الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مذهب السلف في الكلام

وتحرير مذهب السلف أن الله - تعالى - متكلم كما مر ، وأن كلامه قديم ، وأن القرآن كلام الله ، وأنه قديم حروفه ومعانيه ، وقد توعد الله - جل شأنه - من جعله قول البشر بقوله : ( إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر ) ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بشر ، فمن قال إنه قول محمد فقد كفر ، ولا فرق بين أن يقول بشر أو جني أو ملك ، فمن جعله قولا لأحد من هؤلاء ، فقد كفر . وأما قوله - تعالى : ( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر ) ، فالمراد أن الرسول بلغه عن مرسله ، لا أنه قوله من تلقاء نفسه ، وهو كلام الله الذي أرسله ، كما قال : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، فالذي بلغه الرسول هو كلام الله لا كلامه ، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على الناس في المواسم ، ويقول : " ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي ، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " . رواه أبو داود وغيره ، والكلام كلام من قاله مبتدئا به ، لا كلام من قاله مبلغا مؤديا ، وموسى - عليه السلام - سمع كلام الله من الله بلا واسطة ، والمؤمنون يسمعه بعضهم [ ص: 138 ] من بعض ، فسماع موسى مطلق بلا واسطة ، وسماع الناس مقيد بواسطة ، كما قال - تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) ، ففرق بين التكليم من وراء حجاب كما كلم موسى وكلم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء ، وبين التكليم بواسطة الرسول كما كلم سائر الأنبياء بإرسال رسول إليهم ، والناس يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم بكلام ، تكلم بحروفه ومعانيه بصوته - صلى الله عليه وسلم ، ثم المبلغون عنه يبلغون كلامه بحركاتهم وأصواتهم ، كما قال - صلى الله عليه وسلم : " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه " ، فالمستمع منه يبلغ حديثه كما سمعه لكن بصوت نفسه لا بصوت الرسول ، فالكلام كلام الرسول ، تكلم به بصوته ، والمبلغ بلغ كلام الرسول بصوت نفسه ، وإذا كان هذا معلوما فيمن يبلغ كلام المخلوق ، فكلام الخالق أولى بذلك ، ولهذا قال - تعالى : ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : " زينوا القرآن بأصواتكم " ، فجعل الكلام كلام الباري ، وجعل الصوت الذي يقرؤه به العبد صوت القارئ ، وأصوات العباد ليست هي الصوت الذي ينادي الله به ويتكلم به كما نطقت النصوص بذلك ، بل ولا مثله ، فإن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فليس علمه كمثل علم المخلوقين ، ولا قدرته مثل قدرتهم ، ولا كلامه مثل كلامهم ، ولا نداؤه مثل ندائهم ، ولا صوته مثل أصواتهم ، فمن قال عن القرآن الذي يقرؤه المسلمون : ليس هو كلام الله ، أو هو كلام غيره ، فهو ملحد مبتدع ضال ، ومن قال : إن أصوات العباد أو المداد الذي يكتب به القرآن قديم أزلي ، فهو ملحد مبتدع ضال ، بل هذا القرآن هو كلام الله ، وهو مثبت في المصاحف ، وهو كلام الله مبلغا عنه مسموعا من القراء ، ليس هو مسموعا منه - تعالى ، فكلام الله قديم ، وصوت العبد مخلوق .

والحاصل أن مذهب الحنابلة كسائر السلف أن الله - تعالى - يتكلم بحرف وصوت . قال الإمام الموفق في رسالته - البرهان في حقيقة القرآن : قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) [ ص: 139 ] ، وقال : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) ، وهو هذا الكتاب العربي الذي هو مائة وأربع عشرة سورة ، أولها الفاتحة ، وآخرها قل أعوذ برب الناس ، مكتوب في المصاحف ، متلو في المحاريب ، مسموع بالآذان ، متلو بالألسن ، محفوظ في الصدور ، له أول وآخر وأجزاء وأبعاض ، وهو كلام الله - تعالى .

وقولهم : إن القديم لا يتجزأ ولا يتعدد غير صحيح ، فإن أسماء الله - تعالى - متعددة ، قال - تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى ) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم " : إن لله تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة " ، وهي قديمة ، وقد نص الإمام الشافعي أن أسماء الله غير مخلوقة ، وقال الإمام أحمد : من قال إن أسماء الله - تعالى - مخلوقة فقد كفر . وكذا كتب الله التوراة والإنجيل والزبور والفرقان متعددة ، وهي كلام الله - تعالى ، وقد ورد السمع بأن القرآن ذو عدد ، وأقر المسلمون بأنه كلام الله - تعالى . وقد عد الأشعري صفات الله سبع عشرة صفة ، بين أن منها ما لا يعلم إلا بالسمع ، فإذا جاز أن يوصف بصفات متعددة ، لم يلزم بدخول العدد في الحروف شيء .

قال سيدنا الإمام أحمد - رضي الله عنه : القرآن كيف تصرف فهو غير مخلوق . ولا نرى القول بالحكاية والعبارة . وغلط من قال بهما وجهله ، فقال : من قال إن القرآن عبارة عن كلام الله ، فقد غلط وجهل . قال : وقوله - تعالى : ( تكليما ) يبطل الحكاية ، منه بدأ وإليه يعود . قال الإمام موفق الدين ابن قدامة : وأما قولهم : إن كلام الله يجب أن لا يكون حروفا يشبه كلام الآدميين ، فالجواب أن الاتفاق في أصل الحقيقة ليس بتشبيه ، كما أن اتفاق البصر في أنه إدراك المبصرات ، والسمع في أنه إدراك المسموعات ، والعلم في أنه إدراك المعلومات ليس بتشبيه ، كذلك هذا . وأيضا يلزمهم إن نفوا هذه الصفة لكون هذا تشبيها ، أن ينفوا سائر الصفات من الوجود والحياة والسمع والبصر وغيرها ، وأما قولهم إن الحروف تحتاج إلى مخارج وأدوات ، فالجواب أن احتياجها إلى ذلك في حقنا لا يوجب ذلك في كلام ربنا ، تعالي عن ذلك .

على أن بعض المخلوقات لم تحتج إلى مخارج في كلامها ، كالأيدي والأرجل والجلود التي تتكلم يوم القيامة ، والحجر الذي سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم ، والحصى الذي سبح في كفه ، والذراع [ ص: 140 ] المسمومة التي كلمته ، وقال ابن مسعود : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . وإذا قالوا : إن الله - تعالى - يحتاج كحاجتنا قياسا علينا ، فهو عين التشبيه الذي يفرون منه . وقولهم إن التعاقب يدخل في الحروف ، قلنا : إنما كان ذلك في حق من ينطق بالمخارج والأدوات ، والله - سبحانه - لا يوصف بذلك . قال الحافظ أبو نصر : إنما يتعين التعاقب في من يتكلم بأداة ، يعجز عن أداء شيء إلا بعد الفراغ من غيره ، وأما المتكلم بلا جارحة فلا يلزم في كلامه التعاقب ، وقد اتفقت العلماء على أن الله - سبحانه وتعالى - يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة ، وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده ، وهذا خلاف التعاقب .

قال الإمام الموفق في قوله - تعالى : ( وكلم الله موسى تكليما ) ، ( وكلمه ربه ) ، وقال - تعالى : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن ) ، وقال - تعالى : ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ) : أجمعنا على أن موسى - عليه الصلاة والسلام - سمع كلام الله - تعالى - من الله ، لا من شجرة ولا من حجر ولا من غيره ; لأنه لو سمع من غير الله - تعالى - لكان بنو إسرائيل أفضل في ذلك منه ; لأنهم سمعوا من أفضل ممن سمع منه موسى ، لكونهم سمعوا من موسى - عليه السلام - وهو على زعمهم إنما سمع من الشجرة . ثم يقال لهم : لم سمي موسى كليم الله ؟ وإذا ثبت أن موسى - عليه السلام - إنما سمع من الله - عز وجل - لم يجز أن يكون الكلام الذي سمعه إلا صوتا وحرفا ، فإنه لو كان معنى في النفس وفكرة ورؤية ، لم يكن ذلك تكليما لموسى ولا هو شيء يسمع ، والفكر لا يسمى مناداة ، فإن قالوا : نحن لا نسميه صوتا مع كونه مسموعا ، قلنا : هذا مخالفة في اللفظ مع الموافقة في المعنى ، فإنه لا يعنى بالصوت إلا ما كان مسموعا 0 ثم إن لفظ الصوت قد صحت به الأخبار 0

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : ومن نفى الصوت ، يلزمه أن الله - تعالى - لم يسمع أحدا من ملائكته ولا رسله كلامه ، بل ألهمهم إياه إلهاما . قال : وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين ; لأنها التي عهدت ذات مخارج ، ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخارج ، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة ، ولئن سلم فليمنع القياس المذكور ; لأن صفة الخالق لا تقاس على صفة المخلوقين ، وحيث ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث [ ص: 141 ] الصحيحة وجب الإيمان به ، ثم إما التفويض وإما التأويل .

وقال ابن حجر أيضا في موضع آخر من شرح البخاري : قوله - صلى الله عليه وسلم : " ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب " ، حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف ، أي يأمر من ينادي ، فاستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله يسمعه من بعد إشارة إلى أنه ليس من المخلوقات ; لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم ، وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا ، وإذا سمع بعضهم بعضا لم يصعقوا . قال : فعلى هذا فصوته صفة من صفات ذاته ، لا يشبه صوت غيره ، إذ ليس يوجد شيء من صفاته في صفات المخلوقين . قال : وهكذا قرره المصنف ، يعني الإمام البخاري في كتاب خلق أفعال العباد . انتهى .

ومن الأحاديث في إثبات الصوت ما روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : خرجت إلى الشام إلى عبد الله بن أنيس الأنصاري - رضي الله عنه - فقال عبد الله بن أنيس : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يحشر الله العباد - أو قال الناس - وأومأ بيده إلى الشام ، حفاة عراة غرلا بهما " ، قال قلت : ما بهما ؟ قال : ليس معهم شيء " ، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب : " أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى اللطمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة " ، قلنا : كيف وإنما نأتي الله حفاة عراة غرلا ؟ قال : " بالحسنات والسيئات " ، أخرج أصله البخاري في صحيحه تعليقا مستشهدا به إلى قوله : أنا الملك أنا الديان . وأخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى الموصلي والطبراني ، وأخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي بسنده إلى جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : بلغني أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا في القصاص ، وكان صاحب الحديث بمصر ، فاشتريت بعيرا فشددت عليه رحلا ، وسرت حتى وردت مصر ، فمضيت إلى باب الرجل الذي بلغني عنه الحديث ، فقرعت بابه فخرج إلي مملوكه ، فنظر في وجهي ولم يكلمني ، فدخل إلى سيده فقال : أعرابي ، فقال : سله من أنت ؟ فقال : جابر بن عبد الله الأنصاري . فخرج إلي مولاه ، فلما تراءينا اعتنق أحدنا صاحبه ، فقال : يا جابر ، ما جئت تعرف ؟ فقلت : [ ص: 142 ] حديثا بلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القصاص ، ولا أظن أن أحدا ممن مضى وممن بقي أحفظ له منك . قال : نعم يا جابر ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله - تبارك وتعالى - يبعثكم يوم القيامة من قبوركم حفاة عراة غرلا بهما ، ثم ينادي بصوت رفيع غير قطيع ، يسمعه من بعد كمن قرب : أنا الديان ، لا تظالم اليوم ، أما وعزتي لا يجاورني اليوم ظالم ولو لطمة بكف أو يدا على يد . ألا وإن أشد ما أتخوف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط ، فلترتقب أمتي العذاب إذا تكافأ النساء بالنساء ، والرجال بالرجال " . وقد رواه عبد الحق الإشبيلي من طريق الحارث بن أبي أسامة ، ومن مسنده نقله ، وخرجه علي بن معبد البغوي المالكي وغيره ، وفيه : فابتعت بعيرا ، فشددت عليه رحلي ، ثم سرت إليه ، فسرت شهرا حتى قدمت الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري ، فأتيت منزله ، فأرسلت إليه أن جابرا على الباب ، فرجع الرسول إلي فقال : جابر بن عبد الله ؟ قلت : نعم ، فرجع إليه فخرج فاعتنقته ، فقلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المظالم لم أسمعه 0 قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يحشر الله العباد - أو قال الناس - الحديث .

وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل - عليه السلام ، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم ، فيقولون : يا جبريل ، ماذا قال ربك ؟ قال : يقول الحق . فينادون : الحق الحق " . أخرجه أبو داود ، ورجاله ثقات ، ونحوه من حديث أبي هريرة رواه البخاري وأبو داود ، والترمذي وابن ماجه ، وكذا رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله ، وقال : سألت أبي فقلت : يا أبي ، الجهمية يزعمون أن الله لا يتكلم بصوت ، فقال : كذبوا ، إنما يدورون على التعطيل . ثم روى الإمام أحمد - رضي الله عنه - بسنده إلى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " إذا تكلم الله بالوحي ، سمع صوته أهل السماء " ، قال السجزي : وما في رواة هذا الخبر إلا إمام مقبول 0 انتهى 0 وتتمة الخبر : " فيخرون سجدا ، حتى إذا فزع عن قلوبهم - أو قال سكن عن قلوبهم - قال أهل السماء : ماذا قال ربكم ، قالوا : الحق ، قال كذا [ ص: 143 ] وكذا .

قال القاضي أبو الحسين وغيره : ومثل هذا لا يقوله ابن مسعود - رضي الله عنه - إلا توقيفا ; لأنه إثبات صفة للذات . انتهى . وقد روي في إثبات الحرف والصوت أحاديث تزيد على أربعين حديثا ، بعضها صحاح وبعضها حسان ويحتج بها ، أخرجها الإمام الحافظ ضياء الدين المقدسي وغيره . وأخرج سيدنا الإمام أحمد غالبها واحتج به ، وأخرج الحافظ ابن حجر غالبها أيضا في شرح البخاري ، واحتج بها البخاري وغيره من أئمة الحديث على أن الحق - جل شأنه - يتكلم بحرف وصوت ، وقد صححوا هذا الأصل واعتقدوه ، واعتمدوا على ذلك منزهين الله - تعالى - عما لا يليق بجلاله من شبهات الحدوث وسمات النقص ، كما قالوا في سائر الصفات ، فإذا رأينا أحدا من الناس مما لا يقدر عشر معشار هؤلاء يقول : لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد أنه تكلم بحرف وصوت ، ورأيت هؤلاء الأئمة قد دونوا هذه الأخبار وعملوا بها ، ودانوا الله - سبحانه وتعالى - بها ، وصرحوا بأن الله - تعالى - تكلم بحرف وصوت لا يشبهان صوت مخلوق ولا حرفه بوجه ألبتة ، معتمدين على ما صح عندهم عن صاحب الشريعة المعصوم في أقواله وأفعاله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، مع اعتقادهم الجازم الذي لا يعتريه شك ولا وهم ولا خيال - نفي التشبيه والتمثيل ، والتحريف والتعطيل ، بل يقولون في صفة الكلام كما يقولون في سائر الصفات ، إثبات بلا تمثيل ، وتنزيه بلا تعطيل ، كما عليه سلف الأمة وفحول الأئمة ، فهو حق اليقين بلا محال ، وهل بعد الحق إلا الضلال .

( تنبيه ) : ممن ذهب إلى مذهب السلف والحنابلة من قدم كلامه - تعالى - وأنه بحرف وصوت من متأخري محققيالأشاعرة صاحب المواقف ، وإن رد عليه جمع منهم من متحذلق ومجازف ، وسيأتي لذلك تتمة عند ذكر القرآن الكريم والفرقان القديم ، وبالله التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية