ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29258_32626ما أحدثه قريش بعد الفيل
لما كان من أمر أصحاب الفيل ما ذكرناه عظمت
قريش عند العرب ، فقالوا لهم : أهل الله وقطنه يحامي عنهم ، فاجتمعت
قريش بينها وقالوا : نحن بنو
إبراهيم - عليه السلام - وأهل الحرم وولاة البيت وقاطنو مكة ، فليس لأحد من العرب مثل منزلتنا ، ولا يعرف العرب لأحد مثل ما يعرف لنا ، فهلموا فلنتفق على ائتلاف أننا لا نعظم شيئا من الحل كما يعظم الحرم ، فإننا إذا فعلنا ذلك استخفت العرب بنا وبحرمنا وقالوا : قد عظمت
قريش من الحل مثل ما عظمت من الحرم ، فتركوا الوقوف
بعرفة والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين
إبراهيم ، ويرون لسائر العرب أن
[ ص: 411 ] يقفوا عليها وأن يفيضوا منها .
وقالوا : نحن أهل الحرم فلا نعظم غيره ، ونحن
الحمس ، وأصل الحماسة الشدة أنهم تشددوا في دينهم ، وجعلوا لمن ولد واحدة من نسائهم من العرب ساكني الحل مثل ما لهم بولادتهم ، ودخل معهم في ذلك
كنانة وخزاعة وعامر لولادة لهم ، ثم ابتدعوا فقالوا : لا ينبغي
للحمس أن يعملوا الأقط ، ولا يسلأوا السمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتا من شعر ، ولا يستظلوا إلا بيوت الأدم ما كانوا حرما .
وقالوا : ولا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرام إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ، ولا يطوفون بالبيت طوافهم إذا قدموا إلا في ثياب
الحمس ، فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة ، فإن أنف أحد من عظمائهم أن يطوف عريانا إذا لم يجد ثياب
الحمس فطاف في ثيابه ألقاها إذا فرغ من الطواف ولا يمسها هو ولا أحد غيره ، وكانوا يسمونها اللقى .
فدانت العرب لهم بذلك ، فكانوا يطوفون كما شرعوا لهم ، ويتركون أزوادهم التي جاءوا بها من الحل ، ويشترون من طعام الحرم ويأكلونه .
هذا في الرجال . وأما النساء فكانت المرأة تضع ثيابها كلها إلا درعها مفرجا ثم تطوف فيه وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فكانوا كذلك حتى بعث الله
محمدا - صلى الله عليه وسلم - فنسخه ، فأفاض من
عرفات ، وطاف الحجاج بالثياب التي معهم من الحل ، وأكلوا من طعام الحل ، في الحرم أيام الحج ، وأنزل الله تعالى في ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) ، أراد بالناس العرب ، أمر قريشا أن يفيضوا من
عرفات ، وأنزل الله تعالى في اللباس والطعام الذي من الحل وتركهم إياه في الحرم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ) - إلى قوله - : ( لقوم يعلمون ) .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29258_32626مَا أَحْدَثَهُ قُرَيْشٌ بَعْدَ الْفِيلِ
لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَصْحَابِ الْفِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَظُمَتْ
قُرَيْشٌ عِنْدَ الْعَرَبِ ، فَقَالُوا لَهُمْ : أَهْلُ اللَّهِ وَقَطَنُهُ يُحَامِي عَنْهُمْ ، فَاجْتَمَعَتْ
قُرَيْشٌ بَيْنَهَا وَقَالُوا : نَحْنُ بَنُو
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَهْلُ الْحَرَمِ وَوُلَاةُ الْبَيْتِ وَقَاطِنُو مَكَّةَ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ مِثْلُ مَنْزِلَتِنَا ، وَلَا يَعْرِفُ الْعَرَبُ لِأَحَدٍ مِثْلَ مَا يُعْرَفُ لَنَا ، فَهَلُمُّوا فَلْنَتَّفِقْ عَلَى ائْتِلَافٍ أَنَّنَا لَا نُعَظِّمُ شَيْئًا مِنَ الْحِلِّ كَمَا يُعَظَّمُ الْحَرَمُ ، فَإِنَّنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ اسْتَخَفَّتِ الْعَرَبُ بِنَا وَبِحَرَمِنَا وَقَالُوا : قَدْ عَظَّمَتْ
قُرَيْشٌ مِنَ الْحِلِّ مِثْلَ مَا عَظَّمَتْ مِنَ الْحَرَمِ ، فَتَرَكُوا الْوُقُوفَ
بِعَرَفَةَ وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا ، وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّهَا مِنَ الْمَشَاعِرِ وَالْحَجِّ وَدِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَيَرَوْنَ لِسَائِرِ الْعَرَبِ أَنْ
[ ص: 411 ] يَقِفُوا عَلَيْهَا وَأَنْ يُفِيضُوا مِنْهَا .
وَقَالُوا : نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ فَلَا نُعَظِّمُ غَيْرَهُ ، وَنَحْنُ
الْحُمُسُ ، وَأَصْلُ الْحَمَاسَةِ الشِّدَّةُ أَنَّهُمْ تَشَدَّدُوا فِي دِينِهِمْ ، وَجَعَلُوا لِمَنْ وَلَدَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ سَاكِنِي الْحِلِّ مِثْلَ مَا لَهُمْ بِوِلَادَتِهِمْ ، وَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ
كِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ وَعَامِرٌ لِوِلَادَةٍ لَهُمْ ، ثُمَّ ابْتَدَعُوا فَقَالُوا : لَا يَنْبَغِي
لِلْحُمُسِ أَنْ يَعْمَلُوا الْأَقِطَ ، وَلَا يَسْلُأُوا السَّمْنَ وَهُمْ حُرُمٌ ، وَلَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ ، وَلَا يَسْتَظِلُّوا إِلَّا بُيُوتَ الْأُدُمِ مَا كَانُوا حُرُمًا .
وَقَالُوا : وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحِلِّ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامٍ جَاءُوا بِهِ مَعَهُمْ مِنَ الْحِلِّ فِي الْحَرَامِ إِذَا جَاءُوا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا ، وَلَا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ طَوَافَهُمْ إِذَا قَدِمُوا إِلَّا فِي ثِيَابِ
الْحُمُسِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً ، فَإِنْ أَنِفَ أَحَدٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ أَنْ يَطُوفَ عُرْيَانًا إِذَا لَمْ يَجِدْ ثِيَابَ
الْحُمُسِ فَطَافَ فِي ثِيَابِهِ أَلْقَاهَا إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّوَافِ وَلَا يَمَسُّهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهُ ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا اللِّقَى .
فَدَانَتِ الْعَرَبُ لَهُمْ بِذَلِكَ ، فَكَانُوا يَطُوفُونَ كَمَا شَرَعُوا لَهُمْ ، وَيَتْرُكُونَ أَزْوَادَهُمُ الَّتِي جَاءُوا بِهَا مِنَ الْحِلِّ ، وَيَشْتَرُونَ مِنْ طَعَامِ الْحَرَمِ وَيَأْكُلُونَهُ .
هَذَا فِي الرِّجَالِ . وَأَمَّا النِّسَاءُ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَضَعُ ثِيَابَهَا كُلَّهَا إِلَّا دِرْعَهَا مُفْرَجًا ثُمَّ تَطُوفُ فِيهِ وَتَقُولُ :
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أَحِلُّهُ
فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهَ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَسَخَهُ ، فَأَفَاضَ مِنْ
عَرَفَاتٍ ، وَطَافَ الْحُجَّاجُ بِالثِّيَابِ الَّتِي مَعَهُمْ مِنَ الْحِلِّ ، وَأَكَلُوا مِنْ طَعَامِ الْحِلِّ ، فِي الْحَرَمِ أَيَّامَ الْحَجِّ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=199ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، أَرَادَ بِالنَّاسِ الْعَرَبَ ، أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ يُفِيضُوا مِنْ
عَرَفَاتٍ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ الَّذِي مِنَ الْحِلِّ وَتَرْكَهُمْ إِيَّاهُ فِي الْحَرَمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ) - إِلَى قَوْلِهِ - : ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .