الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الصفة الثالثة والرابعة ) ما أشار إليهما بقوله ( و ) يجب له - سبحانه وتعالى - ( البصر ) ، وهو صفة قديمة قائمة بذاته - تعالى - تتعلق بالمبصرات ، فيدرك بها إدراكا تماما ، لا على سبيل التخييل والتوهم ، ولا على طريق تأثر حاسة ، كما يأتي الكلام على ذلك مع السمع قريبا ، ( سمع ) بإسقاط حرف العطف ، أي ويجب له - سبحانه وتعالى - سمع ، قال العلامة ابن [ ص: 144 ] هشام في حذف حرف العطف : بابه الشعر كقول الحطيئة :


إن امرأ رهطه في الشام منزله برمل يبرين جار شد ما اغتربا



أي ومنزله . والسمع صفة قديمة تتعلق بالمسموعات . وإثبات هاتين الصفتين - أعني السمع والبصر - للدلائل السمعية ، وهما صفتان زائدتان على الذات عند أهل السنة ، كسائر الصفات لظواهر الآيات والأحاديث ، وليسا راجعين إلى العلم بالمسموعات والمبصرات خلافا للفلاسفة ومن وافقهم ، وللإمام أبي الحسن الأشعري في قوله : إنهما راجعان إلى العلم بالمسموع والمبصر ، لكن المشهور من مذهب الأشاعرة كسائر أهل السنة ، أن كلا من السمع والبصر صفة مغايرة للعلم ، ونقل صاحب المواقف أن الجمهور خالفوا أبا الحسن الأشعري في قوله : إنهما راجعان إلى العلم ، قال : فإنا إذا علمنا شيئا كاللون مثلا علما تاما ثم رأيناه ، فإنا نجد بين الحالتين فرقا ضروريا ، ونعلم أن الحالة الثانية مخالفة للحالة الأولى بلا شبهة ، ولو كان الإبصار علما بالمبصر لم يكن هناك فرق ، وهكذا نجد الفرق بين العلم بهذا الصوت وسماعه ، وبين العلم بهذا الطعم وذوقه ، وبين العلم بهذه الرائحة وشمها ، وظواهر الكتاب والسنة تدل على المغايرة بين العلم والسمع والبصر ، ففي البخاري في ( باب : وكان الله سميعا بصيرا ) ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات . وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فكنا إذا علونا كبرنا ، فقال : " أربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا قريبا " الحديث . وقال الإمام الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات : السميع من له سمع يدرك به المسموعات ، والبصير من له بصر يدرك به المرئيات ، والكل منهما في حق الباري صفة قائمة بذاته - تعالى ، وقد أفادت الآية والأحاديث الرد على من زعم أنه سميع بصير بمعنى عليم .

وأخرج أبو داود بسند قوي على شرط مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) . . . إلى قوله : ( إن الله كان سميعا بصيرا ) ويضع إصبعيه . قال أبو يونس : وضع أبو هريرة إبهامه على أذنه والتي تليها [ ص: 145 ] على عينه . قال البيهقي : وأراد بهذه الإشارة تحقيق إثبات السمع والبصر لله لبيان محلهما من الإنسان ، يريد أن له سمعا وبصرا ، لا أن المراد به العلم ، فإنه لو كان كذلك ، لأشار إلى القلب ; لأنه محل العلم . ولم يرد بذلك الجارحة ، فإن الله - تعالى - منزه عن مشابهة المخلوقين . ولا يلزم من قدم السمع والبصر قدم المسموعات والمبصرات ، كما لا يلزم من قدم العلم والقدرة قدم المعلومات والمقدورات ; لأنها صفات قديمة تحدث لها تعلقات بالحوادث .

التالي السابق


الخدمات العلمية