(51) الحادي والخمسون من شعب الإيمان " وهو باب في الحكم بين الناس "
قال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ) .
وقال في صفة نفسه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قائما بالقسط ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) .
إلى غير ذلك من الآيات التي أمر فيها بالعدل في الحكم ، والكيل ، والميزان ، والشهادة . قال : فوصف جل ثناؤه بالقسط وهو العدل ، وأمر عباده به ، ووصاهم فيما يتعاملون به بملازمته ، والانتهاء [ إلى ما توجبه آلة العدل الموضوعة بينهم من المكيال ، والميزان ، فثبت بهذا ] كله أن
nindex.php?page=treesubj&link=19831_19830_19836العدل بين الناس في الأحكام وعامة المعاملات من فرائض الدين ، فأما ما اتصل منه بغير الحكم فالناس كلهم مأمورون بأن ينصف بعضهم بعضا من نفسه ، فلا الطالب يطلب ما ليس له ، ولا المطلوب يمنع ما عليه بعد أن كان قادرا على أن يعفو به .
وأما ما اتصل منه بالحكم فجملته أن الحاكم لا ينبغي له أن يتبع هواه ، ولا يتعدى الحق إلى ما سواه ، كما قال الله عز وجل لداود عليه السلام :
[ ص: 31 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) .
فإن الحاكم ليس رجلا خص من بين الناس ، فقيل له : احكم بما شئت ، فإن هذا لم يكن لملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وإنما اؤتمن على حكم الله - تعالى جده - ليفصل بين عباده به ، وتحمل المختلفين عليه فكل ما قاله بين الخصمين مما ليس بحكم لله - عز وجل - فهو مردود عليه ، وهو فيه أسوأ حالا ممن قاله وهو غير حاكم ، لأنه اؤتمن فخان ، وكذب على الله - جل ثناؤه - واختيان الأمانة نفاق ، والكذب على الله شقاق ، والله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) .
ويقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) .
قال : وينبغي للإمام ألا يولي الحكم بين الناس إلا من جمع إلى العلم السكينة والتثبت ، وإلى الفهم الصبر والحلم ، وكان عدلا أمينا ، نزها عن المطاعم الدنية ، ورعا عن المطامع الرديئة ، شديدا قويا في ذات الله ، متيقظا متحفظا من سخط الله ، ليس بالنكس الخوار فلا يهاب ، ولا بالمتعظم الجبار ، فلا ينتاب ، لكن وسطا خيارا ، ولا يدع الإمام مع ذلك أن يديم الفحص عن سيرته ، والتعرف بحاله وطريقته ، [ ويقابل منه ما يجب تغييره بعاجل التغيير ، وما يجب تقريره بأحسن التقرير ] ، ويرزقه من بيت المال إن لم يجد من يعمل بغير رزق ما يعلم أنه يكفيه ، ويقوي مما ولاه يده ، ويشد أزره ، وبسط الكلام فيه إلى أن قال : ويتوقى أن يقال في ولايته : هذا حكم الله ، وهذا حكم الديوان ، فإن هذا من قائله إشراك بالله ، إذ لا حكم إلا لله ، قال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ) .
كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26ولا يشرك في حكمه أحدا )
[ ص: 32 ] إلى غير ذلك من الآيات التي وردت في معناه ، وقد وردت في تقلد القضاء آثار تزهد فيه ، بل توجب التحرز والفرار منه ، وهي محمولة على تعظيم أمر القضاء ، والدلالة على خطره ورفعة قدره ، لا على الكراهة له من طريق أن فيه قبحا ، أو مأثما ، أو سقاطة ، وأن من فر منه فلإشفاقه من ألا يقوم بحقه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رحمه الله : فمن علم من نفسه ما لا يمكنه القيام معه بحقه فلا ينبغي له أن يتعرض للشروع فيه ، ومن علم من نفسه أنه يصلح له فينبغي له أن يشاور فيه أهل العلم والفضل والأمانة ممن خبره ويبطن حاله وأمره على نفسه ؛ ليخبروه عن نفسه بما لعله يخفى عليه . وبسط
nindex.php?page=showalam&ids=14164الحليمي الكلام فيه وفي غيره .
وقد ذكرنا ما ورد في كل فصل من فصوله من الأخبار ، والآثار في كتاب آداب القاضي من " كتاب السنن " من أراد الوقوف عليه رجع إليه إن شاء الله .
(51) الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ " وَهُوَ بَابٌ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ "
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ) .
وَقَالَ فِي صِفَةِ نَفْسِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18قَائِمًا بِالْقِسْطِ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
إِلَى غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِالْعَدْلِ فِي الْحُكْمِ ، وَالْكَيْلِ ، وَالْمِيزَانِ ، وَالشَّهَادَةِ . قَالَ : فَوُصِفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ ، وَأَمَرَ عِبَادَهُ بِهِ ، وَوَصَّاهُمْ فِيمَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ بِمُلَازَمَتِهِ ، وَالِانْتِهَاءِ [ إِلَى مَا تُوجِبُهُ آلَةُ الْعَدْلِ الْمَوْضُوعَةِ بَيْنَهُمْ مِنَ الْمِكْيَالِ ، وَالْمِيزَانِ ، فَثَبَتَ بِهَذَا ] كُلِّهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19831_19830_19836الْعَدْلَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْأَحْكَامِ وَعَامَّةِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ ، فَأَمَّا مَا اتَّصَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ الْحُكْمِ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مَأْمُورُونَ بِأَنْ يُنْصِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ نَفْسِهِ ، فَلَا الطَّالِبُ يَطْلُبُ مَا لَيْسَ لَهُ ، وَلَا الْمَطْلُوبُ يَمْنَعُ مَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَعْفُوَ بِهِ .
وَأَمَّا مَا اتَّصَلَ مِنْهُ بِالْحُكْمِ فَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ هَوَاهُ ، وَلَا يَتَعَدَّى الْحَقَّ إِلَى مَا سِوَاهُ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
[ ص: 31 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=26يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) .
فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ رَجُلًا خُصَّ مِنْ بَيْنَ النَّاسِ ، فَقِيلَ لَهُ : احْكُمْ بِمَا شِئْتَ ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، وَإِنَّمَا اؤْتُمِنَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ - تَعَالَى جَدُّهُ - لِيَفْصِلَ بَيْنَ عِبَادِهِ بِهِ ، وَتَحْمِلَ الْمُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ فَكُلُّ مَا قَالَهُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مِمَّا لَيْسَ بِحُكْمٍ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِيهِ أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ قَالَهُ وَهُوَ غَيْرُ حَاكِمٍ ، لِأَنَّهُ اؤْتُمِنَ فَخَانَ ، وَكَذَبَ عَلَى اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - وَاخْتِيَانُ الْأَمَانَةِ نِفَاقٌ ، وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ شِقَاقٌ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=27يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) .
وَيَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) .
قَالَ : وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَلَا يُوَلِّيَ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ جَمَعَ إِلَى الْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالتَّثَبُّتَ ، وَإِلَى الْفَهْمِ الصَّبْرَ وَالْحِلْمَ ، وَكَانَ عَدْلًا أَمِينًا ، نَزِهًا عَنِ الْمَطَاعِمِ الدَّنِيَّةَ ، وَرِعًا عَنِ الْمَطَامِعِ الرَّدِيئَةِ ، شَدِيدًا قَوِيًّا فِي ذَاتِ اللَّهِ ، مُتَيَقِّظًا مُتَحَفِّظًا مِنْ سَخِطَ اللَّهِ ، لَيْسَ بِالنِّكْسِ الْخَوَّارِ فَلَا يُهَابُ ، وَلَا بِالْمُتَعَظِّمِ الْجَبَّارِ ، فَلَا يُنْتَابُ ، لَكِنْ وَسَطًا خِيَارًا ، وَلَا يَدَعُ الْإِمَامُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُدِيمَ الْفَحْصَ عَنْ سِيرَتِهِ ، وَالتَّعَرُّفَ بِحَالِهِ وَطَرِيقَتِهِ ، [ وَيُقَابِلُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَغْيِيرُهُ بِعَاجِلِ التَّغْيِيرِ ، وَمَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِأَحْسَنِ التَّقْرِيرِ ] ، وَيَرْزُقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْمَلُ بِغَيْرِ رِزْقٍ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ ، وَيُقَوِّي مِمَّا وَلَّاهُ يَدَهُ ، وَيَشُدُّ أَزْرَهُ ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ إِلَى أَنْ قَالَ : وَيُتَوَقَّى أَنْ يُقَالَ فِي وِلَايَتِهِ : هَذَا حُكْمُ اللَّهِ ، وَهَذَا حُكْمُ الدِّيوَانِ ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ إِشْرَاكٌ بِاللَّهِ ، إِذْ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) .
كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=26وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )
[ ص: 32 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي مَعْنَاهُ ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ آثَارٌ تُزَهِّدُ فِيهِ ، بَلْ تُوجِبُ التَّحَرُّزَ وَالْفِرَارَ مِنْهُ ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ الْقَضَاءِ ، وَالدِّلَالَةِ عَلَى خَطَرِهِ وَرِفْعَةِ قَدْرِهِ ، لَا عَلَى الْكَرَاهَةَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَّ فِيهِ قُبْحًا ، أَوْ مَأْثَمًا ، أَوْ سُقَاطَةً ، وَأَنَّ مَنْ فَرَّ مِنْهُ فَلِإِشْفَاقِهِ مِنْ أَلَّا يَقُومَ بِحَقِّهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ مَا لَا يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ مَعَهُ بِحَقِّهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلشُّرُوعِ فِيهِ ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَصْلُحُ لَهُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالْأَمَانَةِ مِمَّنْ خَبِرَهُ وَيُبْطَنَ حَالَهُ وَأَمْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِيُخْبِرُوهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا لَعَلَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ . وَبَسَطَ
nindex.php?page=showalam&ids=14164الْحَلِيمِيُّ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا وَرَدَ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ فُصُولِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ ، وَالْآثَارِ فِي كِتَابِ آدَابِ الْقَاضِي مِنْ " كِتَابِ السُّنَنِ " مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .