الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وإن كان العبد بين جماعة فأعتق أحدهما نصيبه فاختار بعض الشركاء الضمان وبعضهم السعاية [ ص: 95 ] وبعضهم العتق فذلك لهم ، ولكل واحد منهم ما اختار في قول أبي حنيفة ; لأن إعتاق نصيبه أوجب لكل واحد منهم الخيارات ونصيب كل واحد لا يتعلق بنصيب الآخر ، فكان لكل واحد منهم ما اختار وعلى هذا الأصل قال أبو حنيفة في عبد بين ثلاثة أعتق أحدهم نصيبه ، ثم أعتق الآخر بعده ، فللثالث أن يضمن المعتق الأول إن كان موسرا وإن شاء أعتق أو دبر أو كاتب أو استسعى ; لأن نصيبه بقي على ملكه فثبت له الخيارات للتخريج إلى الإعتاق ، وليس له أن يضمن المعتق الثاني وإن كان موسرا ; لأن تضمين الأول ثبت على مخالفة القياس ; لما ذكرنا أنه لا صنع للمعتق في نصيب الشريك بإتلاف نصيبه ، وإنما عرفناه بالنص نظرا للشريك وأنه يحصل بتضمين الأول ; ولأن ضمان العتق ضمان معاوضة في الأصل ، فإذا أعتق الأول فقد ثبت للشريك حق نقل الملك المضمون إليه باختيار الضمان ، وتعلق بذلك النقل حق الولاء ، والولاء لا يلحقه الفسخ فلا يملك نقل حق التضمين إلى غيره ، فإن اختار تضمين الأول فالأولى أن يعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى ; لأنه قام مقام المضمن وليس له أن يضمن المعتق الثاني ; لأن الأول لم يكن له أن يضمنه فكذا من قام مقامه .

                                                                                                                                وأما على أصلهما فلما أعتق الأول ، أعتق جميع العبد فلم يصح إعتاق الثاني وليس للثاني والثالث إلا التضمين إن كان المعتق موسرا والسعاية إن كان معسرا ، وعلى هذا من كان له عبد فأعتق نصفه فعلى قول أبي حنيفة : يعتق نصفه ويبقى الباقي رقيقا ، يجب تخريجه إلى العتاق فإن شاء أعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى ، وإذا أدى السعاية أو بدل الكتابة يعتق كله وليس له أن يتركه على حاله ، وعلى قولهما : يعتق كله سواء كان المعتق موسرا أو معسرا من غير سعاية ، وكذا إذا أعتق جزءا من عبده أو شقصا منه ، يمضي منه ما شاء ويبقى الباقي رقيقا يخرج إلى العتاق بالخيارات التي وصفنا في قول أبي حنيفة ; لأن الإعتاق عنده متجزئ ، إلا أن ههنا أضاف العتق إلى مجهول فيرجع في البيان إليه ، كما لو قال : أحد عبيدي حر ، وقيل : ينبغي في قياس قول أبي حنيفة في السهم أن يعتق منه سدسه ; لأن السهم عبارة عن السدس في عرف الشرع ; لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن { رجلا أوصى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بسهم من ماله لرجل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سدس ماله } جماعة من أهل اللسان أن السهم عبارة عن السدس في اللغة ، وعندهما يعتق كله ; لأن العتق لا يتجزأ عبد بين رجلين دبره أحدهما صار نصيبه مدبرا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية