الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
التنبيه الثاني

ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه " التفرقة بين الإيمان والزندقة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ستفترق أمتي نيفا وسبعين فرقة ، كلهم في الجنة إلا الزنادقة ، وهي فرقة " . هذا لفظ الحديث في بعض الروايات . قال : وظاهر الحديث يدل على أنه أراد الزنادقة من أمته ، إذ قال : ستفترق أمتي ، ومن لم يعترف بنبوته فليس من أمته ، والذين ينكرون أصل المعاد والصانع ، فليسوا معترفين بنبوته ، إذ يزعمون أن الموت عدم محض ، وأن العالم لم يزل كذلك موجودا بنفسه من غير صانع ، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وينسبون الأنبياء إلى التلبيس ، فلا يمكن نسبتهم إلى الأمة . انتهى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإسكندرية : أما هذا الحديث فلا أصل له ، بل هو موضوع كذب باتفاق أهل العلم بالحديث ، ولم يروه أحد من أهل الحديث المعروفين بهذا اللفظ ، بل الحديث الذي في كتب السنن والمسانيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال : " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " . وروي عنه أنه قال : " هي الجماعة " . وفي حديث آخر : " هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " . وضعفه ابن حزم ، لكن رواه الحاكم في صحيحه ، وقد رواه أبو داود والترمذي ، وغيرهم قال : وأيضا لفظ الزندقة لا يوجد في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كما لا يوجد في القرآن ، وأما الزنديق الذي [ ص: 93 ] تكلم الفقهاء في توبته قبولا وردا ، فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر . انتهى .

قلت : وقد ذكر الحديث الذي ذكره الغزالي الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات ، وذكر أنه روي من حديث أنس ، ولفظه : " تفترق أمتي على سبعين ، أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة " . قالوا : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : " الزنادقة ، وهم القدرية " . أخرجه العقيلي ، وابن عدي ، ورواه الطبراني أيضا ، قال أنس : كنا نراهم القدرية . قال ابن الجوزي : وضعه الأبرد بن أشرس ، وكان وضاعا كذابا ، وأخذه منه ياسين الزيات ، فقلب إسناده وخلطه ، وسرقه عثمان بن عفان القرشي ، وهؤلاء كذابون متروكون ، وأما الحديث الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار ، فروي من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وأبي الدرداء ، ومعاوية وابن عباس ، وجابر وأبي أمامة ، وواثلة وعوف بن مالك ، وعمرو بن عوف المزني ، فكل هؤلاء قالوا : واحدة في الجنة ، وهي الجماعة . ولفظ حديث معاوية ما تقدم ، فهو الذي ينبغي أن يعول عليه دون الحديث المكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم . ثم أخذ يذكر بعض ما عليه أهل الفرقة الناجية فقال :

التالي السابق


الخدمات العلمية