الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ولو قطع ) من رجل يديه أو رجليه قطعت يداه ورجلاه ; لأن استيفاء المثل ممكن .

                                                                                                                                ولو قطع من رجل يمينه ، ومن آخر يساره قطعت يمينه لصاحب اليمين ، ويساره لصاحب اليسار ; لأن تحقيق المماثلة فيه ، وأنه ممكن ( فإن قيل ) القاطع ما أبطل عليهما منفعة الجنسين فكيف تبطل عليه منفعة الجنس ؟ فالجواب أن كل واحد منهما ما استحق عليه إلا قطع يد واحدة ، وليس في قطع يد واحدة تفويت منفعة الجنس فكان الجزاء مثل الجناية إلا أن فوات منفعة الجنس عند اجتماع الفعلين حصل ضرورة غير مضاف إليهما .

                                                                                                                                ولو قطع أصبع رجل كلها من المفصل ثم قطع يد آخر أو يدا باليد ثم يقطع الأصبع ، وذلك كله في يد واحدة في اليمين أو في اليسار فلا يخلو ( إما ) أن جاءا جميعا يطلبان القصاص ، وإما إن جاءا متفرقين فإن جاءا جميعا يبدأ بالقصاص في الأصبع فتقطع الأصبع بالأصبع ثم يخير صاحب اليد فإن شاء قطع ما بقي ، وإن شاء أخذ دية يده من مال القاطع ; لأن حق كل واحد منهما في مثل ما قطع منه فحق صاحب اليد في قطع اليد ، وحق صاحب الأصبع في قطع الأصبع فيجب إيفاء حق كل واحد منهما بقدر الإمكان ، وذلك في البداية بالقصاص في الأصبع ، لأنا لو بدأنا بالقصاص في اليد لبطل حق صاحب الأصبع في القصاص أصلا ورأسا ، ولو بدأنا بالقصاص في الأصبع لم يبطل حق الآخر في القصاص أصلا ورأسا ، لأنه يتمكن من استيفائه مع النقصان فكانت البداية بالأصبع أولى ، وإنما خير صاحب اليد بعد قطع الأصبع ; لأن الكف صارت معيبة بقطع الأصبع فوجد حقه ناقصا فيثبت له الخيار كالأشل إذا قطع يد الصحيح .

                                                                                                                                وإن جاءا متفرقين فإن جاء صاحب اليد - وصاحب الأصبع غائب - تقطع اليد لصاحب اليد ; لأن حق صاحب اليد ثابت في اليد فلا يجوز منعه من استيفاء حقه لحق غائب يحتمل أن يحضر ويطالب ويحتمل [ ص: 301 ] أن لا يحضر ، ولا يطالب فإن جاء صاحب الأصبع بعد ذلك أخذ الأرش لتعذر استيفاء حقه عليه بعد ثبوته فيأخذ بدله ولأن القاطع قضى بطرفه حقا مستحقا عليه فصار كأنه قائم ، وتعذر الاستيفاء لمانع فيلزمه الأرش ، وإن جاء صاحب الأصبع ، وصاحب اليد غائب تقطع الأصبع لصاحب الأصبع لما ذكرنا في صاحب اليد ثم إذا جاء صاحب اليد بعد ذلك أخذ الأرش لما قلنا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية