وإن فعلى أقرب الأخبية والفساطيط منهم القسامة والدية ، كذا ذكر في ظاهر الرواية ; لأن الأقرب أولى بإيجاب القسامة والدية ; لما ذكرنا وعن وجد خارجا من الفسطاط والخباء رضي الله عنه : إذا وجد بين الخيام فالقسامة والدية على جماعتهم ، كالقتيل يوجد في المحلة جعل الخيام المحمولة كالمحلة على هذه الرواية ، هذا إذا لم يكن العسكر لقوا عدوا ، فإن كانوا قد لقوا عدوا فقاتلوا - فلا قسامة ، ولا دية في قتيل يوجد بين أظهرهم ; لأنهم إذا لقوا عدوا وقاتلوا فالظاهر أن العدو قتله لا المسلمون ; إذ المسلمون لا يقتل بعضهم بعضا ، ولو وجد قتيل في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهل القرية - فالقسامة والدية على صاحب الأرض لا على أهل القرية ; لأن صاحب الأرض أخص بنصرة أرضه وحفظها من أهل القرية ، فكان أولى بإيجاب القسامة والدية عليه ، كصاحب الدار مع أهل المحلة . أبي حنيفة
لو - فالقسامة والدية على صاحب الدار ، وعلى عاقلته كذا ذكر في الأصل ولم يفصل بين ما إذا كانت العاقلة حضورا أو غيبا ، وذكر في اختلاف وجد قتيل في دار إنسان ، وصاحب الدار من أهل القسامة زفر ويعقوب - رحمهما الله - أن القسامة على رب الدار وعلى عاقلته حضورا كانوا أو غيبا .
وقال أبو يوسف - رحمه الله - : لا قسامة على العاقلة ، هكذا ذكر فيه وقال - رحمه الله - : إن كانت العاقلة حضورا في المصر دخلوا في القسامة ، وإن كانت غائبة فالقسامة على صاحب الدار تكرر عليه الأيمان ، والدية عليه وعلى عاقلته أما دخول العاقلة في القسامة ، إذا كانوا حضورا - فهو قولهما ، وظاهر قول الكرخي أبي يوسف : لا قسامة على العاقلة يقتضي أن لا يدخلوا في القسامة .
( وجه ) قول رحمه الله : أنه لما لزمتهم الدية لزمتهم القسامة ، كأهل المحلة ، زفر ولأبي يوسف أن صاحب الدار أخص بالنصرة وبالولاية والتهمة فلا يشاركه العاقلة كما لا يشارك أهل المحلة غيرهم .
( وجه ) قولهما : أن العاقلة إذا كانوا حضورا يلزمهم حفظ الدار ونصرتها كما يلزم صاحب الدار .
وكذا يتهمون بالقتل كما يتهم صاحب الدار فقد شاركوا في سبب وجوب القسامة [ ص: 293 ] فيشاركونه في القسامة أيضا وبهذا يقع الفرق بين حال الحضور والغيبة على ما ذكره - رحمه الله - لأن معنى التهمة ظاهر الانتفاء من الغيب . الكرخي
وكذا معنى النصرة ; لأنه لا يلحق ذلك الموضع نصرة من جهتهم إلا أنه تجب عليهم الدية ; لأن وجوب الدية على العاقلة لا يتعلق بالتهمة ; فإنهم يتحملون عن القاتل المعين ، إذا كان صبيا أو مجنونا أو خاطئا وسواء كانت الدار فيها ساكن أو كانت مفرغة مغلقة فوجد فيها قتيل - فعلى رب الدار وعلى عاقلته القسامة والدية وأما على أصل أبي حنيفة رضي الله عنهما فظاهر ; لأنهما يعتبران الملك دون السكنى ; فكان وجود السكنى فيها والعدم بمنزلة واحدة . ومحمد
( وأما ) أبو يوسف - رحمه الله - فإنما يوجب على الساكن لاختصاصه بالدار يدا ولم يوجد ههنا ، وسواء كان الملك الذي وجد فيه القتيل خاصا أو مشتركا - فالقسامة والدية على أرباب الملك ; لما قلنا ، وسواء اتفق قدر أنصباء الشركاء أو اختلف فالقسامة والدية بينهم بالسوية حتى لو كانت الدار بين رجلين لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث - فالقسامة عليهما وعلى عاقلتهما نصفان ، ويعتبر في ذلك عدد الرءوس لا قدر الأنصباء كما في الشفعة ; لأن حفظ الدار واجب على كل واحد منهما ، والحفظ لا يختلف ; ولهذا تساويا في استحقاق الشفعة ; لأن الاستحقاق لدفع ضرر الدخيل ، وإنه لا يختلف باختلاف قدر الملك ، وذكر في الجامع الصغير فيمن : أن القسامة والدية على البائع ، إذا لم يكن في البيع خيار ، فإن كان فيه خيار - فعلى من الدار في يده في قول باع دارا ، وجد فيها قتيل قبل أن يقبضها المشتري ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف : الدية على مالك الدار إن لم يكن في البيع خيار ، فإن كان فيه خيار فعلى من تصير الدار له وعند ومحمد - رحمه الله - : الدية على المشتري إلا أن يكون للبائع خيار ، فتكون الدية عليه . زفر
( وجه ) قول : أن الملك للمشتري إذا لم يكن فيه خيار . زفر
وكذا إذا كان الخيار للمشتري ; لأن خيار المشتري لا يمنع دخول المبيع في ملكه عنده ، فإذا كان الخيار للبائع - فالملك له ; لأن خياره يمنع زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف .
( وجه ) قولهما : أنه إذا لم يكن فيه خيار فالملك للمشتري ، وإنما للبائع صورة يد من غير تصرف ، وصورة اليد لا مدخل لها في القسامة ، كيد المودع ، فكانت القسامة والدية على المشتري ، وإذا كان فيه خيار فعلى من تصير الدار له ; لأنها إذا صارت للبائع - فقد انفسخ البيع ، وجعل كأنه لم يكن ، وإن صارت للمشتري - فقد انبرم البيع وتبين أنه ملكها بالعقد من حين وجوده .
( وأما ) تصحيح مذهب رضي الله عنه فمشكل من حيث الظاهر ; لأنه يعتبر الملك فيما يحتمل النقل والتحويل لا اليد ، وإن كانت اليد يد تصرف كيد الساكن ، والثابت للبائع صورة يد من غير تصرف ، فأولى أن لا يعتبره ، لكن لا إشكال في الحقيقة ; لأن الوجوب بترك الحفظ ، والحفظ باليد حقيقة ، إلا أنه يضاف الحفظ إلى الملك ; لأن استحقاق اليد به عادة ، فيقام مقام اليد ، فكانت الإضافة إلى ما به حقيقة الحفظ أولى إلا أن مطلق اليد لا يعتبر بل اليد المستحقة بالملك ، وهذه يد مستحقة بالملك بخلاف يد الساكن . أبي حنيفة