الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع الثاني من أحكام الأضحية : في عيبها . وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : لو قال : جعلت هذه الشاة ضحية ، أو نذر التضحية بشاة معينة ، فحدث بها قبل وقت التضحية عيب يمنع ابتداء التضحية ، لم يلزمه شيء بسببه كتلفها . ولا تنفك هي عن حكم الأضحية ، بل تجزئه عن التضحية ، ويذبحها في وقتها . وفي وجه : لا تجزئه ، بل عليه التضحية بسليمة ، وهو شاذ ضعيف . فعلى الصحيح : لو خالف فذبحها قبل يوم النحر ، تصدق باللحم ، ويلزمه أيضا التصدق بقيمتها ، ولا يلزمه أن يشتري بها ضحية أخرى ، لأنها بدل حيوان لا يجوز التضحية به ابتداء . ولو تعيبت يوم النحر قبل التمكن من الذبح ، ذبحها وتصدق بلحمها ، وإن تعيبت بعد التمكن ، ذبحها وتصدق بلحمها ، وعليه ذبح بدلها ، وتقصيره بالتأخير كالتعييب .

                                                                                                                                                                        الثانية : لو لزم ذمته ضحية بنذر ، أو هدي عن قران ، أو تمتع ، أو نذر ، فعين شاة عما في ذمته ، فحدث بها عيب قبل وقت التضحية ، أو قبل بلوغ المنسك ، جرى الخلاف السابق ، في أنها هل تتعين ؟ إن قلنا : لا ، فلا أثر لتعيينها . وإن قلنا : تتعين ، وهو الأصح ، فهل عليه ذبح سليمة ؟ فيه طريقان . وقيل : وجهان . وقطع الجمهور بالوجوب ؛ لأن الواجب في ذمته سليم ، فلا يتأدى بمعيب . وهل تنفك تلك المعينة عن الاستحقاق ؟ وجهان . أحدهما : يلزمه ذبحها والتصدق بلحمها ؛ لأنه التزمها بالتعيين . وأصحهما وهو المنصوص : لا تلزمه ، بل له تملكها وبيعها ؛ لأنه لم يلتزم التصدق بها ابتداء ، إنما عينها لأداء ما عليه ، وإنما يتأدى بها بشرط السلامة . ويقرب الوجهان من وجهين فيمن عين أفضل مما عليه ثم تعيب ، هل يلزمه رعاية تلك الزيادة في البدل ؟ ففي وجه : يلزم ، لالتزامه تلك الزيادة بالتعيين . والأصح : لا يلزم ، كما لو التزم معيبة ابتداء ، فهلكت بغير تعد منه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 217 ] الثالثة : إذا تعيب الهدي بعد بلوغ المنسك ، فوجهان . أحدهما : يجزئ ذبحه ؛ لأنه لما وصل موضع الذبح ، صار كالحاصل في يد المساكين ، ويكون كمن دفع الزكاة إلى الإمام ، فتلفت في يده ، فإنه يقع زكاة . وأصحهما : لا يجزئ ؛ لأنه في ضمانه ما لم يذبح . وقال في " التهذيب " : إن تعيب بعد بلوغ المنسك والتمكن من الذبح ، فالأصل في ذمته وهل يتملك المعين ، أم يلزمه ذبحه ؟ فيه الخلاف . وإن تعيب قبل التمكن ، فوجهان . أصحهما : أنه كذلك . والثاني : يكفيه ذبح المعيب والتصدق به . ويقرب من الوجهين الأولين الوجهان السابقان فيمن شد قوائم الشاة للتضحية ، فاضطربت وانكسرت رجلها . ورأى الإمام تخصيصهما بمن عين عن نذر في الذمة ، والقطع بعدم الإجزاء إن كانت تطوعا .

                                                                                                                                                                        قلت : قال صاحب " البحر " : لو مات ، أو سرق بعد وصوله الحرم ، أجزأه على الوجه الأول . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الرابعة : لو قال لمعيبة بعور ونحوه : جعلت هذه ضحية ، أو نذر أن يضحي بها ابتداء ، وجب ذبحها ، لالتزامه ، كمن أعتق عن كفارته معيبا ، يعتق ، ويثاب عليه وإن كان لا يجزئ عن الكفارة ، ويكون ذبحها قربة ، وتفرقة لحمها صدقة ولا تجزئ عن الهدايا والضحايا المشروعة ؛ لأن السلامة معتبرة فيها . وهل يختص ذبحها بيوم النحر ، وتجري مجرى الضحايا في المصرف ؟ وجهان : أحدهما : لا ، لأنها ليست أضحية ، بل شاة لحم . وأصحهما : نعم ؛ لأنه أوجبها باسم الأضحية ، ولا محمل لكلامه إلا هذا . فعلى هذا ، لو ذبحها قبل يوم النحر ، تصدق بلحمها ولا يأكل منه شيئا ، وعليه قيمتها يتصدق بها ، ولا يشتري أخرى لأن المعيب لا يثبت في الذمة ، قاله في " التهذيب " . ولو أشار إلى ظبية وقال : جعلت هذه ضحية ، فهو لاغ .

                                                                                                                                                                        ولو أشار إلى فصيل أو سخلة وقال : هذه أضحية ، فهل هو كالظبية ، أم كالمعيب ؟ وجهان . أصحهما : الثاني . وإذا أوجبه معيبا ثم زال العيب ، [ ص: 218 ] فهل يجزئ ذبحه عن الأضحية ؟ وجهان : أصحهما : لا ؛ لأنه زال ملكه عنه وهو ناقص ، فلا يؤثر الكمال بعده ، كمن أعتق أعمى عن كفارته ، ثم عاد بصره . والثاني : يجوز ، لكماله وقت الذبح ، وحكى هذا قولا قديما .

                                                                                                                                                                        الخامسة : لو كان في ذمته أضحية ، أو هدي ، بنذر أو غيره ، فعين معينة عما عليه ، لم تتعين ، ولا تبرأ ذمته بذبحها . وهل يلزمه بالتعيين ذبح المعينة ؟ نظر ، إن قال : عينت هذه عما في ذمتي ، لم يلزمه ، وإن قال : لله علي أن أضحي بهذه عما في ذمتي ، أو أهدي هذه ، أو قال : لله علي ذبحها عن الواجب في ذمتي ، لزمه على الأصح كالتزامه ابتداء ذبح معيبة ، ويكون كإعتاقه الأعمى عن الكفارة ، ينفذ ولا يجزئ . فعلى هذا ، هل يختص ذبحها بوقت التضحية إن كانت ضحية ؟ فيه الوجهان السابقان . ولو زال عيب المعينة المعيبة قبل ذبحها ، فهل تحصل البراءة ؟ فيه الوجهان السابقان .

                                                                                                                                                                        السادسة : هذا الذي سبق ، كله فيما إذا تعيبت لا بفعله . فلو تعيبت المعينة ابتداء ، أو عما في الذمة بفعله ، لزمه ذبح صحيحة . وفي انفكاك المعيبة عن حكم الالتزام ، الخلاف السابق .

                                                                                                                                                                        السابعة : لو ذبح الأضحية المنذورة يوم النحر ، أو الهدي المنذور بعد بلوغ المنسك ، ولم يفرق لحمه حتى فسد ، لزمه قيمة اللحم ، ويتصدق بها ، ولا يلزمه شراء أخرى ؛ لأنه حصلت إراقة الدم . وكذا لو غصب اللحم غاصب وتلف عنده ، أو أتلفه متلف ، يأخذ القيمة ويتصدق بها .

                                                                                                                                                                        الثامنة : لو نذر التضحية بمعيبة غير معينة ، كقوله : لله علي أن أضحي بشاة عرجاء ، فثلاثة أوجه : أصحها فيما يقتضيه كلام الغزالي : يلزمه ما التزم . والثاني : يلزمه صحيحة . والثالث : لا يلزمه شيء . ويشبه أن يكون الحكم في لزوم ذبحها ، والتصدق بلحمها ، وفي أنها ليست من الضحايا وفي أن [ ص: 219 ] مصرفها ، هل هو مصرف الضحايا ، على ما سبق فيمن قال : جعلت هذه المعيبة ضحية . ولو التزم التضحية بظبية ، أو فصيل ، ففيه الترتيب الذي تقدم في المعينة . ويشبه أن يجيء الخلاف في قوله : لله علي أن أضحي بظبية ، وإن لم يذكر خلاف في قوله : جعلت هذه الظبية ضحية .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية