سمير حرب
ولم يزل الأنصار على حال اتفاق واجتماع ، وكان أول اختلاف وقع بينهم وحرب كانت لهم حرب سمير .
وكان سببها أن رجلا من بني ثعلبة من سعد بن ذبيان يقال له كعب بن العجلان نزل على مالك بن العجلان السالمي فحالفه وأقام معه . فخرج كعب يوما إلى سوق بني قينقاع فرأى رجلا من غطفان معه فرس وهو يقول : ليأخذ هذا الفرس أعز أهل يثرب . فقال رجل : فلان . وقال رجل آخر : أحيحة بن الجلاح الأوسي . وقال غيرهما : فلان بن فلان اليهودي أفضل أهلها . فدفع الغطفاني الفرس إلى مالك بن العجلان . فقال كعب : ألم أقل لكم إن حليفي مالكا أفضلكم ؟ فغضب من ذلك رجل من الأوس من بني عمرو بن عوف يقال له سمير وشتمه وافترقا ، وبقي كعب ما شاء الله .
ثم قصد سوقا لهم بقبا فقصده سمير ولازمه حتى خلا السوق فقتله . وأخبر مالك بن العجلان بقتله ، فأرسل إلى بني عمرو بن عوف يطلب قاتله ، فأرسلوا : إنا لا ندري من قتله . وترددت الرسل بينهم ، هو يطلب سميرا وهم ينكرون قتله ، ثم عرضوا عليه الدية فقبلها . وكانت دية الحليف فيهم نصف دية النسيب منهم . فأبى مالك إلا أخذ دية كاملة ، وامتنعوا من ذلك وقالوا : نعطي دية الحليف ، وهي النصف . ولج الأمر بينهم حتى آل إلى المحاربة ، فاجتمعوا والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا وافترقوا . ودخل فيها سائر بطون الأنصار ، ثم التقوا مرة أخرى واقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ، وكان الظفر يومئذ للأوس .
[ ص: 587 ] فلما افترقوا أرسلت الأوس إلى مالك يدعونه إلى أن يحكم بينهم المنذر بن حرام النجاري الخزرجي جد حسان بن ثابت بن المنذر . فأجابهم إلى ذلك ، فأتوا المنذر ، فحكم بينهم المنذر بأن يدوا كعبا حليف مالك دية الصريح ثم يعودوا إلى سنتهم القديمة ، فرضوا بذلك وحملوا الدية وافترقوا ، وقد شبت البغضاء في نفوسهم وتمكنت العداوة بينهم .