الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        النوع الثالث : في ضلالها ، وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : إذا ضل هديه ، أو ضحيته المتطوع بها ، لم يلزمه شيء .

                                                                                                                                                                        قلت : لكن يستحب ذبحها إذا وجدها ، والتصدق بها . ممن نص عليه القاضي أبو حامد . فإن ذبحها بعد أيام التشريق ، كانت شاة لحم يتصدق بها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثانية : الهدي الملتزم معينا ، يتعين ابتداء ، إذا ضل بغير تقصيره ، لم يلزمه ضمانه ، فإن وجده ، ذبحه . والأضحية ، إن وجدها في وقت التضحية ، ذبحها ، وإن وجدها بعد الوقت ، فله ذبحها قضاء ، ولا يلزمه الصبر إلى قابل . وإذا ذبحها ، صرف لحمها مصارف الضحايا . وفي وجه لابن أبي هريرة : يصرفه إلى المساكين فقط ، ولا يأكل ، ولا يدخر ، وهو شاذ ضعيف .

                                                                                                                                                                        الثالثة : مهما كان الضلال بغير تقصيره ، لم يلزمه الطلب إن كان فيه مؤنة ، فإن لم تكن ، لزمه . وإن كان بتقصيره ، لزمه الطلب . فإن لم يجد ، لزمه الضمان . فإن علم أنه لا يجدها في أيام التشريق ، لزمه ذبح بدلها في أيام التشريق . وتأخير الذبح إلى مضي أيام التشريق بلا عذر ، تقصير يوجب الضمان . وإن مضى بعض أيام التشريق ، ثم ضلت ، فهل هو تقصير ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأرجح : أنه ليس بتقصير ، كمن مات في أثناء وقت الصلاة الموسع ، لا يأثم على الأصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الرابعة : إذا عين هديا أو أضحية عما في ذمته ، فضلت المعينة ، قال الإمام : [ ص: 220 ] هو كما لو تلفت هذه المعينة . وفي وجوب البدل ، وجهان . وذكرنا هناك حال هذا الخلاف ، وما في إطلاق لفظ البدل من التوسع . وقال الجمهور : يلزم إخراج البدل الملتزم . فإن ذبح واحدة عما عليه ، ثم وجد الضالة ، فهل يلزم ذبحها ؟ وجهان . وقيل : قولان . أصحهما في " التهذيب " : لا يلزمه ، بل يتملكها كما سبق فيما لو تعيبت . والثاني : يلزمه ، وقطع به في " الشامل " ، لإزالة ملكه بالتعيين ، ولم يخرج عن صفة الإجزاء ، بخلاف المعيبة . فلو عين عن الضالة واحدة ، ثم وجدها قبل ذبح البدل ، فأربعة أوجه . أحدها : يلزمه ذبحهما معا . والثاني : يلزمه ذبح البدل فقط . والثالث : ذبح الأول فقط . والرابع : يتخير فيهما .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : الثالث . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو عين شاة عن أضحية في ذمته ، وقلنا : تتعين ، فضحى بأخرى عما في ذمته ، قال الإمام : يخرج على أن المعينة لو تلفت ، هل تبرأ ذمته ؟ إن قلنا : نعم ، لم تقع الثانية عما عليه ، كما لو قال : جعلت هذه أضحية ، ثم ذبح بدلها . وإن قلنا : لا ، وهو الأصح ، ففي وقوع الثانية عما عليه تردد . فإن قلنا : تقع عنه ، فهل تنفك الأولى عن الاستحقاق ؟ فيه الخلاف السابق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو عين من عليه كفارة عبدا عنها ، ففي تعيينه خلاف ، وقطع الشيخ أبو حامد بالتعيين .

                                                                                                                                                                        [ ص: 221 ] قلت : الأصح : التعيين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فإن تعيب المعين ، لزمه إعتاق سليم . ولو مات المعين ، بقيت ذمته مشغولة بالكفارة . وإن أعتق عبدا أجزأ عن كفارته مع التمكن من إعتاق المعين ، فالظاهر : براءة ذمته . قوله : الظاهر ، أي : من الوجهين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية