الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وإن وجد خارجا من الفسطاط والخباء فعلى أقرب الأخبية والفساطيط منهم القسامة والدية ، كذا ذكر في ظاهر الرواية ; لأن الأقرب أولى بإيجاب القسامة والدية ; لما ذكرنا وعن أبي حنيفة رضي الله عنه : إذا وجد بين الخيام فالقسامة والدية على جماعتهم ، كالقتيل يوجد في المحلة جعل الخيام المحمولة كالمحلة على هذه الرواية ، هذا إذا لم يكن العسكر لقوا عدوا ، فإن كانوا قد لقوا عدوا فقاتلوا - فلا قسامة ، ولا دية في قتيل يوجد بين أظهرهم ; لأنهم إذا لقوا عدوا وقاتلوا فالظاهر أن العدو قتله لا المسلمون ; إذ المسلمون لا يقتل بعضهم بعضا ، ولو وجد قتيل في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهل القرية - فالقسامة والدية على صاحب الأرض لا على أهل القرية ; لأن صاحب الأرض أخص بنصرة أرضه وحفظها من أهل القرية ، فكان أولى بإيجاب القسامة والدية عليه ، كصاحب الدار مع أهل المحلة .

                                                                                                                                لو وجد قتيل في دار إنسان ، وصاحب الدار من أهل القسامة - فالقسامة والدية على صاحب الدار ، وعلى عاقلته كذا ذكر في الأصل ولم يفصل بين ما إذا كانت العاقلة حضورا أو غيبا ، وذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله - أن القسامة على رب الدار وعلى عاقلته حضورا كانوا أو غيبا .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف - رحمه الله - : لا قسامة على العاقلة ، هكذا ذكر فيه وقال الكرخي - رحمه الله - : إن كانت العاقلة حضورا في المصر دخلوا في القسامة ، وإن كانت غائبة فالقسامة على صاحب الدار تكرر عليه الأيمان ، والدية عليه وعلى عاقلته أما دخول العاقلة في القسامة ، إذا كانوا حضورا - فهو قولهما ، وظاهر قول أبي يوسف : لا قسامة على العاقلة يقتضي أن لا يدخلوا في القسامة .

                                                                                                                                ( وجه ) قول زفر رحمه الله : أنه لما لزمتهم الدية لزمتهم القسامة ، كأهل المحلة ، ولأبي يوسف أن صاحب الدار أخص بالنصرة وبالولاية والتهمة فلا يشاركه العاقلة كما لا يشارك أهل المحلة غيرهم .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما : أن العاقلة إذا كانوا حضورا يلزمهم حفظ الدار ونصرتها كما يلزم صاحب الدار .

                                                                                                                                وكذا يتهمون بالقتل كما يتهم صاحب الدار فقد شاركوا في سبب وجوب القسامة [ ص: 293 ] فيشاركونه في القسامة أيضا وبهذا يقع الفرق بين حال الحضور والغيبة على ما ذكره الكرخي - رحمه الله - لأن معنى التهمة ظاهر الانتفاء من الغيب .

                                                                                                                                وكذا معنى النصرة ; لأنه لا يلحق ذلك الموضع نصرة من جهتهم إلا أنه تجب عليهم الدية ; لأن وجوب الدية على العاقلة لا يتعلق بالتهمة ; فإنهم يتحملون عن القاتل المعين ، إذا كان صبيا أو مجنونا أو خاطئا وسواء كانت الدار فيها ساكن أو كانت مفرغة مغلقة فوجد فيها قتيل - فعلى رب الدار وعلى عاقلته القسامة والدية وأما على أصل أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما فظاهر ; لأنهما يعتبران الملك دون السكنى ; فكان وجود السكنى فيها والعدم بمنزلة واحدة .

                                                                                                                                ( وأما ) أبو يوسف - رحمه الله - فإنما يوجب على الساكن لاختصاصه بالدار يدا ولم يوجد ههنا ، وسواء كان الملك الذي وجد فيه القتيل خاصا أو مشتركا - فالقسامة والدية على أرباب الملك ; لما قلنا ، وسواء اتفق قدر أنصباء الشركاء أو اختلف فالقسامة والدية بينهم بالسوية حتى لو كانت الدار بين رجلين لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث - فالقسامة عليهما وعلى عاقلتهما نصفان ، ويعتبر في ذلك عدد الرءوس لا قدر الأنصباء كما في الشفعة ; لأن حفظ الدار واجب على كل واحد منهما ، والحفظ لا يختلف ; ولهذا تساويا في استحقاق الشفعة ; لأن الاستحقاق لدفع ضرر الدخيل ، وإنه لا يختلف باختلاف قدر الملك ، وذكر في الجامع الصغير فيمن باع دارا ، وجد فيها قتيل قبل أن يقبضها المشتري : أن القسامة والدية على البائع ، إذا لم يكن في البيع خيار ، فإن كان فيه خيار - فعلى من الدار في يده في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد : الدية على مالك الدار إن لم يكن في البيع خيار ، فإن كان فيه خيار فعلى من تصير الدار له وعند زفر - رحمه الله - : الدية على المشتري إلا أن يكون للبائع خيار ، فتكون الدية عليه .

                                                                                                                                ( وجه ) قول زفر : أن الملك للمشتري إذا لم يكن فيه خيار .

                                                                                                                                وكذا إذا كان الخيار للمشتري ; لأن خيار المشتري لا يمنع دخول المبيع في ملكه عنده ، فإذا كان الخيار للبائع - فالملك له ; لأن خياره يمنع زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما : أنه إذا لم يكن فيه خيار فالملك للمشتري ، وإنما للبائع صورة يد من غير تصرف ، وصورة اليد لا مدخل لها في القسامة ، كيد المودع ، فكانت القسامة والدية على المشتري ، وإذا كان فيه خيار فعلى من تصير الدار له ; لأنها إذا صارت للبائع - فقد انفسخ البيع ، وجعل كأنه لم يكن ، وإن صارت للمشتري - فقد انبرم البيع وتبين أنه ملكها بالعقد من حين وجوده .

                                                                                                                                ( وأما ) تصحيح مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه فمشكل من حيث الظاهر ; لأنه يعتبر الملك فيما يحتمل النقل والتحويل لا اليد ، وإن كانت اليد يد تصرف كيد الساكن ، والثابت للبائع صورة يد من غير تصرف ، فأولى أن لا يعتبره ، لكن لا إشكال في الحقيقة ; لأن الوجوب بترك الحفظ ، والحفظ باليد حقيقة ، إلا أنه يضاف الحفظ إلى الملك ; لأن استحقاق اليد به عادة ، فيقام مقام اليد ، فكانت الإضافة إلى ما به حقيقة الحفظ أولى إلا أن مطلق اليد لا يعتبر بل اليد المستحقة بالملك ، وهذه يد مستحقة بالملك بخلاف يد الساكن .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية