nindex.php?page=treesubj&link=28765_28804السابع من شعب الإيمان ، وهو باب في الإيمان بالبعث والنشور بعد الموت .
وآيات القرآن في البعث كثيرة فمنها : قول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ) .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قل الله يحييكم ثم يميتكم ) الآية ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ، وأنكم إلينا لا ترجعون ) " .
وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17096مطر الوراق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16423عبد الله بن بريدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=676575nindex.php?page=treesubj&link=28653_30336_28647_28733_28739_30172_28776عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإيمان قال : فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبالبعث من بعد الموت ، وبالقدر كله .
[ 253 ] " أخبرناه
أبو بكر أحمد بن محمد الأشناني ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=11842أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14274عثمان بن سعيد الدارمي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سليمان بن حرب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن
مطر فذكره .
وهو مخرج في كتاب مسلم "
nindex.php?page=treesubj&link=30336والإيمان بالبعث هو أن يؤمن بأن الله تعالى يعيد الرفات من أبدان الأموات ، [ ص: 411 ] ويجمع ما تفرق منها في البحار ، وبطون السباع وغيرها حتى تصير بهيئتها الأولى ، ثم يجمعها حية ، فيقوم الناس كلهم بأمر الله تعالى أحياء ، صغيرهم وكبيرهم حتى السقط الذي قد تم خلقه ، ونفخ فيه الروح ، فأما الذي لم يتم خلقه ، أو لم ينفخ فيه الروح أصلا ، فهو وسائر الأموات بمنزلة واحدة ، والله تعالى أعلم .
وأما قول الله عز وجل في صفة القيامة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1إن زلزلة الساعة شيء عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ) .
فإنما أراد الحوامل اللاتي متن بأحمالهن ، فإذا بعثن أسقطن تلك الأحمال من فزع يوم القيامة ، ثم إن كانت الأحمال أحياء في الدنيا أسقطنها يوم القيامة أحياء ، ولا يتكرر عليها الموت ، وإن كانت الأحمال لم ينفخ فيها الروح في الدنيا ، أسقطنها أمواتا ، كما كانت ؛ لأن الإحياء إنما هو إعادة الحياة إلى من كان حيا فأميت ، ومن لم يكن له في الحياة نصيب فلا نصيب له في الحياة الآخرة .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=30340_30336ذكر الله عز وجل في غير آية من كتابه إثبات البعث منها قول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) فأحال بقدرته على إحياء الموتى على قدرته على خلق السماوات والأرض التي هي أعظم جسما من الناس .
[ ص: 412 ]
ومنها قوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78قال من يحيي العظام وهي رميم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة ؛ لأنها في معناها ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=80الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ، فإذا أنتم منه توقدون ) فجعل ظهور النار على حرها ويبسها من الشجر الأخضر على نداوته ورطوبته دليلا على جواز خلقه الحياة في الرمة البالية ، والعظام النخرة ، وقد نبهنا الله عز وجل في غير آية من كتابه على إحياء الموتى بالأرض تكون حية تنبت وتنمى ، وتثمر ، ثم تموت فتصير إلى أن لا تنبت ، وتبقى خاشعة جامدة ، ثم يحييها فتصير إلى أن تنبت وتنمى وهو الفاعل لحياتها وموتها ثم حياتها ، فإذا قدر على ذلك لم يعجزه أن يميت الإنسان ، ويسلبه معاني الحياة ، ثم يعيدها إليه ، ويجلعه كما كان .
ونبهنا بإحياء النطفة التي هي ميتة ، وخلق الحيوان منها على قدرته على إحياء الموتى فقال عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) يعني نطفا في الأصلاب ، والأرحام فخلقكم منها بشرا تنتشرون .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=20ألم نخلقكم من ماء مهين nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=21فجعلناه في قرار مكين nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=22إلى قدر معلوم nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=23فقدرنا فنعم القادرون ) .
[ ص: 413 ] فأعلمنا أنه إذا أخرج النطفة من صلب الأب فهي ميتة ، ثم إنه جل ثناؤه جعلها حية في رحم الأم ، يخلق من يخلق منها ، ويركب الحياة فيه فهذا إحياء ميتة في المشاهدة ، فمن يقدر على هذا لا يعجز عن أن يميت هذا الخلق ، ثم يعيده حيا ، ثم بسط هذا المعنى في آية أخرى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37ألم يك نطفة من مني يمنى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38ثم كان علقة فخلق فسوى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=40أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) ونبهنا على ذلك بفلق الحب والنوى فقال عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=95إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ) .
وذلك أن الحب إذا جف ويبس بعد انتهاء نمائه وقع اليأس من ازدياده ، وكذلك النوى إذا تناهى عظمه ، وجف ويبس كانا ميتين ، ثم إنهما إذا أودعا الأرض الحية فلقهما الله تعالى ، وأخرج منهما ما يشاهد من النخل ، والزرع حيا ينشأ وينمو إلى أن يبلغ غايته ، ويدخل في هذا المعنى البيضة تفارق البائض ، ويجري عليها حكم الموت ، ثم يخلق الله منها حيا فهل هذا إلا إحياء الميتة ، وهو أمر مشاهد والعلم به ضرورى .
وقد نبهنا الله عز وجل على إحياء الموتى بما أخبر من إراءة
إبراهيم عليه السلام إحياء الأموات ، وقد نقلته عامة أهل الملل .
وبما أخبر به عن الذين خرجوا من ديارهم ، وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم
[ ص: 414 ]
وبما أخبر به عن الذي مر على قرية ، وهي خاوية على عروشها قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) .
وبما أخبر به عن عصا
موسى عليه السلام وقلبه إياه حية ، ثم إعادتها خشبة ، ثم جعلها عند محاجة السحرة حية ، ثم إعادتها خشبة ، وقد اشتركت عامة أهل الملل في نقله . وبما أخبر به من شأن أصحاب الكهف الذين ضرب على آذانهم زيادة على ثلثمائة سنة ، ثم أحياهم ليدل قومهم عندما أعثرهم عليهم على أن ما أنذروا به من البعث بعد الموت حق لا ريب فيه وقد نقلنا الآثار في شرح ذلك في الأول من كتاب " البعث والنشور "
[ ص: 415 ]
nindex.php?page=treesubj&link=28765_28804السَّابِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِي الْبَعْثِ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=26قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ) الْآيَةُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) " .
وَرُوِّينَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17096مَطَرٍ الْوَرَّاقِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16423عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=676575nindex.php?page=treesubj&link=28653_30336_28647_28733_28739_30172_28776عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ قَالَ : فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، وَبِالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ، وَبِالْقَدَرِ كُلِّهِ .
[ 253 ] " أَخْبَرَنَاهُ
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأُشْنَانِيُّ ، أَخْبَرَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11842أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=14274عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16039سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ
مَطَرٍ فَذَكَرَهُ .
وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ "
nindex.php?page=treesubj&link=30336وَالْإِيمَانُ بِالْبَعْثِ هُوَ أَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُ الرُّفَاتَ مِنْ أَبْدَانِ الْأَمْوَاتِ ، [ ص: 411 ] وَيَجْمَعُ مَا تَفَرَّقَ مِنْهَا فِي الْبِحَارِ ، وَبُطُونِ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا حَتَّى تَصِيرَ بِهَيْئَتِهَا الْأُولَى ، ثُمَّ يَجْمَعُهَا حَيَّةً ، فَيَقُومُ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَحْيَاءً ، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ حَتَّى السِّقْطُ الَّذِي قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ ، فَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ ، أَوْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ أَصْلًا ، فَهُوَ وَسَائِرُ الْأَمْوَاتِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِفَةِ الْقِيَامَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) .
فَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَوَامِلَ اللَّاتِي مُتْنَ بَأَحْمَالِهِنَّ ، فَإِذَا بُعِثْنَ أَسْقَطْنَ تِلْكَ الْأَحْمَالَ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْأَحْمَالُ أَحْيَاءً فِي الدُّنْيَا أَسْقَطْنَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيَاءً ، وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا الْمَوْتُ ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَحْمَالُ لَمْ يُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ فِي الدُّنْيَا ، أَسْقَطْنَهَا أَمْوَاتًا ، كَمَا كَانَتْ ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ إِنَّمَا هُوَ إِعَادَةُ الْحَيَاةِ إِلَى مِنْ كَانَ حَيًّا فَأُمِيتَ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْحَيَاةِ نَصِيبٌ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=30340_30336ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ إِثْبَاتَ الْبَعْثِ مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=33أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنَّ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فَأَحَالَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ جِسْمًا مِنَ النَّاسِ .
[ ص: 412 ]
وَمِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) فَجَعَلَ النَّشْأَةَ الْأُولَى دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=80الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا ، فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) فَجَعَلَ ظُهُورَ النَّارِ عَلَى حَرِّهَا وَيُبْسِهَا مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ عَلَى نَدَاوَتِهِ وَرُطُوبَتِهِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ خَلْقِهِ الْحَيَاةَ فِي الرِّمَّةِ الْبَالِيَةِ ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ ، وَقَدْ نَبَّهَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِالْأَرْضِ تَكُونُ حَيَّةً تُنْبِتُ وَتُنَمَّى ، وَتُثْمِرُ ، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَصِيرُ إِلَى أَنْ لَا تُنْبِتَ ، وَتَبْقَى خَاشِعَةً جَامِدَةً ، ثُمَّ يُحْيِيهَا فَتَصِيرُ إِلَى أَنْ تُنْبِتَ وَتُنَمَّى وَهُوَ الْفَاعِلَ لِحَيَاتِهَا وَمَوْتِهَا ثُمَّ حَيَاتِهَا ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُعْجِزْهُ أَنْ يُمِيتَ الْإِنْسَانَ ، وَيَسْلُبَهُ مَعَانِيَ الْحَيَاةِ ، ثُمَّ يُعِيدَهَا إِلَيْهِ ، وَيَجْلَعَهُ كَمَا كَانَ .
وَنَبَّهَنَا بِإِحْيَاءِ النُّطْفَةِ الَّتِي هِيَ مَيِّتَةٌ ، وَخَلَقَ الْحَيَوَانَ مِنْهَا عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ) يَعْنِي نُطَفًا فِي الْأَصْلَابِ ، وَالْأَرْحَامِ فَخَلَقَكُمْ مِنْهَا بَشَرًا تَنْتَشِرُونَ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=20أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=21فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=22إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=23فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ ) .
[ ص: 413 ] فَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ النُّطْفَةَ مِنْ صُلْبِ الْأَبِ فَهِيَ مَيِّتَةٌ ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَهَا حَيَّةُ فِي رَحِمِ الْأُمِّ ، يَخْلُقُ مَنْ يَخْلُقُ مِنْهَا ، وَيُرَكِّبُ الْحَيَاةَ فِيهِ فَهَذَا إِحْيَاءُ مَيِّتَةٍ فِي الْمُشَاهَدَةِ ، فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا لَا يَعْجِزُ عَنْ أَنْ يُمِيتَ هَذَا الْخَلْقَ ، ثُمَّ يُعِيدَهُ حَيًّا ، ثُمَّ بَسَطَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=38ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=39فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=40أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) وَنَبَّهَنَا عَلَى ذَلِكَ بِفَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=95إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) .
وَذَلِكَ أَنَّ الْحَبَّ إِذَا جَفَّ وَيَبِسَ بَعْدَ انْتِهَاءِ نَمَائِهِ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنِ ازْدِيَادِهِ ، وَكَذَلِكَ النَّوَى إِذَا تَنَاهَى عِظَمِهِ ، وَجَفَّ وَيَبِسَ كَانَا مَيِّتَيْنِ ، ثُمَّ إِنَّهُمَا إِذَا أُودِعَا الْأَرْضَ الْحَيَّةَ فَلَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَخْرَجَ مِنْهُمَا مَا يُشَاهَدُ مِنَ النَّخْلِ ، وَالزَّرْعِ حَيًّا يَنْشَأُ وَيَنْمُو إِلَى أَنْ يَبْلُغَ غَايَتَهُ ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْبَيْضَةُ تُفَارِقُ الْبَائِضَ ، وَيَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ الْمَوْتِ ، ثُمَّ يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْهَا حَيًّا فَهَلْ هَذَا إِلَّا إِحْيَاءُ الْمَيِّتَةِ ، وَهُوَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ وَالْعِلْمُ بِهِ ضَرُورَى .
وَقَدْ نَبَّهَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِمَا أَخْبَرَ مِنْ إِرَاءَةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِحْيَاءَ الْأَمْوَاتِ ، وَقَدْ نَقَلَتْهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْمِلَلِ .
وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ، وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ
[ ص: 414 ]
وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ، وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) .
وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ عَصًا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَلْبِهِ إِيَّاهُ حَيَّةً ، ثُمَّ إِعَادَتِهَا خَشَبَةً ، ثُمَّ جَعَلَهَا عِنْدَ مُحَاجَّةِ السَّحَرَةِ حَيَّةً ، ثُمَّ إِعَادَتِهَا خَشَبَةً ، وَقَدِ اشْتَرَكَتْ عَامَّةُ أَهْلِ الْمِلَلِ فِي نَقْلِهِ . وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ الَّذِينَ ضَرَبَ عَلَى آذَانِهِمْ زِيَادَةً عَلَى ثَلَثِمِائَةِ سَنَةٍ ، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِيُدِلَّ قَوْمَهُمْ عِنْدَمَا أَعْثَرَهُمْ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ مَا أُنْذِرُوا بِهِ مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ وَقَدْ نَقَلْنَا الْآثَارَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ " الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ "
[ ص: 415 ]