الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم "

                                                                                                                                            وهذا كما قال

                                                                                                                                            الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة في التشهد الآخر ، وبه قال من الصحابة عبد الله بن مسعود ، وأبو مسعود البدري ، ومن التابعين : محمد بن كعب القرظي ، ومن الفقهاء إسحاق بن راهويه

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ، ومالك وسائر الفقهاء : هي سنة وليست بواجبة استدلالا بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم حين علمه التشهد قال له : " فإذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد " . قالوا : ولأنها جلسة موضوعة للتشهد فوجب أن لا تجب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالتشهد الأول ، قالوا : ولأنه ذكر في قعود فاقتضى أن يكون غير واجب كالدعاء ، قالوا : ولأن أصول الصلاة موضوعة على أنه لا يجب ذكران في ركن ، فلما زعمتم أن التشهد واجب اقتضى أن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير واجبة

                                                                                                                                            ودليلنا قوله عز وجل : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما

                                                                                                                                            قال الشافعي : فأوجب علينا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأولى الأحوال أن يكون في الصلاة ، وقال أصحابنا : أوجب علينا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أجمعوا أنه لا يجب في غير الصلاة فثبت أنه في الصلاة

                                                                                                                                            قال الكرخي : إنما الواجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة ، وهو أن يصلي عليه في العمر مرة واحدة ، فيقال له الكلام مع أبي حنيفة ، وهو لا يوجب الصلاة عليه بحال

                                                                                                                                            وروى فضالة بن عبيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يحمد ربه ، عز وجل ، ولم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : " إذا صلى أحدكم فليف بالحمد لله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم " وهذا أمر

                                                                                                                                            [ ص: 138 ] وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يصل علي فيها

                                                                                                                                            وروى ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : قلنا يا رسول الله أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه ، وكيف نصلي ؟ " فأخبر أن الصلاة عليه مأمور بها ، ولأنها عبادة تفتقر إلى ذكر الله ، عز وجل ، فوجب أن تفتقر إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأذان

                                                                                                                                            فأما الجواب عن حديث ابن مسعود فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن قوله " فإن شئت فقم ، وإن شئت فاقعد " من قول ابن مسعود ، وإنما أدرجه بعض الرواة ، هكذا قاله أصحاب الحديث

                                                                                                                                            والثاني : أن نسلم لهم ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ويحمل على ما قبل فرض التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن ابن مسعود قال : " كنا قبل أن يفرض علينا التشهد نشير بأيدينا "

                                                                                                                                            وأما قياسهم على التشهد الأول فالمعنى فيه : أن محله غير واجب ، وأما استدلالهم أن أحوال الصلاة موضوعة على أنه لا يجب ذكران منها في ركن فهو أصل لا يستمر ، ودليل لا يسلم لأن القيام ذكر ، وفيه ذكران مفروضان الإحرام ، والقراءة ، فكذلك القعود ، فإذا ثبت وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا فسيأتي ذكر ذلك وصفته من بعد في " ذكر التشهد "

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية