الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة ، ثم اطلع على عيب قديم ، لم يملك الرد قهرا ، لما فيه من الإضرار بالبائع ، ولا يكلف المشتري الرضا به

                                                                                                                                                                        [ بل يعلم البائع به ] فإن رضي به معيبا ، قيل للمشتري : إما أن ترده ، وإما أن تقنع به ولا شيء لك . وإن لم يرض [ به ] ، فلا بد [ من ] أن يضم المشتري أرش العيب الحادث إلى المبيع ليرده ، أو يغرم البائع للمشتري أرش العيب القديم ليمسكه . فإن اتفقا على أحد هذين المسلكين ، فذاك . وإن اختلفا فدعا أحدهما إلى الرد مع أرش العيب الحادث ، ودعا الآخر إلى الإمساك وغرامة أرش العيب القديم ، ففيه أوجه

                                                                                                                                                                        أحدها : المتبع قول المشتري . والثاني : رأي البائع . والثالث وهو أصحها : المتبع رأي من يدعو إلى الإمساك والرجوع بأرش القديم ، سواء كان البائع أو المشتري . وما ذكرناه من إعلام المشتري البائع ، يكون على الفور . فإن أخره بلا عذر بطل حقه من الرد والأرش ، إلا أن يكون العيب الحادث قريب الزوال غالبا ، كالرمد والحمى ، فلا يعتبر الفور على أحد القولين ، بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث . ومهما زال العيب الحادث بعدما أخذ المشتري أرش العيب القديم ، أو قضى به القاضي ولم يأخذه ، فهل له الفسخ ورد الأرش ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : لا ولو تراضيا ، ولا قضاء ، فالأصح : أن له الفسخ .

                                                                                                                                                                        [ ص: 483 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو علم العيب القديم بعد زوال الحادث ، رد على الصحيح ، وفيه وجه ضعيف جدا . ولو زال القديم قبل أخذ أرشه ، لم يأخذه . وإن زال بعد أخذه ، رده على المذهب . وقيل : وجهان ، كما لو نبتت سن المجني عليه بعد أخذ الدية ، هل يردها ؟ .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        كل ما يثبت الرد على البائع لو كان عنده ، يمنع الرد إذا حدث عند المشتري . وما لا رد [ به ] على البائع ، لا يمنع الرد إذا حدث في يد المشتري ، إلا في الأقل . فلو خصي العبد ، ثم علم به عيبا قديما ، فلا رد ، وإن زادت قيمته . ولو نسي القرآن أو صنعة ، ثم علم به عيبا قديما ، فلا رد ، لنقصان القيمة . ولو زوجها ، ثم علم بها عيبا ، فكذلك . قال الروياني : إلا أن يقول الزوج : إن ردك المشتري بعيب ، فأنت طالق ، وكان ذلك قبل الدخول ، فله الرد ، لزوال المانع . ولو علم عيب جارية اشتراها من أبيه أو ابنه بعد أن وطئها وهي ثيب ، فله الرد وإن حرمت على البائع ; لأن القيمة لم تنقص بذلك . وكذا لو كانت الجارية رضيعة ، فأرضعتها أم البائع أو ابنته في يد المشتري ، ثم علم بها عيبا . وإقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة ، أو بدين الإتلاف ، مع تكذيب المولى ، لا يمنع الرد بالعيب القديم . وإن صدقه المولى على دين الإتلاف ، منع منه . فإن عفا المقر له بعد ما أخذ المشتري الأرش ، فهل له الفسخ ورد الأرش ؟ [ ص: 484 ] وجهان جاريان فيما إذا أخذ المشتري الأرش لرهنه العبد أو كتابته أو إباقه أو غصبه ونحوها . إن مكناه من ذلك ، ثم زال المانع من الرد ، قال في " التهذيب " : أصحهما : لا فسخ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حدث في يد المشتري نكتة بياض في عين العبد ، ووجد نكتة قديمة ، فزالت إحداهما فقال البائع : الزائلة القديمة ، فلا رد ولا أرش . وقال المشتري : بل الحادثة ، ولي الرد ، حلفا على ما قالا . فإن حلف أحدهما دون الآخر ، قضي له . وإن حلفا استفاد البائع دفع الرد ، والمشتري أخذ الأرش . فإن اختلفا في الأرش ، فليس له إلا الأقل ؛ لأنه المستيقن .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا اشترى حليا من ذهب أو فضة وزنه مائة مثلا ، بمائة من جنسه ، ثم اطلع على عيب قديم ، وقد حدث عنده عيب ، فأوجه . أصحها عند الأكثرين : يفسخ البيع ، ويرد الحلي مع أرش النقص الحادث ، ولا يلزم الربا ; لأن المقابلة بين الحلي والثمن ، وهما متماثلان . والعيب الحادث مضمون عليه ، كعيب المأخوذ على جهة السوم ، فعليه غرامته . والثاني ، وهو قول ابن سريج : أنه يفسخ العقد ، لتعذر إمضائه ، ولا يرد الحلي على البائع ، لتعذر رده مع الأرش ودونه ، فيجعل كالتالف ، فيغرم المشتري قيمته من غير جنسه معيبا بالعيب القديم ، سليما عن الحادث . واختار الغزالي هذا الوجه ، وضعفه الإمام وغيره . والثالث ، وهو قول صاحب التقريب ، والداركي ، واختاره الإمام وغيره : أنه يرجع بأرش العيب القديم ، كسائر الصور . [ ص: 485 ] والمماثلة في الربوي ، إنما تشترط في ابتداء العقد ، والأرش حق وجب بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق . وقياس هذا الوجه : تجويز الرد مع الأرش عن الحادث كسائر الأموال . وإذا أخذ الأرش ، فقيل : يشترط كونه من غير جنس العوضين ، حذرا من الربا . والأصح : جوازه منهما ؛ لأنه لو امتنع الجنس ، لامتنع غيره ؛ لأنه بيع ربوي بجنسه مع شيء آخر .

                                                                                                                                                                        ولو عرف العيب القديم بعد تلف الحلي عنده ، فالذي ذكره صاحبا الشامل و " التتمة " : أنه يفسخ العقد ويسترد الثمن ، ويغرم قيمة التالف ، ولا يمكن أخذ الأرش للربا . وفي وجه : يجوز أخذ الأرش ، وصححه في " التهذيب " . وعلى هذا ، ففي اشتراط كونه من غير الجنس ، ما سبق . ولا يخفى أن المسألة لا تختص بالحلي والنقد ، بل تجري في كل ربوي بيع بجنسه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أنعل الدابة ، ثم علم بها عيبا قديما ، نظر ، إن لم يعبها نزع النعل ، فله نزعه والرد . فإن لم ينزع والحالة هذه ، لم يجب على البائع قبول النعل . وإن كان النزع يخرم ثقب المسامير ، ويعيب الحافر ، فنزع ، بطل حقه من الرد والأرش ، وفيه احتمال للإمام . ولو ردها مع النعل ، أجبر البائع على القبول ، وليس للمشتري طلب قيمة النعل . ثم ترك النعل ، هل هو تمليك من المشتري ، فيكون للبائع لو سقط ، أم إعراض فيكون للمشتري ؟ وجهان . أشبههما الثاني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ، ثم علم عيبه ، فإن رضي بالرد من غير [ ص: 486 ] أن يطالب بشيء ، فعلى البائع القبول ، ويصير الصبغ ملكا للبائع ؛ لأنه صفة للثوب لا تزايله ، وليس كالنعل . هذا لفظ الإمام ، قال : ولا صائر إلى أنه يرد ويبقى شريكا في الثوب كما في المغصوب ، والاحتمال يتطرق إليه . وإن أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ ، ففي وجوب الإجابة على البائع وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : لا تجب ، لكن يأخذ المشتري الأرش . ولو طلب المشتري أرش العيب ، وقال البائع : رد الثوب لأغرم لك قيمة الصبغ ، ففيمن يجاب ؟ وجهان . وقطع ابن الصباغ والمتولي ، بأن المجاب البائع ، ولا أرش للمشتري .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو قصر الثوب ، ثم علم العيب ، بني على أن القصارة عين أو أثر ؟ إن قلنا : عين ، فكالصبغ . وإن قلنا : أثر ، رد الثوب بلا شيء ، كالزيادات المتصلة ، وعلى هذا فقس نظائره .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية