الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
" الثاني " من طوائف الضلال القائلين بعدم شمول القدرة الأزلية لجميع الممكنات المجوس ، قالوا : إنه تعالى لا يقدر على الشرور ولا خلق الأجسام المؤذية ، وإنما القادر على ذلك فاعل آخر يسمى " أهرمن " ومنهم النظام وأتباعه من المعتزلة ، قالوا : إنه تعالى لا يقدر على خلق الجهل والكذب والظلم وسائر القبائح .

ومنهم عباد الضمري وأتباعه قالوا إنه تعالى لا يقدر على ما علم أنه لا يقع ولا ما علم أنه يقع لاستحالة الأول ووجوب الثاني ، ومنهم الكعبي وأتباعه قالوا إنه لا يقدر على مثل مقدور العبد ، ومنهم الجبائي وأتباعه ، قالوا : إنه تعالى لا يقدر على نفس مقدور العبد .

قال العلامة الشيخ مرعي - روح الله روحه - في كتابه ( رفع الشبهة والغرر ، عمن يحتج على فعل المعاصي بالقدر ) : مذهب أهل الحق أن الرب سبحانه متفرد بخلق المخلوقات ، فلا خالق سواه ، ولا مبدع غيره ، وكل حادث فإنه محدثه .

وقالت المعتزلة : إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأعمالهم لم يخلقها الله تعالى ، ثم اختلفوا فقالت طائفة : خلقها الذين فعلوها دون الله تعالى ، وقال آخرون : ليست مخلوقة ، ولكنها أفعال موجودة لا خالق لها ، وقال آخرون : هي فعل الطبيعة ، فالذين زعموا أن العباد خلقوها ، قالوا : إن وقوع الأفعال من العبد على وفق قصده وداعيته إقداما وإحجاما دليل على أنه موجدها ومخترعها . قالوا : ولولا ذلك لكانت التكاليف كلها واقعة على خلاف الاستطاعة وتكليفا بالمحال ، وكان لا يحسن مدح ولا ذم ، ولا ثواب ولا عقاب ، وهو خلاف مقتضى العقل والشرع والعرف .

ونقل عن الإمامية هل أفعال العباد خلق لهم أو خلق الله ؟ على قولين ، ونقل أبو الحسن الأشعري عن الزيدية أنهم فرقتان فرقة تزعم أن أفعال العباد مخلوقة لله خلقها وأبدعها ، وفرقة تزعم أنها مخلوقة لله تعالى وأنها كسب للعباد أحدثوها [ ص: 155 ] واخترعوها وفعلوها ، وتأتي لهذا تتمة في بحث القدر إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية