ومنها وجوب ، والكلام في الدية في مواضع في بيان الدية ، وفي بيان ما تجب منه الدية من الأجناس ، وفي بيان مقدار الواجب من كل جنس ، وفي بيان صفته ، وفي بيان من تجب عليه الدية ، وفي بيان كيفية الوجوب . شرائط وجوب الدية
أما الشرائط فبعضها شرط أصل الوجوب ، وبعضها شرط كمال الواجب ، أما شرط أصل الوجوب فنوعان : أحدهما : العصمة ، وهو أن يكون المقتول معصوما فلا دية في لفقد العصمة ، فأما الإسلام فليس من شرائط وجوب الدية لا من جانب القاتل ولا من جانب المقتول ، فتجب الدية سواء كان القاتل أو المقتول مسلما أو ذميا أو حربيا مستأمنا . قتل الحربي والباغي
وكذلك العقل ، والبلوغ حتى تجب الدية في مال الصبي ، والمجنون ، والأصل فيه قوله سبحانه وتعالى { ، ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } .
ولا خلاف في أنه إذا قتل ذميا أو حربيا مستأمنا تجب الدية لقوله تبارك وتعالى { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } ، والثاني : التقوم ، وهو أن يكون المقتول متقوما ، وعلى هذا يبنى أن أنه لا تجب الدية عند أصحابنا ، خلافا الحربي إذا أسلم في دار الحرب فلم يهاجر إلينا فقتله مسلم أو ذمي خطأ بناء على أن التقوم بدار الإسلام عندنا ، وعنده بالإسلام ، وقد ذكرنا تقرير هذا الأصل في كتاب السير . للشافعي
ثم نتكلم في المسألة : ابتداء احتج رحمه الله بقوله تبارك وتعالى { الشافعي ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وهذا مؤمن قتل خطأ فتجب الدية .
( ولنا ) قوله جلت عظمته وكبرياؤه { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } [ ص: 253 ] والاستدلال به من وجهين : أحدهما : أنه جعل التحرير جزاء القتل ، والجزاء يقتضي الكفاية فلو وجبت الدية معه لا تقع الكفاية بالتحرير ، وهذا خلاف النص ، والثاني : أنه سبحانه ، وتعالى جعل التحرير كل الواجب بقتله ; لأنه كل المذكور ، فلو أوجبنا معه الدية لصار بعض الواجب ، وهذا تغيير حكم النص .
وأما صدر الآية الكريمة فلا يتناول هذا المؤمن لوجهين : أحدهما : أنه سبحانه وتعالى ذكر المؤمن مطلقا فيتناول المؤمن من كل وجه ، وهو المستأمن دينا ، ودارا ، وهذا مستأمن دينا لا دارا ; لأنه مكثر سواد الكفرة ، ومن كثر سواد قوم فهو منهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : أنه أفرد هذا المؤمن بالذكر والحكم ، ولو تناوله صدر الآية الشريفة لعرف حكمه به ، فكان الثاني تكرارا ، ولو حمل على المؤمن المطلق لم يكن تكرارا فكان الحمل عليه أولى ، أو يحتمل ما ذكرنا ، فيحمل عليه توفيقا بين الدليلين عملا بهما جميعا ، ثم ؟ على أصل عصمة المقتول تعتبر وقت القتل أم وقت الموت أم في الوقتين جميعا رضي الله تعالى عنه تعتبر وقت القتل لا غير ، وعلى أصلهما تعتبر وقت القتل والموت جميعا ، وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعتبر وقت الموت لا غير ، وعلى هذا تخرج مسائل الرمي زفر ، فعلى الرامي الدية في قول إذا رمى مسلما فارتد المرمي إليه ثم وقع به السهم ، وهو مرتد فمات رحمه الله إن كان خطأ تتحمله العاقلة ، وإن كان عمدا يكون في ماله ، وعندهما لا شيء عليه . أبي حنيفة
وكذا عند ، وإن زفر لا شيء عليه عند رمى مرتدا أو حربيا فأسلم ثم وقع السهم به ، ومات أصحابنا الثلاثة ، وعند عليه الدية . زفر
( وجه ) قوله أن الضمان إنما يجب بالقتل ، والفعل إنما يصير قتلا بفوات الحياة ، ولا عصمة للمقتول وقت فوات الحياة ، فكان دمه هدرا ، كما ، لهما أن للقتل تعلقا بالقاتل والمقتول ; لأنه فعل القاتل ، وأثره يظهر في المقتول بفوات الحياة ، فلا بد من اعتبار العصمة في الوقتين جميعا ، لو جرحه ثم ارتد فمات ، وهو مرتد رضي الله عنه أن الضمان إنما يجب على الإنسان بفعله ، ولا فعل منه سوى الرمي السابق فكان الرمي السابق عند وجود زهوق الروح قتلا من حين وجوده ، والمحل كان معصوما في ذلك الوقت ، فكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة فتجب الدية . ولأبي حنيفة
ولهذا أنه لا شيء عليه عندهما ، وهذه المسألة حجة قوية لو كان مرتدا أو حربيا وقت الرمي ثم أسلم فأصابه السهم وهو مسلم رضي الله عنه عليهما في اعتبار وقت الرمي لا غير ، والدليل عليه أن في باب الصيد يعتبر وقت الرمي في قولهم جميعا ، حتى لأبي حنيفة ، يؤكل ، وإن كان الباب باب الاحتياط ، وبمثله لو كان الرامي مسلما وقت الرمي ثم ارتد فأصاب السهم الصيد ، وهو مرتد لا يؤكل ، وكذلك لو كان مجوسيا وقت الرمي ثم أسلم ثم وقع السهم بالصيد وهو مسلم ، لا شيء عليه . حلال رمى صيدا ثم أحرم ثم أصابه
فعليه الجزاء فهذه المسائل حجج وإن رمى وهو محرم ثم حل فأصابه رضي الله عنه في اعتبار وقت الفعل ، والأصل أن ما يرجع إلى الأهلية تعتبر فيه أهلية الفاعل وقت الفعل بلا خلاف ، وما كان راجعا إلى المحل فهو على الاختلاف الذي ذكرنا ، بخلاف ما إذا أبي حنيفة أنه يهدر دمه ; لأن الجرح السابق انقلب قتلا بالسراية ، وقد تبدل المحل حكما بالردة ، فيوجب انقطاع السراية عن ابتداء الفعل كتبدل المحل حقيقة ، ولم يوجد هذا المعنى في مسألتنا . جرح مسلما ثم ارتد المجروح فمات وهو مرتد
فلا دية عليه ، وعليه قيمته لمولاه في قول ولو رمى عبدا فأعتقه مولاه ثم وقع به السهم فمات عليه الرحمة . أبي حنيفة
وقال على الرامي لمولى العبد فضل ما بين قيمته مرميا إلى غير مرمي ، لا شيء عليه غير ذلك ، وذكر محمد القاضي في شرحه مختصر رحمه الله قول الطحاوي مع قول أبي يوسف أنه لما رمى إليه فقد صار ناقصا بالرمي في ملك مولاه قبل وقوع السهم به ; لأنه أشرف على الهلاك بتوجه السهم إليه ، فوجب عليه ضمان النقصان ، فصار كما لو جرحه ثم أعتقه مولاه ، ولو كان كذلك لانقطعت السراية ، ولا يضمن الدية ، ولا القيمة ، وإنما يضمن النقصان كذا هذا ، محمد رضي الله عنه مر على أصله ، وهو اعتبار وقت الفعل ; لأنه صار قاتلا بالرمي السابق ، وهو كان ملك المولى حينئذ . وأبو حنيفة