[ ص: 112 ] 233
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33800القبض على nindex.php?page=showalam&ids=12745محمد بن عبد الملك الزيات
وفي هذه السنة قبض
المتوكل على
nindex.php?page=showalam&ids=12745محمد بن عبد الملك الزيات ، وحبسه لسبع خلون من صفر .
وكان سببه أن
الواثق استوزر (
nindex.php?page=showalam&ids=16994محمد بن عبد الملك ، وفوض الأمور كلها إليه ) وكان
الواثق قد غضب على أخيه
جعفر المتوكل ، ووكل عليه من يحفظه ويأتيه بأخباره ، فأتى
المتوكل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16994محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم
الواثق ليرضى عنه ، فوقف بين يديه لا يكلمه ، ثم أشار عليه بالقعود فقعد ، فلما فرغ من الكتب التي بين يديه التفت إليه كالمتهدد ، وقال : ما جاء بك ؟ قال : جئت أسأل أمير المؤمنين الرضى عني ، فقال لمن حوله : انظروا ، يغضب أخاه ثم يسألني أن أسترضيه له ! اذهب ، فإذا صلحت; رضي عنك .
فقام من عنده حزينا ، فأتى
nindex.php?page=showalam&ids=12212أحمد بن أبي دؤاد ، فقام إليه
أحمد ، واستقبله على باب البيت ( وقبله ) ، وقال : ما حاجتك ؟ جعلت فداك ! قال : جئت لتسترضي أمير المؤمنين لي ، قال : أفعل ، ونعمة عين وكرامة ! فكلم
أحمد الواثق به ، فوعده ولم يرض عنه ، ( ثم كلمه فيه ثانية فرضي عنه ) وكساه .
ولما خرج
المتوكل من عند
ابن الزيات كتب إلى
الواثق : إن
جعفرا أتاني في زي
[ ص: 113 ] المخنثين ، له شعر قفا ، يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضى عنه ، فكتب إليه
الواثق : ابعث إليه ، فأحضره ، ومر من يجز شعر قفاه ، فيضرب به وجهه .
قال
المتوكل : لما أتاني رسوله لبست سوادا جديدا ، وأتيته رجاء أن يكون قد أتاه الرضى عني ، فاستدعى حجاما ، فأخذ شعري على السواد الجديد ، ثم ضرب به وجهي ، فلما ولي الخلافة
المتوكل أمهل حتى كان صفر ، فأمر
إيتاخ بأخذ
ابن الزيات وتعذيبه ، فاستحضر ، فركب يظن أن الخليفة يستدعيه ، فلما حاذى منزل
إيتاخ عدل به إليه ، فخاف ، فأدخله حجرة ، ووكل عليه ، وأرسل إلى منازله من أصحابه من هجم عليها ، وأخذ كل ما فيها ، واستصفى أمواله وأملاكه في جميع البلاد .
وكان شديد الجزع ، كثير البكاء والفكر ، ثم سوهر ، ( وكان ينخس بمسلة لئلا ينام ، ثم ترك فنام يوما وليلة ) ، ثم جعل في تنور عمله هو ، وعذب به
ابن أسباط المصري ، وأخذ ماله ، فكان من خشب فيه مسامير من حديد أطرافها إلى داخل التنور ، وتمنع من يكون فيه من الحركة ، وكان ضيقا بحيث إن الإنسان كان يمد يديه إلى فوق رأسه; ليقدر على دخوله لضيقه ، ولا يقدر من يكون فيه يجلس ، فبقي أياما ، فمات .
( وكان حبسه لسبع خلون من صفر ، وموته ) إحدى عشرة بقيت من ربيع الأول ، واختلف في سبب موته ، فقيل كما ذكرناه ، وقيل : بل ضرب فمات وهو يضرب ، وقيل مات بغير ضرب ، وهو أصح .
فلما مات حضره ابناه
سليمان ،
وعبيد الله ، وكانا محبوسين ، وطرح على الباب في قميصه الذي حبس فيه ، فقالا : الحمد لله الذي أراح من هذا الفاسق ! وغسلاه على الباب ، ودفناه ، فقيل إن الكلاب نبشته وأكلت لحمه .
[ ص: 114 ] قال : وسمع قبل موته يقول لنفسه : يا
محمد لم تقنعك النعمة ، والدواب ، والدار النظيفة ، والكسوة الفاخرة ، وأنت في عافية ، حتى طلبت الوزارة ، ذق ما عملت بنفسك ، ثم سكت عن ذلك ، وكان لا يزيد على التشهد ، وذكر الله عز وجل .
وكان
ابن الزيات صديقا
لإبراهيم الصولي ، فلما ولي الوزارة ، صادره بألف ألف وخمس مائة ألف درهم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14661الصولي :
وكنت أخي برخاء الزمان فلما نبا صرت حربا عوانا وكنت أذم إليك الزمان
فأصبحت منك أذم الزمانا وكنت أعدك للنائبات
فها أنا أطلب منك الأمانا
وقال أيضا :
أصبحت من رأي أبي جعفر في هيئة تنذر بالصيلم
من غير ما ذنب ، ولكنها عداوة الزنديق للمسلم
[ ص: 112 ] 233
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33800الْقَبْضِ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=12745مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ
الْمُتَوَكِّلُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12745مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ ، وَحَبَسَهُ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرَ .
وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ
الْوَاثِقَ اسْتَوْزَرَ (
nindex.php?page=showalam&ids=16994مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَفَوَّضَ الْأُمُورَ كُلَّهَا إِلَيْهِ ) وَكَانَ
الْوَاثِقُ قَدْ غَضِبَ عَلَى أَخِيهِ
جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ ، وَوَكَّلَ عَلَيْهِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَأْتِيهِ بِأَخْبَارِهِ ، فَأَتَى
الْمُتَوَكِّلُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16994مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْأَلُهُ أَنْ يُكَلِّمَ
الْوَاثِقَ لِيَرْضَى عَنْهُ ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يُكَلِّمُهُ ، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْقُعُودِ فَقَعَدَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ كَالْمُتَهَدِّدِ ، وَقَالَ : مَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ : جِئْتُ أَسْأَلُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الرِّضَى عَنِّي ، فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ : انْظُرُوا ، يُغْضِبُ أَخَاهُ ثُمَّ يَسْأَلُنِي أَنْ أَسْتَرْضِيَهُ لَهُ ! اذْهَبْ ، فَإِذَا صَلَحْتَ; رَضِيَ عَنْكَ .
فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ حَزِينًا ، فَأَتَى
nindex.php?page=showalam&ids=12212أَحْمَدَ بْنَ أَبِي دُؤَادَ ، فَقَامَ إِلَيْهِ
أَحْمَدُ ، وَاسْتَقْبَلَهُ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ ( وَقَبَّلَهُ ) ، وَقَالَ : مَا حَاجَتُكَ ؟ جُعِلْتُ فِدَاكَ ! قَالَ : جِئْتُ لِتَسْتَرْضِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي ، قَالَ : أَفْعَلُ ، وَنِعْمَةُ عَيْنٍ وَكَرَامَةٍ ! فَكَلَّمَ
أَحْمَدُ الْوَاثِقَ بِهِ ، فَوَعَدَهُ وَلَمْ يَرْضَ عَنْهُ ، ( ثُمَّ كَلَّمَهُ فِيهِ ثَانِيَةً فَرْضِي عَنْهُ ) وَكَسَاهُ .
وَلَمَّا خَرَجَ
الْمُتَوَكِّلُ مِنْ عِنْدِ
ابْنِ الزَّيَّاتِ كَتَبَ إِلَى
الْوَاثِقِ : إِنَّ
جَعْفَرًا أَتَانِي فِي زِيِّ
[ ص: 113 ] الْمُخَنَّثِينَ ، لَهُ شَعْرُ قَفَا ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَسْأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الرِّضَى عَنْهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ
الْوَاثِقُ : ابْعَثْ إِلَيْهِ ، فَأَحْضِرْهُ ، وَمُرْ مَنْ يَجُزُّ شَعْرَ قَفَاهُ ، فَيَضْرِبُ بِهِ وَجْهَهُ .
قَالَ
الْمُتَوَكِّلُ : لَمَّا أَتَانِي رَسُولُهُ لَبِسْتُ سَوَادًا جَدِيدًا ، وَأَتَيْتُهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتَاهُ الرِّضَى عَنِّي ، فَاسْتَدْعَى حَجَّامًا ، فَأَخَذَ شَعْرِي عَلَى السَّوَادِ الْجَدِيدِ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِهِ وَجْهِي ، فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ
الْمُتَوَكِّلُ أُمْهِلَ حَتَّى كَانَ صَفَرُ ، فَأَمَرَ
إِيتَاخَ بِأَخْذِ
ابْنِ الزَّيَّاتِ وَتَعْذِيبِهِ ، فَاسْتُحْضِرَ ، فَرَكِبَ يَظُنُّ أَنَّ الْخَلِيفَةَ يَسْتَدْعِيهِ ، فَلَمَّا حَاذَى مَنْزِلَ
إِيتَاخَ عَدَلَ بِهِ إِلَيْهِ ، فَخَافَ ، فَأَدْخَلَهُ حُجْرَةً ، وَوَكَّلَ عَلَيْهِ ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَنَازِلِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ هَجَمَ عَلَيْهَا ، وَأَخَذَ كُلَّ مَا فِيهَا ، وَاسْتَصْفَى أَمْوَالَهُ وَأَمْلَاكَهُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ .
وَكَانَ شَدِيدَ الْجَزَعِ ، كَثِيرَ الْبُكَاءِ وَالْفِكْرِ ، ثُمَّ سُوهِرَ ، ( وَكَانَ يُنْخَسُ بِمِسَلَّةٍ لِئَلَّا يَنَامَ ، ثُمَّ تُرِكَ فَنَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ) ، ثُمَّ جُعِلَ فِي تَنُّورٍ عَمِلَهُ هُوَ ، وَعَذَّبَ بِهِ
ابْنَ أَسْبَاطٍ الْمِصْرِيِّ ، وَأَخَذَ مَالَهُ ، فَكَانَ مِنْ خَشَبٍ فِيهِ مَسَامِيرُ مِنْ حَدِيدٍ أَطْرَافُهَا إِلَى دَاخِلِ التَّنُّورِ ، وَتَمْنَعُ مَنْ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْحَرَكَةِ ، وَكَانَ ضَيِّقًا بِحَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَانَ كَانَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى فَوْقِ رَأْسِهِ; لِيَقْدِرَ عَلَى دُخُولِهِ لِضِيقِهِ ، وَلَا يَقْدِرُ مَنْ يَكُونُ فِيهِ يَجْلِسُ ، فَبَقِيَ أَيَّامًا ، فَمَاتَ .
( وَكَانَ حَبْسُهُ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرَ ، وَمَوْتُهُ ) إِحْدَى عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ مَوْتِهِ ، فَقِيلَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَقِيلَ : بَلْ ضُرِبَ فَمَاتَ وَهُوَ يُضْرَبُ ، وَقِيلَ مَاتَ بِغَيْرِ ضَرْبٍ ، وَهُوَ أَصَحُّ .
فَلَمَّا مَاتَ حَضَرَهُ ابْنَاهُ
سُلَيْمَانُ ،
وَعُبَيْدُ اللَّهِ ، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ ، وَطُرِحَ عَلَى الْبَابِ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ ، فَقَالَا : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَاحَ مِنْ هَذَا الْفَاسِقِ ! وَغَسَّلَاهُ عَلَى الْبَابِ ، وَدَفَنَاهُ ، فَقِيلَ إِنَّ الْكِلَابَ نَبَشَتْهُ وَأَكَلَتْ لَحْمَهُ .
[ ص: 114 ] قَالَ : وَسُمِعَ قَبْلَ مَوْتِهِ يَقُولُ لِنَفْسِهِ : يَا
مُحَمَّدُ لَمْ تُقْنِعْكَ النِّعْمَةُ ، وَالدَّوَابُّ ، وَالدَّارُ النَّظِيفَةُ ، وَالْكُسْوَةُ الْفَاخِرَةُ ، وَأَنْتَ فِي عَافِيَةٍ ، حَتَّى طَلَبْتَ الْوِزَارَةَ ، ذُقْ مَا عَمِلْتَ بِنَفْسِكَ ، ثُمَّ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ ، وَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَكَانَ
ابْنُ الزَّيَّاتِ صَدِيقًا
لِإِبْرَاهِيمَ الصُّولِيِّ ، فَلَمَّا وَلِيَ الْوِزَارَةَ ، صَادَرَهُ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14661الصُّولِيُّ :
وَكُنْتَ أَخِي بِرَخَاءِ الزَّمَانِ فَلَمَّا نَبَا صِرْتَ حَرْبًا عَوَانَا وَكُنْتُ أَذُمُّ إِلَيْكَ الزَّمَانَ
فَأَصْبَحْتُ مِنْكَ أَذُمُّ الزَّمَانَا وَكُنْتُ أُعِدُّكَ لِلنَّائِبَاتِ
فَهَا أَنَا أَطْلُبُ مِنْكَ الْأَمَانَا
وَقَالَ أَيْضًا :
أَصْبَحْتُ مِنْ رَأْيِ أَبِي جَعْفَرٍ فِي هَيْئَةٍ تُنْذِرُ بِالصَّيْلَمِ
مِنْ غَيْرِ مَا ذَنْبٍ ، وَلَكِنَّهَا عَدَاوَةُ الزِّنْدِيقِ لِلْمُسْلِمِ