الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  708 129 - حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هل ترون قبلتي هاهنا، والله ما يخفى علي ركوعكم ولا خشوعكم، وإني لأراكم وراء ظهري.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث أخرجه في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك إلى آخره نحوه، وهاهنا أخرجه عن إسماعيل بن أبي أويس ابن عم مالك بن أنس، عن مالك، عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة، وقد تكلمنا هناك بما يتعلق به من سائر الوجوه، وبقي هنا ذكر وجه المطابقة بينه وبين الترجمة من حيث إن في قوله: " ولا خشوعكم "؛ تنبيها إياهم على التلبس بالخشوع في الصلاة؛ لأنه لم يقل ذلك إلا وقد رأى أن فيهم الالتفات وعدم السكون اللذين ينافيان الخشوع، والمصلي لا يدخل في قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون

                                                                                                                                                                                  [ ص: 281 ] إلا بالخشوع، ولا شك أن ترك الخشوع ينافي كمال الصلاة فيكون مستحبا، وحكى النووي أن الإجماع على أن الخشوع ليس بواجب، وأورد عليه قول القاضي حسين : إن مدافعة الأخبثين إذا انتهت إلى حد يذهب معه الخشوع أبطلت الصلاة، وقال أيضا أبو بكر المروزي .

                                                                                                                                                                                  (قلت): هذا ليس بوارد؛ لاحتمال كلامهما في مدافعة شديدة أفضت إلى خروج شيء، (فإن قلت): البطلان حينئذ بالخروج لا بالمدافعة. (قلت): المدافعة سبب للخروج، فذكر السبب وأراد المسبب للمبالغة، وأجاب بعضهم بجوابين غير طائلين أحدهما: قوله لجواز أن يكون بعد الإجماع السابق، والثاني: قوله، أو المراد بالإجماع أنه لم يصرح أحد بوجوبه، وقال ابن بطال : فإن قال قائل: فإن الخشوع فرض في الصلاة، قيل له: بحسب الإنسان أن يقبل على صلاته بقلبه ونيته، ويريد بذلك وجه الله، ولا طاقة له بما اعترضه من الخواطر.

                                                                                                                                                                                  (قلت): وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: " إني لأجهز جيشي في الصلاة "، وعنه: " إني لأحسب جزية البحرين وأنا في صلاتي ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " هل ترون " الاستفهام بمعنى الإنكار، والمراد من القبلة إما المقابلة، وهي المواجهة: أي لا تظنون مواجهتي هاهنا فقط، وإما فيه إضمار: أي لا ترون بصري، أو رؤيتي في طرف القبلة فقط، وإما أنه من باب لازم التركيب؛ لأن كون قبلته ثمة مستلزم لكون رؤيته أيضا ثمة، فكأنه قال: هل ترون رؤيتي هاهنا فقط، والله لأراكم من غيرها أيضا، والجمهور على أن المراد من الرؤية الإبصار بالحاسة، وسبق تحقيقه هناك، وقد يحتج به من يقول: إن الطمأنينة فرض في الركوع والسجود؛ لأن الشارع توعد على ذلك، (قلت): لا يدل ذلك عليه؛ لأن الطمأنينة فيها لو كانت فرضا لأمرهم بالإعادة، وحيث لم يأمرهم بها دل على عدم الفرضية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية