(4) الرابع من شعب الإيمان ، وهو باب في
nindex.php?page=treesubj&link=28738_28739الإيمان بالقرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين .
قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ، والكتاب الذي نزل على رسوله ، والكتاب الذي أنزل من قبل ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنزل إليك ، وما أنزل من قبلك ) وغير ذلك من الآيات في هذا المعنى .
وروينا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048nindex.php?page=treesubj&link=28653_28735_28739_30172عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " .
والإيمان بالقرآن يتشعب شعبا :
فأولاها : الإيمان بأنه كلام الله تبارك وتعالى ، وليس من وضع
محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا من وضع
جبريل عليه السلام .
والثانية : الاعتراف بأنه معجز النظم لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه .
والثالثة : اعتقاد أن جميع القرآن الذي توفي النبي صلى الله عليه وسلم عنه هو هذا الذي في مصاحف المسلمين ، لم يفت منه شيء ، ولم يضع بنسيان ناس ، ولا ضلال صحيفة ، ولا موت قارئ ، ولا كتمان كاتم ، ولم يحرف منه شيء ، ولم يزد فيه حرف ، ولم ينقص منه
[ ص: 327 ] حرف ، فأما الوجه الأول : فإن الله عز وجل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أفلا يتدبرون القرآن ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ، والملائكة يشهدون ، وكفى بالله شهيدا ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وإنه لتنزيل رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك لتكون من المنذرين ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) .
ومعناه والله أعلم أنزلنا الرسول المودى له به فيكون الرسول منتقلا من علو إلى سفل مؤديا للكلام الذي حفظه ، وذلك بين في الآية قبلها ، وهو أنه أخبر أنه نزل به الروح الأمين على قلب
محمد صلى الله عليه وسلم فيكون
جبريل عليه السلام منتقلا به من مقامه المعلوم إلى الأرض موديا له إلى
محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخبر في الآية قبلها أنه أنزله بعلمه ، وفي الآية قبلها أنه من عنده لا من عند غيره ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ألا له الخلق والأمر ) .
ففصل بين المخلوق والأمر ، ولو كان الأمر مخلوقا ، لم يكن لتفصيله معنى ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129ولولا كلمة سبقت من ربك ) .
والسبق على الإطلاق يقتضي سبق كل شيء سواه ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) .
فلو كان قوله مخلوقا تعلق بقول آخر ، وذلك حكم ذلك القول حتى يتعلق بما لا
[ ص: 328 ] يتناهى ، وذلك محال .
قال
الأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله : فيما عسى أن يقال على هذا من السؤال : " الكلام على الحقيقة لا ينقل عنه إلا بدليل ، وقوله " كن " أمر تكوين للمعدوم لا أمر تكليف بمنزلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كونوا حجارة ) .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65كونوا قردة خاسئين ) .
ويكون قوله : كن متعلقا بما يكون في الوقت الذي يكون في المعلوم أنه يكون فيه ، فلا يكون ذلك الوقت إلا كان كما يكون نفسه سامعا للصوت وقت وجود الصوت ، وإن كان قبل ذلك سامعا أيضا إلا أنه يتعلق بالصوت وقت وجوده في أنه سمعه حينئذ لا قبله ، والفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40فيكون ) لا تقتضي أن يكون للتعقيب ، مع ما علق عليه ؛ لأن ذلك جواب إنما فكأنه قال : لا يكون قوله كن متعلقا بما يكون إلا كان في الحال التي علم أنه يكون فيها ، وأن لا يوجب استقبال ؛ لأن ذلك مع ما بعده بمنزلة المصدر كما كان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وأن تصوموا خير لكم ) .
معناه : والصيام خير لكم ، وذلك لا يقتضي استقبالا قلنا ، وقد قال الله عز وجل : في
nindex.php?page=treesubj&link=28743_29682إثبات صفة الكلام لنفسه ، ونفي النفاد عنه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=109قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) . وإنما ذكرها بلفظ الجمع على طريق التعظيم كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي رحمه الله : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وكلم الله موسى تكليما ) .
فذكره بالتكرار ، وأخبر الله عز وجل بما كلم به
موسى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11يا موسى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) ، إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41واصطنعتك لنفسي )
[ ص: 329 ]
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=144يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي ، وبكلامي فخذ ما آتيتك ، وكن من الشاكرين ) .
فهذا كلام سمعه
موسى عليه السلام من ربه بإسماع الحق إياه بلا ترجمان كان بينه وبينه ، ودل بذلك على ربوبيته ، ودعاه إلى وحدانيته وعبادته ، وإقامة الصلاة لذكره ، وأخبره أنه اصطفاه لنفسه ، واصطفاه برسالاته وبكلامه ، وأنه مبعوث إلى خلقه ، فمن زعم أنه إنما سمعه من غير الله عز وجل ، فقد زعم أن غير الله ادعى الربوبية لنفسه ، ودعا موسى إلى وحدانية نفسه وذلك كفر ، وإن زعم أن ذلك الغير دعا إلى الله ، كذبه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إني أنا ربك ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) .
ولكان ذلك الغير يقول : ربي وربك ، فاعبده دل على أنه إنما سمعه ممن له الربوبية والوحدانية ، ولأن الأمة اجتمعت مع سائر أهل الملل ، على أن
موسى كان مخصوصا بفضل كلام الله عز وجل ، ولو كان إنما سمعه من مخلوق لم يكن له خاصية ، ولا شبه أن يكون من سمعه من
جبريل أكثر خاصية منه لزيادة فضل
جبريل على صوت يخلقه الله عز وجل في الوقت
لموسى .
وقد روينا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مناظرة
آدم وموسى قال : " فقال
آدم لموسى : أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء الحجاب لم يجعل الله بينك وبينه رسولا من خلقه " .
(4) الرَّابِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ ، وَهُوَ بَابٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28738_28739الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=136يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ، وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048nindex.php?page=treesubj&link=28653_28735_28739_30172عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ " .
وَالْإِيمَانُ بِالْقُرْآنِ يَتَشَعَّبُ شُعَبًا :
فَأُولَاهَا : الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَلَيْسَ مِنْ وَضْعِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا مِنْ وَضْعِ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَالثَّانِيَةُ : الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ مُعْجِزُ النَّظْمِ لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ .
وَالثَّالِثَةُ : اعْتِقَادُ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ الَّذِي تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ هُوَ هَذَا الَّذِي فِي مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ ، لَمْ يَفُتْ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَمْ يُضَعْ بِنِسْيَانِ نَاسٍ ، وَلَا ضَلَالِ صَحِيفَةٍ ، وَلَا مَوْتِ قَارِئٍ ، وَلَا كِتْمَانِ كَاتِمٍ ، وَلَمْ يُحَرَّفْ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ حَرْفٌ ، وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ
[ ص: 327 ] حَرْفٌ ، فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=155وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ، وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ ، وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=192وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .
وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْزَلْنَا الرَّسُولَ الْمُودَّى لَهُ بِهِ فَيَكُونُ الرَّسُولُ مُنْتَقِلًا مِنْ عُلُوِّ إِلَى سُفْلٍ مُؤَدِّيًا لِلْكَلَامِ الَّذِي حَفِظَهُ ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا ، وَهُوَ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنْتَقِلًا بِهِ مِنْ مَقَامِهِ الْمَعْلُومِ إِلَى الْأَرْضِ مُوَدِّيًا لَهُ إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَخْبَرَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَنَّهُ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ، وَفِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لَا مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ) .
فَفَصَلَ بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْأَمْرِ ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا ، لَمْ يَكُنْ لِتَفْصِيلِهِ مَعْنًى ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ) .
وَالسَّبْقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي سَبْقَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) .
فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ مَخْلُوقًا تَعَلَّقَ بِقَوْلٍ آخَرَ ، وَذَلِكَ حُكْمُ ذَلِكَ الْقَوْلِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِمَا لَا
[ ص: 328 ] يَتَنَاهَى ، وَذَلِكَ مُحَالٌ .
قَالَ
الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فِيمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا مِنَ السُّؤَالِ : " الْكَلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُنْقَلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ ، وَقَوْلُهُ " كُنْ " أَمْرُ تَكْوِينٍ لِلْمَعْدُومِ لَا أَمْرُ تَكْلِيفٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كُونُوا حِجَارَةً ) .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) .
وَيَكُونُ قَوْلُهُ : كُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَا يَكُونُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَعْلُومِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَقْتُ إِلَّا كَانَ كَمَا يَكُونُ نَفْسُهُ سَامِعًا لِلصَّوْتِ وَقْتَ وُجُودِ الصَّوْتِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ سَامِعًا أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالصَّوْتِ وَقْتَ وُجُودِهِ فِي أَنَّهُ سَمِعَهُ حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40فَيَكُونُ ) لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلتَّعْقِيبِ ، مَعَ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ إِنَّمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَكُونُ قَوْلُهُ كُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَا يَكُونُ إِلَّا كَانَ فِي الْحَالِ الَّتِي عُلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا ، وَأَنْ لَا يُوجُبَ اسْتِقْبَالٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ مَا بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ كَمَا كَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) .
مَعْنَاهُ : وَالصِّيَامُ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اسْتِقْبَالًا قُلْنَا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28743_29682إِثْبَاتِ صِفَةِ الْكَلَامِ لِنَفْسِهِ ، وَنَفْيِ النَّفَادِ عَنْهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=109قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) . وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى طَرِيقِ التَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=164وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) .
فَذَكَرَهُ بِالتَّكْرَارِ ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا كَلَّمَ بِهِ
مُوسَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=11يَا مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=13وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ، إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=41وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي )
[ ص: 329 ]
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=144يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي ، وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ ، وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) .
فَهَذَا كَلَامٌ سَمِعَهُ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ رَبِّهِ بِإِسْمَاعِ الْحَقِّ إِيَّاهُ بِلَا تُرْجُمَانٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ ، وَدَعَاهُ إِلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِهِ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ ، وَاصْطَفَاهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ ، وَأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى خَلْقِهِ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ لِنَفْسِهِ ، وَدَعَا مُوسَى إِلَى وَحْدَانَيَّةِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ كُفْرٌ ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ دَعَا إِلَى اللَّهِ ، كَذَّبَهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=12إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي ) .
وَلَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ يَقُولُ : رَبِّي وَرَبُّكَ ، فَاعْبُدْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِمَّنْ لَهُ الرُّبُوبِيَّةُ وَالْوَحْدَانِيَّةُ ، وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ مَعَ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ ، عَلَى أَنَّ
مُوسَى كَانَ مَخْصُوصًا بِفَضْلِ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَاصِيَّةُ ، وَلَا شَبَهٌ أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ
جِبْرِيلَ أَكْثَرَ خَاصِيَّةً مِنْهُ لِزِيَادَةِ فَضْلِ
جِبْرِيلَ عَلَى صَوْتٍ يَخْلُقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَقْتِ
لِمُوسَى .
وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ مُنَاظَرَةِ
آدَمَ وَمُوسَى قَالَ : " فَقَالَ
آدَمُ لِمُوسَى : أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ " .