[ ص: 74 ] nindex.php?page=treesubj&link=28828المقدمة في ترجيح مذهب السلف على غيره من سائر المذاهب
وقد قدمنا ما يفيد أن مذهب السلف ، وما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضوان الله عليهم - ومن بعدهم من أئمة الدين والديانة ، والمعرفة والصيانة ، والسنة والأمانة ، وإنما نسب لإمامنا الإمام
أحمد - رضي الله عنه ; لأنه انتهى إليه من السنة ، ونصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما انتهى إلى غيره ، وابتلي بالمحنة والرد على أهل البدع أكثر من غيره ، فصار إماما في السنة أظهر من غيره ، ولهذا قال بعض شيوخ المغاربة : المذهب
لمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما من الأئمة ، والظهور للإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل . فالذي عليه
أحمد عليه جميع الأئمة ، وإن زاد بعضهم على بعض في العلم والبيان ، وإظهار الحق ، ودفع الباطل .
( ( اعلم هديت أنه جاء الخبر عن النبي المقتفى خير البشر ) ) ( ( بأن ذي الأمة سوف تفترق
بضعا وسبعين اعتقادا والمحق ) ) ( ( ما كان في نهج النبي المصطفى
وصحبه من غير زيغ وجفا ) )
( ( اعلم ) ) فعل أمر من العلم ، وهو حكم الذهن الجازم المطابق للواقع ، أي كن متهيئا ومتفهما لإدراك ما يلقى إليك من العلوم ، وما في ضمن المنثور من كلامي والمنظوم ، ( هديت ) جملة معترضة دعائية من الهداية ، وهي الدلالة ، والمراد بها هنا الدلالة الموصلة إلى المطلوب بقرينة المقام ، ( أنه ) أي : الشأن والأمر ، ( جاء الخبر ) يعني الحديث المعول عليه في القديم والحديث ، ( عن النبي ) المصطفى والحبيب ، ( المقتفى ) أي المختص المتبع ، ومن أسمائه - صلى الله عليه وسلم - المقفى ، قال في النهاية : هو المولي الذاهب وقد قفى يقفى فهو مقف ، يعني أنه آخر الأنبياء المتبع لهم ، فإذا قفى فلا نبي بعده . انتهى .
وقال الإمام المحقق
ابن القيم في كتابه " زاد المعاد في هدي خير العباد " : المقفى الذي قفى على آثار من تقدمه من الرسل ، فقفى الله به على آثار من سبقه منهم ، وهذه اللفظة مشتقة من القفو ، قفاه يقفوه إذا تأخر عنه ، ( خير البشر ) بل خير جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة ، فهو سيد العالم وصفوة بني
آدم ، وأفضل خلق الله ، وخير مخلوقات الله - صلى الله عليه
[ ص: 75 ] وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ، ( بأن ذي ) أي هذه ( الأمة ) المحمدية ، والملة الأحمدية ( سوف ) أي سـ ( تفترق ) فيما بعد ( بضعا ) أي إلى بضع ( وسبعين ) فرقة ، والبضع في العدد بالكسر - وقد تفتح - ما بين الثلاث إلى التسع ، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع ، فلا يقال بضع وعشرون ، أو يقال ذلك كما في القاموس ، وعلى هذا القول جرينا في النظم ، فيقال : بضعة وعشرون رجلا ، وبضع وعشرون امرأة ، ولا يعكس ( اعتقادا ) أي افتراقهم لأجل الاعتقاد ، فهو مفعول لأجله ، وهي ضالة منحرفة عن الصراط المستقيم ، والنهج القويم ( و ) إنما ( المحق ) من جميعها طائفة واحدة ، وهي ( ما كان ) سيرها واعتقادها ونهجها واعتمادها ( في نهج ) أي منهج ( النبي المصطفى ) أي صفوة خلق الله نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم ، ويقال : إن من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - المصطفى ، وهو مشهور ملهوج به ، وهو صادق عليه ولائق به ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض في الشفاء بعد أن ذكر المأثور من أسمائه ما لفظه : وجرى منها ، أي ألقابه وسماته في كتب الله المتقدمة ، وكتب أنبيائه ، وأحاديث رسوله ، وإطلاق الأمة جملة شافية كتسميته
بالمصطفى ،
وبالمجتبى ،
وبالحبيب ، والله أعلم . ( و ) من كان منهم في نهج ( صحبه ) رضوان الله عليهم ; أي من كان على منهاجهم ، وسار بسيرهم ، من اقتفاء الرسول في اتباع المنقول ( من غير زيغ ) أي من غير ميل ولا انحراف ولا شك ولا انصراف ، ( و ) من غير ( جفا ) بالجيم أي من غير تجاف عن هديهم ، وإزالة عن نهجهم ، والجفاء نقيض الصلة ، ويقصر ويصح أن يقرأ بالخاء المعجمة ، ويكون المعنى من غير ميل ، ولا كتم وستر ، والخافية ضد العلانية ، والمشار إليه في البيتين هو ما رواه سيدنا الإمام
أحمد من حديث
معاوية رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026055 ( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة . ورواه
أبو داود ، وزاد فيه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026056وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ) ، قوله : الكلب بفتح اللام ، قال
الخطابي : هو داء يعرض للإنسان من عضة
[ ص: 76 ] ( الكلب ) . وقال : وعلامة ذلك في الكلب أن تحمر عيناه ، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه ، فإذا رأى إنسانا ساوره . وفي رواية : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026057ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا فرقة واحدة " . فقيل له : من هم يا رسول الله ؟ يعني الفرقة الناجية ، فقال : " هو من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ، وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026058 " ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا فرقة واحدة ، وهي ما كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي " . قال بعض العلماء : هم يعني الفرقة الناجية ، أهل الحديث ، يعني
الأثرية والأشعرية والماتريدية ، قلت : ولفظ الحديث يعني قوله إلا فرقة واحدة ينافي التعدد ، ولذا قلت :
( وليس هذا النص جزما يعتبر في فرقة إلا على أهل الأثر )
( وليس هذا النص ) المذكور عن منبع النور ومصباح الديجور ( جزما ) يحتمل المصدرية ، أي أجزم به جزما ، أو أنه مفعول لأجله ، أي من جهة الجزم واليقين ( يعتبر ) أي يستدل به ويوافق ( في فرقة ) أي لا ينطق ويصدق على فرقة من الثلاث وسبعين فرقة ( إلا على ) فرقة ( أهل الأثر ) وماعداهم من سائر الفرق قد حكموا العقول ، وخالفوا المنقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم . والواجب أن يتلقى بالقبول ، فأنى يصدق عليهم الخبر ، أو ينطبق عليهم الأثر .
[ ص: 74 ] nindex.php?page=treesubj&link=28828الْمُقَدَّمَةُ فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِ السَّلَفِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا يُفِيدُ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَالدِّيَانَةِ ، وَالْمَعْرِفَةِ وَالصِّيَانَةِ ، وَالسُّنَّةِ وَالْأَمَانَةِ ، وَإِنَّمَا نُسِبَ لِإِمَامِنَا الْإِمَامِ
أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ انْتَهَى إِلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ ، وَنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِمَّا انْتَهَى إِلَى غَيْرِهِ ، وَابْتُلِيَ بِالْمِحْنَةِ وَالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ ، فَصَارَ إِمَامًا فِي السُّنَّةِ أَظْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَغَارِبَةِ : الْمَذْهَبُ
لِمَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَالظُّهُورُ لِلْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ . فَالَّذِي عَلَيْهِ
أَحْمَدُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ ، وَإِنْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ ، وَإِظْهَارِ الْحَقِّ ، وَدَفْعِ الْبَاطِلِ .
( ( اعْلَمْ هُدِيتَ أَنَّهُ جَاءَ الْخَبَرْ عَنِ النَّبِيِّ الْمُقْتَفَى خَيْرِ الْبَشَرْ ) ) ( ( بِأَنَّ ذِي الْأُمَّةَ سَوْفَ تَفْتَرِقْ
بِضْعًا وَسَبْعِينَ اعْتِقَادًا وَالْمُحِقْ ) ) ( ( مَا كَانَ فِي نَهْجِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى
وَصَحْبِهِ مِنْ غَيْرِ زَيْغٍ وَجَفَا ) )
( ( اعْلَمْ ) ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْعِلْمِ ، وَهُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ ، أَيْ كُنْ مُتَهَيِّئًا وَمُتَفَهِّمًا لِإِدْرَاكِ مَا يُلْقَى إِلَيْكَ مِنَ الْعُلُومِ ، وَمَا فِي ضِمْنِ الْمَنْثُورِ مِنْ كَلَامِي وَالْمَنْظُومِ ، ( هُدِيتَ ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ دُعَائِيَّةٌ مِنَ الْهِدَايَةِ ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إِلَى الْمَطْلُوبِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ ، ( أَنَّهُ ) أَيِ : الشَّأْنَ وَالْأَمْرَ ، ( جَاءَ الْخَبَرُ ) يَعْنِي الْحَدِيثَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ ، ( عَنِ النَّبِيِّ ) الْمُصْطَفَى وَالْحَبِيبِ ، ( الْمُقْتَفَى ) أَيِ الْمُخْتَصِّ الْمُتَّبَعِ ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقَفَّى ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هُوَ الْمُوَلِّي الذَّاهِبُ وَقَدْ قَفَّى يُقَفَّى فَهُوَ مُقَفٍّ ، يَعْنِي أَنَّهُ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَّبِعُ لَهُمْ ، فَإِذَا قَفَّى فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ . انْتَهَى .
وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ " زَادِ الْمَعَادِ فِي هَدْيِ خَيْرِ الْعِبَادِ " : الْمُقَفَّى الَّذِي قَفَّى عَلَى آثَارِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الرُّسُلِ ، فَقَفَّى اللَّهُ بِهِ عَلَى آثَارِ مَنْ سَبَقَهُ مِنْهُمْ ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْقَفْوِ ، قَفَاهُ يَقْفُوهُ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ ، ( خَيْرِ الْبَشَرْ ) بَلْ خَيْرُ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ ، فَهُوَ سَيِّدُ الْعَالَمِ وَصَفْوَةُ بَنِي
آدَمَ ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ ، وَخَيْرُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
[ ص: 75 ] وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، ( بِأَنَّ ذِي ) أَيْ هَذِهِ ( الْأُمَّةَ ) الْمُحَمَّدِيَّةَ ، وَالْمِلَّةَ الْأَحْمَدِيَّةَ ( سَوْفَ ) أَيْ سَـ ( تَفْتَرِقُ ) فِيمَا بَعْدُ ( بِضْعًا ) أَيْ إِلَى بِضْعٍ ( وَسَبْعِينَ ) فِرْقَةً ، وَالْبِضْعُ فِي الْعَدَدِ بِالْكَسْرِ - وَقَدْ تُفْتَحُ - مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ ، وَإِذَا جَاوَزَتْ لَفْظَ الْعَشْرِ ذَهَبَ الْبِضْعُ ، فَلَا يُقَالُ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ ، أَوْ يُقَالُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَرَيْنَا فِي النَّظْمِ ، فَيُقَالُ : بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا ، وَبِضْعٌ وَعِشْرُونَ امْرَأَةً ، وَلَا يُعْكَسُ ( اعْتِقَادًا ) أَيِ افْتِرَاقُهُمْ لِأَجْلِ الِاعْتِقَادِ ، فَهُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ ، وَهِيَ ضَالَّةٌ مُنْحَرِفَةٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَالنَّهْجِ الْقَوِيمِ ( وَ ) إِنَّمَا ( الْمُحِقُّ ) مِنْ جَمِيعِهَا طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ ( مَا كَانَ ) سَيْرُهَا وَاعْتِقَادُهَا وَنَهْجُهَا وَاعْتِمَادُهَا ( فِي نَهْجِ ) أَيْ مَنْهَجِ ( النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى ) أَيْ صَفْوَةِ خَلْقِ اللَّهِ نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُقَالُ : إِنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُصْطَفَى ، وَهُوَ مَشْهُورٌ مَلْهُوجٌ بِهِ ، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَيْهِ وَلَائِقٌ بِهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14961الْقَاضِيَ عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَأْثُورَ مِنْ أَسْمَائِهِ مَا لَفْظُهُ : وَجَرَى مِنْهَا ، أَيْ أَلْقَابِهِ وَسِمَاتِهِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَكُتُبِ أَنْبِيَائِهِ ، وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ ، وَإِطْلَاقِ الْأُمَّةِ جُمْلَةً شَافِيَةً كَتَسْمِيَتِهِ
بِالْمُصْطَفَى ،
وَبِالْمُجْتَبَى ،
وَبِالْحَبِيبِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ( وَ ) مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي نَهْجِ ( صَحْبِهِ ) رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ; أَيْ مَنْ كَانَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ ، وَسَارَ بِسَيْرِهِمْ ، مِنِ اقْتِفَاءِ الرَّسُولِ فِي اتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ ( مِنْ غَيْرِ زَيْغٍ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ وَلَا انْحِرَافٍ وَلَا شَكٍّ وَلَا انْصِرَافٍ ، ( وَ ) مِنْ غَيْرِ ( جَفَا ) بِالْجِيمِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَجَافٍ عَنْ هَدْيِهِمْ ، وَإِزَالَةٍ عَنْ نَهْجِهِمْ ، وَالْجَفَاءُ نَقِيضُ الصِّلَةِ ، وَيُقْصَرُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ ، وَلَا كَتْمٍ وَسَتْرٍ ، وَالْخَافِيَةُ ضِدُّ الْعَلَانِيَةِ ، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي الْبَيْتَيْنِ هُوَ مَا رَوَاهُ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026055 ( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ . وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ ، وَزَادَ فِيهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026056وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَتَجَارَى بِهِمُ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ ) ، قَوْلُهُ : الْكَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ ، قَالَ
الْخَطَّابِيُّ : هُوَ دَاءٌ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ عَضَّةِ
[ ص: 76 ] ( الْكَلْبِ ) . وَقَالَ : وَعَلَامَةُ ذَلِكَ فِي الْكَلْبِ أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ ، وَلَا يَزَالُ يُدْخِلُ ذَنَبَهُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَى إِنْسَانًا سَاوَرَهُ . وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026057سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ " . فَقِيلَ لَهُ : مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ يَعْنِي الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ ، فَقَالَ : " هُوَ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي " ، وَفِي رِوَايَةٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026058 " سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً ، وَهِيَ مَا كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هُمْ يَعْنِي الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ ، أَهْلُ الْحَدِيثِ ، يَعْنِي
الْأَثَرِيَّةَ وَالْأَشْعَرِيَّةَ وَالْمَاتُرِيدِيَّةَ ، قُلْتُ : وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَعْنِي قَوْلَهُ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً يُنَافِي التَّعَدُّدَ ، وَلِذَا قُلْتُ :
( وَلَيْسَ هَذَا النَّصُّ جَزْمًا يُعْتَبَرْ فِي فِرْقَةٍ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَثَرْ )
( وَلَيْسَ هَذَا النَّصُّ ) الْمَذْكُورُ عَنْ مَنْبَعِ النُّورِ وَمِصْبَاحِ الدَّيْجُورِ ( جَزْمًا ) يَحْتَمِلُ الْمَصْدَرِيَّةَ ، أَيْ أَجْزِمُ بِهِ جَزْمًا ، أَوْ أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ ، أَيْ مِنْ جِهَةِ الْجَزْمِ وَالْيَقِينِ ( يُعْتَبَرْ ) أَيْ يُسْتَدَلُّ بِهِ وَيُوَافِقُ ( فِي فِرْقَةٍ ) أَيْ لَا يَنْطِقُ وَيَصْدُقُ عَلَى فِرْقَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ( إِلَّا عَلَى ) فِرْقَةِ ( أَهْلِ الْأَثَرْ ) وَمَاعَدَاهُمْ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ قَدْ حَكَّمُوا الْعُقُولَ ، وَخَالَفُوا الْمَنْقُولَ عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْوَاجِبُ أَنْ يُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ ، فَأَنَّى يَصْدُقُ عَلَيْهِمُ الْخَبَرُ ، أَوْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمُ الْأَثَرُ .