( أو شراكين ) شك الراوي ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) زاد في رواية الفزاري ( فقال : هذا شيء كنت أصبته ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : شراك أو شراكان من نار ) تعذب بها أو سبب لعذاب النار ، والشك من الراوي وفيه تعظيم الغلول وإن قل .

                                                                                                          وأخرجه البخاري في الأيمان والنذور عن إسماعيل ومسلم من طريق ابن وهب عن مالك به ، وتابعه عبد العزيز الدراوردي عن ثور به عند مسلم ، ورواه البخاري في المغازي نازلا عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري عن مالك بنحوه بينه وبين مالك ثلاثة .




                                                                                                          الخدمات العلمية