[ ص: 79 ] ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=31848_32626الأحداث التي كانت بين نوح ، وإبراهيم
قد ذكرنا ما كان من أمر
نوح ، وأمر ولده واقتسامهم الأرض بعده ، ومساكن كل فريق منهم ، فكان ممن طغى وبغى فأرسل إليهم رسولا فكذبوه فأهلكهم الله ، هذان الحيان من ولد
إرم بن سام بن نوح ، أحدهما
عاد ، والثاني
ثمود .
فأما
عاد فهو
عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=32626_31843عاد الأولى ، وكانت مساكنهم ما بين
الشحر ،
وعمان ،
وحضرموت بالأحقاف ، فكانوا جبارين طوال القامة لم يكن مثلهم ، يقول الله تعالى : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم
نوح وزادكم في الخلق بسطة ، فأرسل الله إليهم
هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عوض .
ومن الناس من يزعم أنه
هود وهو
غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وكانوا أهل أوثان ثلاثة ، يقال لأحدها
ضرا ، وللآخر
ضمور ، وللثالث
الهبا ، فدعاهم إلى توحيد الله ، وإفراده بالعبادة دون غيره ، وترك ظلم الناس ، فكذبوه ، وقالوا : من أشد منا قوة ! ولم يؤمن
بهود منهم إلا قليل .
وكان من أمرهم ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق قال :
nindex.php?page=treesubj&link=31843_32626إن عادا أصابهم قحط تتابع عليهم بتكذيبهم هودا ، فلما أصابهم قالوا : جهزوا منكم وفدا إلى
مكة يستسقون لكم ، فبعثوا
[ ص: 80 ] قيل بن عير ،
ولقيم بن هزال ،
ومرثد بن سعد ، وكان مسلما يكتم إسلامه ،
وجلهمة بن الخيبري خال
معاوية بن بكر ،
ولقمان بن عاد بن فلان بن عاد الأكبر في سبعين رجلا من قومهم ، فلما قدموا
مكة نزلوا على
معاوية بن بكر بظاهر
مكة خارجا عن الحرم ، فأكرمهم ، وكانوا أخواله وصهره لأن
لقيم بن هزال كان تزوج
هزيلة بنت بكر أخت
معاوية ، فأولدها أولادا كانوا عند خالهم
معاوية بمكة ، وهم
عبيد ،
وعمرو ،
وعامر ،
وعمير بنو
لقيم ، وهو
عاد الآخرة التي بقيت بعد
عاد الأولى ، فلما نزلوا على
معاوية أقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان - قينتان
لمعاوية - فلما رأى
معاوية طول مقامهم وتركهم ما أرسلوا له شق عليه ذلك ، وقال : هلك أخوالي ، واستحيا أن يأمر الوفد بالخروج إلى ما بعثوا له ، فذكر ذلك للجرادتين فقالتا : قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قائله لعلهم يتحركون ; فقال
معاوية :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يصبحنا غماما فيسقي أرض عاد إن عادا
قد امسوا لا يبينون الكلاما
في أبيات ذكرها . والهينمة : الكلام الخفي .
فلما غنتهم الجرادتان ذلك الشعر وسمعه القوم ، قال بعضهم لبعض : يا قوم ، بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم فأبطأتم عليهم فادخلوا الحرم ، واستسقوا لقومكم . فقال
مرثد بن سعد : إنهم والله لا يسقون بدعائهم ، ولكن أطيعوا نبيكم ، فأنتم تسقون ، وأظهر إسلامه عند ذلك . فقال
جلهمة بن الخيبري خال
معاوية ،
لمعاوية بن بكر : احبس عنا
مرثد بن سعد . وخرجوا إلى
مكة يستسقون بها
لعاد ، فدعوا الله تعالى لقومهم ، واستسقوا ، فأنشأ الله سحائب ثلاثا بيضاء ، وحمراء ، وسوداء ، ونادى مناد منها : يا قيل ، اختر لنفسك وقومك . فقال : قد اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر ماء ، فناداه
[ ص: 81 ] مناد اختر رمادا رمدادا ، لا تبقي من
عاد أحدا ، لا ولدا تترك ولا والدا إلا جعلته همدا ، إلا بني اللوذية المهدى .
وبنو اللوذية :
بنو لقيم بن هزال ، كانوا
بمكة عند خالهم
معاوية بن بكر .
nindex.php?page=treesubj&link=32626_31843وساق الله السحابة السوداء بما فيها من العذاب إلى عاد ، فخرجت عليهم من واد يقال له
المغيث ، فلما رأوها استبشروا بها وقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24هذا عارض ممطرنا يقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تدمر كل شيء بأمر ربها أي كل شيء أمرت به . وكان أول من رأى ما فيها وعرف أنها ريح مهلكة امرأة من
عاد يقال لها
فهدد ، فلما رأت ما فيها صاحت وصعقت ، فلما أفاقت قالوا : ماذا رأيت ؟ قالت : رأيت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها ، فلما خرجت الريح من الوادي قال سبعة رهط منهم ، أحدهم
الخلجان : تعالوا حتى نقوم على شفير الوادي فنردها . فجعلت الريح تدخل تحت الواحد منهم فتحمله فتدق عنقه ، وبقي
الخلجان فمال إلى الجبل وقال :
لم يبق إلا الخلجان نفسه يا لك من يوم دهاني أمسه
بثابت الوطء شديد وطسه لو لم يجئني جئته أجسه
فقال له
هود : أسلم تسلم . فقال : وما لي ؟ قال : الجنة . فقال : فما هؤلاء الذين في السحاب كأنهم البخت ؟ قال : الملائكة . قال : أيعيذني ربك منهم إن أسلمت ؟ قال : هل رأيت ملكا يعيذ من جنده ؟ قال : لو فعل ما رضيت .
ثم جاءت الريح وألحقته بأصحابه و
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، كما قال تعالى . والحسوم : الدائمة . فلم تدع من
عاد أحدا إلا هلك ، واعتزل
هود والمؤمنون في حظيرة لم يصبه ومن معه منها إلا تليين الجلود ، وإنها لتمر
[ ص: 82 ] من
عاد بالظعن وما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة .
وعاد وفد
عاد إلى
معاوية بن بكر فنزلوا عليه ، فأتاهم رجل على ناقة فأخبرهم بمصاب
عاد وسلامة
هود .
قال : وكان قد قيل
للقمان بن عاد : اختر لنفسك إلا أنه لا سبيل إلى الخلود . فقال : يا رب أعطني عمرا . فقيل له : اختر . فاختار عمر سبعة أنسر . فعمر فيما يزعمون عمر سبعة أنسر ، فكان يأخذ الفرخ الذكر حين يخرج من بيضته حتى إذا مات أخذ غيره ، وكان يعيش كل نسر ثمانين سنة ، فلما مات السابع مات
لقمان معه ، وكان السابع يسمى لبدا . قال : وكان عمر
هود مائة وخمسين سنة . وقبره
بحضرموت ، وقيل
بالحجر من
مكة ، فلما هلكوا أرسل الله طيرا سودا فنقلتهم إلى البحر ، فذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم . ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة ، فذلك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6فأهلكوا بريح صرصر عاتية . وكانت الريح تقلع الشجرة العظيمة بعروقها وتهدم البيت على من فيه .
وأما
ثمود فهم ولد
ثمود بن جاثر بن إرم بن سام ،
nindex.php?page=treesubj&link=31847وكانت مساكن ثمود بالحجر بين الحجاز ، والشام ، وكانوا بعد
عاد قد كثروا ، وكفروا ، وعتوا ، فبعث الله إليهم
صالح بن عبيد بن أسف بن ماشج بن عبيد بن جادر بن ثمود ، وقيل :
أسف بن كماشج بن إرم بن ثمود - يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة فقالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا الآية ، وكان الله قد أطال أعمارهم حتى إن كان أحدهم يبني البيت من المدر فينهدم وهو حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فارهين فنحتوها ، وكانوا في سعة من معايشهم ، ولم يزل
صالح يدعوهم فلم يتبعه منهم إلا قليل مستضعفون ، فلما ألح عليهم بالدعاء ، والتحذير ، والتخويف سألوه ، فقالوا : يا
صالح ، اخرج
[ ص: 83 ] معنا إلى عيدنا ، وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم ، فأرنا آية فتدعو إلهك وندعو آلهتنا ، فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا . فقال : نعم ، فخرجوا بأصنامهم ،
وصالح معهم ، فدعوا أصنامهم أن لا يستجاب
لصالح ما يدعو به ، وقال له سيد قومه :
nindex.php?page=treesubj&link=31845يا صالح ، أخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة ناقة جوفاء عشراء ، فإن فعلت ذلك صدقناك .
فأخذ عليهم مواثيق بذلك ، وأتى الصخرة ، وصلى ، ودعا ربه - عز وجل - فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ، ثم انفجرت وخرجت من وسطها الناقة كما طلبوا وهم ينظرون ، ثم نتجت سقبا مثلها في العظم ، فآمن به سيد قومه ، واسمه
جندع بن عمرو ، ورهط من قومه ، فلما خرجت الناقة قال لهم
صالح :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=155هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ، ومتى عقرتموها أهلككم الله . فكان شربها يوما وشربهم يوما معلوما ، فإذا كان يوم شربها خلوا بينها وبين الماء وحلبوها لبنها ، وملأوا كل وعاء ، وإناء ، وإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئا وتزودوا من الماء للغد .
nindex.php?page=treesubj&link=31846فأوحى الله إلى صالح أن قومك سيعقرون الناقة ، فقال لهم ذلك ، فقالوا : ما كنا لنفعل . قال : إلا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها . قالوا : وما علامته ؟ فوالله لا نجده إلا قتلناه ! قال : فإنه غلام أشقر ، أزرق ، أصهب ، أحمر . قال : فكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لأحدهما ابن رغب له عن المناكح ، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا فزوج أحدهما ابنه بابنة الآخر فولد بينهما المولود ، فلما قال لهم
صالح إنما يعقرها مولود فيكم اختاروا قوابل من القرية وجعلوا معهن شرطا يطوفون القرية فإذا وجدوا امرأة تلد نظروا ولدها ما هو ، فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النسوة ، وقلن : هذا الذي يريد نبي الله
صالح ، فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جداه بينهم وبينه وقالا : لو أراد
صالح هذا لقتلناه . فكان شر مولود وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ، فاجتمع تسعة رهط منهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، كانوا قتلوا أبناءهم حين ولدوا خوفا أن يكون عاقر الناقة منهم ، ثم ندموا فأقسموا ليقتلن
صالحا ، وأهله ، وقالوا : نخرج فترى الناس أننا نريد السفر فنأتي الغار الذي على طريق
صالح فنكون فيه ، فإذا جاء الليل وخرج صالح إلى مسجده قتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار ، ثم انصرفنا إلى رحالنا ، وقلنا ما شهدنا قتله فيصدقنا قومه . وكان
صالح لا يبيت معهم ، كان يخرج إلى مسجد له
[ ص: 84 ] يعرف بمسجد
صالح فيبيت فيه ، فلما دخلوا الغار سقطت عليهم صخرة فقتلتهم ، فانطلق رجال ممن عرف الحال إلى الغار فرأوهم هلكى ، فعادوا يصيحون : إن
صالحا أمرهم بقتل أولادهم ، ثم قتلهم .
وقيل : إنما كان
nindex.php?page=treesubj&link=31844تقاسم التسعة على قتل صالح بعد عقر الناقة وإنذار صالح إياهم بالعذاب ، وذلك أن التسعة الذين عقروا الناقة قالوا : تعالوا فلنقتل
صالحا فإن كان صادقا عجلنا قتله ، وإن كان كاذبا ألحقناه بالناقة ، فأتوه ليلا في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة فهلكوا ، فأتى أصحابهم فرأوهم هلكى فقالوا
لصالح : أنت قتلتهم ، وأرادوا قتله ، فمنعهم عشيرته وقالوا : إنه قد أنذركم العذاب ، فإن كان صادقا فلا تزيدوا ربكم غضبا ، وإن كان كاذبا فنحن نسلمه إليكم ، فعادوا عنه ، فعلى القول الأول يكون التسعة الذين تقاسموا غير الذين عقروا الناقة ، والثاني أصح ، والله أعلم .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=31846سبب قتل الناقة فقيل : إن
قدار بن سالف جلس مع نفر يشربون الخمر فلم يقدروا على ماء يمزجون به خمرهم لأنه كان يوم شرب الناقة ، فحرض بعضهم بعضا على قتلها .
وقيل : إن
ثمودا كان فيهم امرأتان يقال لإحداهما
قطام ، وللأخرى
قبال ، وكان
قدار يهوى
قطام ،
ومصدع يهوى
قبال ، ويجتمعان بهما ، ففي بعض الليالي قالتا
لقدار ومصدع : لا سبيل لكما إلينا حتى تقتلا الناقة ، فقالا : نعم ، وخرجا وجمعا أصحابهما وقصدا الناقة وهي على حوضها ، فقال الشقي لأحدهم : اذهب فاعقرها ، فأتاها ، فتعاظمه ذلك ، فأضرب عنه ، وبعث آخر فأعظم ذلك وجعل لا يبعث أحدا إلا تعاظمه قتلها حتى مشى هو إليها فتطاول فضرب عرقوبها ، فوقعت تركض ، وكان قتلها يوم الأربعاء ، واسمه بلغتهم جبار ، وكان هلاكهم يوم الأحد ، وهو عندهم أول ، فلما قتلت أتى رجل منهم
صالحا فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=31846أدرك الناقة فقد عقروها ، فأقبل وخرجوا يتلقونه ، ويعتذرون إليه : يا نبي الله إنما عقرها فلان ، إنه لا ذنب لنا ! قال : انظروا هل تدركون فصيلها ؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب . فخرجوا يطلبونه ، ولما رأى الفصيل أمه تضطرب قصد جبلا يقال له القارة قصيرا فصعده ، وذهبوا يطلبونه ، فأوحى الله إلى الجبل فطال في
[ ص: 85 ] السماء حتى ما يناله الطير ، ودخل
صالح القرية ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم استقبل
صالحا فرغا ثلاثا ، فقال
صالح : لكل رغوة أجل يوم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ،
nindex.php?page=treesubj&link=31847وآية العذاب أن وجوهكم تصبح في اليوم الأول مصفرة ، وتصبح في اليوم الثاني محمرة ، وتصبح في اليوم الثالث مسودة . فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم ، فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة ، فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فتكفنوا وتحنطوا ، وكان حنوطهم الصبر ، والمر ، وكانت أكفانهم الأنطاع ، ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء والأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كالصاعقة ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67فأصبحوا في ديارهم جاثمين وأهلك الله من كان بين المشارق والمغارب منهم إلا رجلا كان في الحرم فمنعه الحرم . قيل : ومن هو ؟ قيل : هو
أبو رغال ، وهو أبو
ثقيف في قول .
ولما سار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى
تبوك أتى على قرية
ثمود ، فقال لأصحابه :
لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ، وأراهم مرتقى الفصيل في الجبل ، وأراهم الفج الذي كانت الناقة ترد منه الماء .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=31844صالح - عليه السلام - فإنه سار إلى
الشام ، فنزل
فلسطين ، ثم انتقل إلى
مكة فأقام بها يعبد الله حتى مات ، وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وكان قد أقام في قومه يدعوهم عشرين سنة .
وأما
أهل التوراة فإنهم يزعمون أنه لا ذكر
لعاد ،
وهود ،
وثمود ،
وصالح في التوراة ، قال : وأمرهم عند العرب في الجاهلية والإسلام كشهرة
إبراهيم الخليل - عليه السلام - .
قلت : وليس إنكارهم ذلك بأعجب من إنكارهم نبوة إبراهيم الخليل ورسالته ، وكذلك إنكارهم حال
المسيح - عليه السلام - .
[ ص: 79 ] ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=31848_32626الْأَحْدَاثِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ نُوحٍ ، وَإِبْرَاهِيمَ
قَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ
نُوحٍ ، وَأَمْرِ وَلَدِهِ وَاقْتِسَامِهِمُ الْأَرْضَ بَعْدَهُ ، وَمَسَاكِنِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ، فَكَانَ مِمَّنْ طَغَى وَبَغَى فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ ، هَذَانِ الْحَيَّانِ مِنْ وَلَدِ
إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، أَحَدُهُمَا
عَادٌ ، وَالثَّانِي
ثَمُودُ .
فَأَمَّا
عَادٌ فَهُوَ
عَادُ بْنُ عُوضِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامٍ بْنِ نُوحٍ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=32626_31843عَادٌ الْأُولَى ، وَكَانَتْ مَسَاكِنُهُمْ مَا بَيْنَ
الشِّحْرِ ،
وَعُمَانَ ،
وَحَضْرَمَوْتَ بِالْأَحْقَافِ ، فَكَانُوا جَبَّارِينَ طِوَالَ الْقَامَةِ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُمْ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ
نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ
هُودَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحِ بْنِ الْجُلُودِ بْنِ عَادِ بْنِ عُوضٍ .
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ
هُودٌ وَهُوَ
غَابِرُ بْنُ شَالَخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ، وَكَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ ثَلَاثَةٍ ، يُقَالُ لِأَحَدِهَا
ضُرَا ، وَلِلْآخَرِ
ضَمُورُ ، وَلِلثَّالِثِ
الْهَبَا ، فَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ ، وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَتَرْكِ ظُلْمِ النَّاسِ ، فَكَذَّبُوهُ ، وَقَالُوا : مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ! وَلَمْ يُؤْمِنْ
بِهُودٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ .
وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31843_32626إِنَّ عَادًا أَصَابَهُمْ قَحْطٌ تَتَابَعَ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ هُودًا ، فَلَمَّا أَصَابَهُمْ قَالُوا : جَهِّزُوا مِنْكُمْ وَفْدًا إِلَى
مَكَّةَ يَسْتَسْقُونَ لَكُمْ ، فَبَعَثُوا
[ ص: 80 ] قَيْلَ بْنَ عِيرٍ ،
وَلُقَيْمَ بْنَ هَزَّالٍ ،
وَمَرْثَدَ بْنَ سَعْدٍ ، وَكَانَ مُسْلِمًا يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ ،
وَجَلْهَمَةَ بْنَ الْخَيْبَرِيِّ خَالَ
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ ،
وَلُقْمَانَ بْنَ عَادِ بْنِ فُلَانِ بْنِ عَادٍ الْأَكْبَرَ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمُوا
مَكَّةَ نَزَلُوا عَلَى
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ بِظَاهِرِ
مَكَّةَ خَارِجًا عَنِ الْحَرَمِ ، فَأَكْرَمَهُمْ ، وَكَانُوا أَخْوَالَهُ وَصِهْرَهُ لِأَنَّ
لُقَيْمَ بْنَ هَزَّالٍ كَانَ تَزَوَّجَ
هُزَيْلَةَ بِنْتَ بَكْرٍ أُخْتَ
مُعَاوِيَةَ ، فَأَوْلَدَهَا أَوْلَادًا كَانُوا عِنْدَ خَالِهِمْ
مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ ، وَهُمْ
عُبَيْدٌ ،
وَعَمْرٌو ،
وَعَامِرٌ ،
وَعُمَيْرٌ بَنُو
لُقَيْمٍ ، وَهُوَ
عَادٌ الْآخِرَةُ الَّتِي بَقِيَتْ بَعْدَ
عَادٍ الْأُولَى ، فَلَمَّا نَزَلُوا عَلَى
مُعَاوِيَةَ أَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهِمُ الْجَرَادَتَانِ - قَيْنَتَانِ
لِمُعَاوِيَةَ - فَلَمَّا رَأَى
مُعَاوِيَةُ طُولَ مُقَامِهِمْ وَتَرْكَهُمْ مَا أُرْسِلُوا لَهُ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، وَقَالَ : هَلَكَ أَخْوَالِي ، وَاسْتَحْيَا أَنْ يَأْمُرَ الْوَفْدَ بِالْخُرُوجِ إِلَى مَا بُعِثُوا لَهُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْجَرَادَتَيْنِ فَقَالَتَا : قُلْ شِعْرًا نُغَنِّيهِمْ بِهِ لَا يَدْرُونَ مَنْ قَائِلُهُ لَعَلَّهُمْ يَتَحَرَّكُونَ ; فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ :
أَلَا يَا قَيْلُ وَيْحَكَ قُمْ فَهَيْنِمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُصْبِحُنَا غَمَامَا فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ إِنَّ عَادًا
قَدَ امْسَوْا لَا يُبِينُونَ الْكَلَامَا
فِي أَبْيَاتٍ ذَكَرَهَا . وَالْهَيْنَمَةُ : الْكَلَامُ الْخَفِيُّ .
فَلَمَّا غَنَّتْهُمُ الْجَرَادَتَانِ ذَلِكَ الشِّعْرَ وَسَمِعَهُ الْقَوْمُ ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْمُ ، بَعَثَكُمْ قَوْمُكُمْ يَتَغَوَّثُونَ بِكُمْ مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ فَأَبْطَأْتُمْ عَلَيْهِمْ فَادْخُلُوا الْحَرَمَ ، وَاسْتَسْقُوا لِقَوْمِكُمْ . فَقَالَ
مَرْثَدُ بْنُ سَعْدٍ : إِنَّهُمْ وَاللَّهِ لَا يُسْقَوْنَ بِدُعَائِهِمْ ، وَلَكِنْ أَطِيعُوا نَبِيَّكُمْ ، فَأَنْتُمْ تُسْقَوْنَ ، وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ عِنْدَ ذَلِكَ . فَقَالَ
جَلْهَمَةُ بْنُ الْخَيْبَرِيِّ خَالُ
مُعَاوِيَةَ ،
لِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ : احْبِسْ عَنَّا
مَرْثَدَ بْنَ سَعْدٍ . وَخَرَجُوا إِلَى
مَكَّةَ يَسْتَسْقُونَ بِهَا
لِعَادٍ ، فَدَعَوُا اللَّهَ تَعَالَى لِقَوْمِهِمْ ، وَاسْتَسْقَوْا ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَائِبَ ثَلَاثًا بَيْضَاءَ ، وَحَمْرَاءَ ، وَسَوْدَاءَ ، وَنَادَى مُنَادٍ مِنْهَا : يَا قَيْلُ ، اخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَقَوْمِكَ . فَقَالَ : قَدِ اخْتَرْتُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ مَاءً ، فَنَادَاهُ
[ ص: 81 ] مُنَادٍ اخْتَرْ رَمَادًا رِمْدَادًا ، لَا تُبْقِي مِنْ
عَادٍ أَحَدًا ، لَا وَلَدًا تَتْرُكُ وَلَا وَالِدًا إِلَّا جَعَلَتْهُ هَمَدًا ، إِلَّا بَنِي اللُّوذِيَّةِ الْمُهْدَى .
وَبَنُو اللُّوذِيَّةِ :
بَنُو لُقَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ ، كَانُوا
بِمَكَّةَ عِنْدَ خَالِهِمْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=32626_31843وَسَاقَ اللَّهُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ إِلَى عَادٍ ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَالُ لَهُ
الْمُغِيثُ ، فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا بِهَا وَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا أَيْ كُلَّ شَيْءٍ أُمِرَتْ بِهِ . وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ رَأَى مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ مُهْلِكَةٌ امْرَأَةً مِنْ
عَادٍ يُقَالُ لَهَا
فَهْدَدُ ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا فِيهَا صَاحَتْ وَصُعِقَتْ ، فَلَمَّا أَفَاقَتْ قَالُوا : مَاذَا رَأَيْتِ ؟ قَالَتْ : رَأَيْتُ رِيحًا فِيهَا كَشُهُبِ النَّارِ أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا ، فَلَمَّا خَرَجَتِ الرِّيحُ مِنَ الْوَادِي قَالَ سَبْعَةُ رَهْطٍ مِنْهُمْ ، أَحَدُهُمُ
الْخَلَجَانُ : تَعَالَوْا حَتَّى نَقُومَ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي فَنَرُدَّهَا . فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَدْخُلُ تَحْتَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فَتَحْمِلُهُ فَتَدُقُّ عُنُقَهُ ، وَبَقِيَ
الْخَلَجَانُ فَمَالَ إِلَى الْجَبَلِ وَقَالَ :
لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْخَلَجَانُ نَفْسُهُ يَا لَكَ مِنْ يَوْمٍ دَهَانِي أَمْسُهُ
بِثَابِتِ الْوَطْءِ شَدِيدٍ وَطْسُهُ لَوْ لَمْ يَجِئْنِي جِئْتُهُ أَجُسُّهُ
فَقَالَ لَهُ
هُودٌ : أَسْلِمْ تَسْلَمْ . فَقَالَ : وَمَا لِي ؟ قَالَ : الْجَنَّةُ . فَقَالَ : فَمَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي السَّحَابِ كَأَنَّهُمُ الْبُخْتُ ؟ قَالَ : الْمَلَائِكَةُ . قَالَ : أَيُعِيذُنِي رَبُّكَ مِنْهُمْ إِنْ أَسْلَمْتُ ؟ قَالَ : هَلْ رَأَيْتَ مَلِكًا يُعِيذُ مَنْ جَنَّدَهُ ؟ قَالَ : لَوْ فَعَلَ مَا رَضِيتُ .
ثُمَّ جَاءَتِ الرِّيحُ وَأَلْحَقَتْهُ بِأَصْحَابِهِ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=7سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى . وَالْحُسُومُ : الدَّائِمَةُ . فَلَمْ تَدَعْ مِنْ
عَادٍ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ ، وَاعْتَزَلَ
هُودٌ وَالْمُؤْمِنُونَ فِي حَظِيرَةٍ لَمْ يُصِبْهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْهَا إِلَّا تَلْيِينُ الْجُلُودِ ، وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ
[ ص: 82 ] مِنْ
عَادٍ بِالظَّعْنِ وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ .
وَعَادَ وَفْدُ
عَادٍ إِلَى
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ ، فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِمُصَابِ
عَادٍ وَسَلَامَةِ
هُودٍ .
قَالَ : وَكَانَ قَدْ قِيلَ
لِلُقْمَانَ بْنِ عَادٍ : اخْتَرْ لِنَفْسِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْخُلُودِ . فَقَالَ : يَا رَبِّ أَعْطِنِي عُمُرًا . فَقِيلَ لَهُ : اخْتَرْ . فَاخْتَارَ عُمُرَ سَبْعَةِ أَنْسُرٍ . فَعُمِّرَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عُمُرَ سَبْعَةِ أَنْسُرٍ ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْفَرْخَ الذَّكَرَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْضَتِهِ حَتَّى إِذَا مَاتَ أَخَذَ غَيْرَهُ ، وَكَانَ يَعِيشُ كُلُّ نَسْرٍ ثَمَانِينَ سَنَةً ، فَلَمَّا مَاتَ السَّابِعُ مَاتَ
لُقْمَانُ مَعَهُ ، وَكَانَ السَّابِعُ يُسَمَّى لُبَدًا . قَالَ : وَكَانَ عُمُرُ
هُودٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً . وَقَبْرُهُ
بِحَضْرَمَوْتَ ، وَقِيلَ
بِالْحِجْرِ مِنْ
مَكَّةَ ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَرْسَلَ اللَّهُ طَيْرًا سُودًا فَنَقَلَتْهُمْ إِلَى الْبَحْرِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=25فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ . وَلَمْ تَخْرُجْ رِيحٌ قَطُّ إِلَّا بِمِكْيَالٍ إِلَّا يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهَا عَتَتْ عَلَى الْخَزَنَةِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=6فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ . وَكَانَتِ الرِّيحُ تَقْلَعُ الشَّجَرَةَ الْعَظِيمَةَ بِعُرُوقِهَا وَتَهْدِمُ الْبَيْتَ عَلَى مَنْ فِيهِ .
وَأَمَّا
ثَمُودُ فَهُمْ وَلَدُ
ثَمُودَ بْنِ جَاثِرِ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31847وَكَانَتْ مَسَاكِنُ ثَمُودَ بِالْحِجْرِ بَيْنَ الْحِجَازِ ، وَالشَّامِ ، وَكَانُوا بَعْدَ
عَادٍ قَدْ كَثُرُوا ، وَكَفَرُوا ، وَعَتَوْا ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ
صَالِحَ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ أَسِفِ بْنِ مَاشِجَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ جَادِرِ بْنِ ثَمُودَ ، وَقِيلَ :
أَسِفِ بْنِ كَمَاشِجَ بْنِ إِرَمَ بْنِ ثَمُودَ - يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ فَقَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا الْآيَةَ ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أَطَالَ أَعْمَارَهُمْ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَبْنِي الْبَيْتَ مِنَ الْمَدَرِ فَيَنْهَدِمُ وَهُوَ حَيٌّ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اتَّخَذُوا مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَنَحَتُوهَا ، وَكَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ مَعَايِشِهِمْ ، وَلَمْ يَزَلْ
صَالِحٌ يَدْعُوهُمْ فَلَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ ، فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ ، وَالتَّحْذِيرِ ، وَالتَّخْوِيفِ سَأَلُوهُ ، فَقَالُوا : يَا
صَالِحُ ، اخْرُجْ
[ ص: 83 ] مَعَنَا إِلَى عِيدِنَا ، وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ بِأَصْنَامِهِمْ ، فَأَرِنَا آيَةً فَتَدْعُو إِلَهَكَ وَنَدْعُو آلِهَتَنَا ، فَإِنِ اسْتُجِيبَ لَكَ اتَّبَعْنَاكَ وَإِنِ اسْتُجِيبَ لَنَا اتَّبَعْتَنَا . فَقَالَ : نَعَمْ ، فَخَرَجُوا بِأَصْنَامِهِمْ ،
وَصَالِحٌ مَعَهُمْ ، فَدَعَوْا أَصْنَامَهُمْ أَنْ لَا يُسْتَجَابَ
لِصَالِحٍ مَا يَدْعُو بِهِ ، وَقَالَ لَهُ سَيِّدُ قَوْمِهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=31845يَا صَالِحُ ، أَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ لِصَخْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ نَاقَةً جَوْفَاءَ عُشَرَاءَ ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ صَدَّقْنَاكَ .
فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَوَاثِيقَ بِذَلِكَ ، وَأَتَى الصَّخْرَةَ ، وَصَلَّى ، وَدَعَا رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَإِذَا هِيَ تَتَمَخَّضُ كَمَا تَتَمَخَّضُ الْحَامِلُ ، ثُمَّ انْفَجَرَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ وَسَطِهَا النَّاقَةُ كَمَا طَلَبُوا وَهُمْ يَنْظُرُونَ ، ثُمَّ نَتَجَتْ سَقْبًا مِثْلَهَا فِي الْعِظَمِ ، فَآمَنَ بِهِ سَيِّدُ قَوْمِهِ ، وَاسْمُهُ
جُنْدَعُ بْنُ عَمْرٍو ، وَرَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَلَمَّا خَرَجَتِ النَّاقَةُ قَالَ لَهُمْ
صَالِحٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=155هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، وَمَتَى عَقَرْتُمُوهَا أَهْلَكَكُمُ اللَّهُ . فَكَانَ شِرْبُهَا يَوْمًا وَشِرْبُهُمْ يَوْمًا مَعْلُومًا ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا خَلَّوْا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَاءِ وَحَلَبُوهَا لَبَنَهَا ، وَمَلَأُوا كُلَّ وِعَاءٍ ، وَإِنَاءٍ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ صَرَفُوهَا عَنِ الْمَاءِ فَلَمْ تَشْرَبْ مِنْهُ شَيْئًا وَتَزَوَّدُوا مِنَ الْمَاءِ لِلْغَدِ .
nindex.php?page=treesubj&link=31846فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَالِحٍ أَنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ النَّاقَةَ ، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ، فَقَالُوا : مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ . قَالَ : إِلَّا تَعْقِرُوهَا أَنْتُمْ يُوشِكُ أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ يَعْقِرُهَا . قَالُوا : وَمَا عَلَامَتُهُ ؟ فَوَاللَّهِ لَا نَجِدُهُ إِلَّا قَتَلْنَاهُ ! قَالَ : فَإِنَّهُ غُلَامٌ أَشْقَرُ ، أَزْرَقُ ، أَصْهَبُ ، أَحْمَرُ . قَالَ : فَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ شَيْخَانِ عَزِيزَانِ مَنِيعَانِ لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ رَغِبَ لَهُ عَنِ الْمَنَاكِحِ ، وَلِلْآخَرِ ابْنَةٌ لَا يَجِدُ لَهَا كُفُؤًا فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا ابْنَهُ بِابْنَةِ الْآخَرِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا الْمَوْلُودُ ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ
صَالِحٌ إِنَّمَا يَعْقِرُهَا مَوْلُودٌ فِيكُمُ اخْتَارُوا قَوَابِلَ مِنَ الْقَرْيَةِ وَجَعَلُوا مَعَهُنَّ شُرَطًا يَطُوفُونَ الْقَرْيَةَ فَإِذَا وَجَدُوا امْرَأَةً تَلِدُ نَظَرُوا وَلَدَهَا مَا هُوَ ، فَلَمَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْمَوْلُودَ صَرَخَ النِّسْوَةُ ، وَقُلْنَ : هَذَا الَّذِي يُرِيدُ نَبِيُّ اللَّهِ
صَالِحٌ ، فَأَرَادَ الشُّرَطُ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَحَالَ جِدَّاهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَقَالَا : لَوْ أَرَادَ
صَالِحٌ هَذَا لَقَتَلْنَاهُ . فَكَانَ شَرَّ مَوْلُودٍ وَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ ، فَاجْتَمَعَ تِسْعَةُ رَهْطٍ مِنْهُمْ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ، كَانُوا قَتَلُوا أَبْنَاءَهُمْ حِينَ وُلِدُوا خَوْفًا أَنْ يَكُونَ عَاقِرَ النَّاقَةِ مِنْهُمْ ، ثُمَّ نَدِمُوا فَأَقْسَمُوا لَيَقْتُلُنَّ
صَالِحًا ، وَأَهْلَهُ ، وَقَالُوا : نَخْرُجُ فَتَرَى النَّاسُ أَنَّنَا نُرِيدُ السَّفَرَ فَنَأْتِي الْغَارَ الَّذِي عَلَى طَرِيقِ
صَالِحٍ فَنَكُونُ فِيهِ ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ وَخَرَجَ صَالِحٌ إِلَى مَسْجِدِهِ قَتَلْنَاهُ ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْغَارِ ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى رِحَالِنَا ، وَقُلْنَا مَا شَهِدْنَا قَتْلَهُ فَيُصَدِّقُنَا قَوْمُهُ . وَكَانَ
صَالِحٌ لَا يَبِيتُ مَعَهُمْ ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى مَسْجِدٍ لَهُ
[ ص: 84 ] يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ
صَالِحٍ فَيَبِيتُ فِيهِ ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْغَارَ سَقَطَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ فَقَتَلَتْهُمْ ، فَانْطَلَقَ رِجَالٌ مِمَّنْ عَرَفَ الْحَالَ إِلَى الْغَارِ فَرَأَوْهُمْ هَلْكَى ، فَعَادُوا يَصِيحُونَ : إِنَّ
صَالِحًا أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ ، ثُمَّ قَتَلَهُمْ .
وَقِيلَ : إِنَّمَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=31844تَقَاسُمُ التِّسْعَةِ عَلَى قَتْلِ صَالِحٍ بَعْدَ عَقْرِ النَّاقَةِ وَإِنْذَارِ صَالِحٍ إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ ، وَذَلِكَ أَنَّ التِّسْعَةَ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ قَالُوا : تَعَالَوْا فَلْنَقْتُلْ
صَالِحًا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَجَّلْنَا قَتْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا أَلْحَقْنَاهُ بِالنَّاقَةِ ، فَأَتَوْهُ لَيْلًا فِي أَهْلِهِ فَدَمَغَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ فَهَلَكُوا ، فَأَتَى أَصْحَابُهُمْ فَرَأَوْهُمْ هَلْكَى فَقَالُوا
لِصَالِحٍ : أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ ، فَمَنَعَهُمْ عَشِيرَتُهُ وَقَالُوا : إِنَّهُ قَدْ أَنْذَرَكُمُ الْعَذَابَ ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا تَزِيدُوا رَبَّكُمْ غَضَبًا ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَنَحْنُ نُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ ، فَعَادُوا عَنْهُ ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ التِّسْعَةُ الَّذِينَ تَقَاسَمُوا غَيْرَ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ ، وَالثَّانِي أَصَحُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31846سَبَبُ قَتْلِ النَّاقَةِ فَقِيلَ : إِنَّ
قُدَارَ بْنَ سَالِفٍ جَلَسَ مَعَ نَفَرٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى مَاءٍ يَمْزُجُونَ بِهِ خَمْرَهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ يَوْمُ شِرْبِ النَّاقَةِ ، فَحَرَّضَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى قَتْلِهَا .
وَقِيلَ : إِنَّ
ثَمُودًا كَانَ فِيهِمُ امْرَأَتَانِ يُقَالُ لِإِحْدَاهُمَا
قَطَامُ ، وَلِلْأُخْرَى
قُبَالُ ، وَكَانَ
قِدَارُ يَهْوَى
قَطَامَ ،
وَمُصَدَّعُ يَهْوَى
قُبَالَ ، وَيَجْتَمِعَانِ بِهِمَا ، فَفِي بَعْضِ اللَّيَالِي قَالَتَا
لِقُدَارَ وَمُصَدَّعَ : لَا سَبِيلَ لَكُمَا إِلَيْنَا حَتَّى تَقْتُلَا النَّاقَةَ ، فَقَالَا : نَعَمْ ، وَخَرَجَا وَجَمَعَا أَصْحَابَهُمَا وَقَصَدَا النَّاقَةَ وَهِيَ عَلَى حَوْضِهَا ، فَقَالَ الشَّقِيُّ لِأَحَدِهِمْ : اذْهَبْ فَاعْقِرْهَا ، فَأَتَاهَا ، فَتَعَاظَمَهُ ذَلِكَ ، فَأَضْرَبَ عَنْهُ ، وَبَعَثَ آخَرُ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ وَجَعَلَ لَا يَبْعَثُ أَحَدًا إِلَّا تَعَاظَمَهُ قَتْلُهَا حَتَّى مَشَى هُوَ إِلَيْهَا فَتَطَاوَلَ فَضَرَبَ عُرْقُوبَهَا ، فَوَقَعَتْ تَرْكُضُ ، وَكَانَ قَتْلُهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَاسْمُهُ بِلُغَتِهِمْ جَبَّارُ ، وَكَانَ هَلَاكُهُمْ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَهُوَ عِنْدُهُمْ أَوَّلُ ، فَلَمَّا قُتِلَتْ أَتَى رَجُلٌ مِنْهُمْ
صَالِحًا فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31846أَدْرِكِ النَّاقَةَ فَقَدْ عَقَرُوهَا ، فَأَقْبَلَ وَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ ، وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّمَا عَقَرَهَا فُلَانٌ ، إِنَّهُ لَا ذَنْبَ لَنَا ! قَالَ : انْظُرُوا هَلْ تُدْرِكُونَ فَصِيلَهَا ؟ فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ . فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ ، وَلَمَّا رَأَى الْفَصِيلُ أُمَّهُ تَضْطَرِبُ قَصَدَ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ الْقَارَّةُ قَصِيرًا فَصَعِدَهُ ، وَذَهَبُوا يَطْلُبُونَهُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْجَبَلِ فَطَالَ فِي
[ ص: 85 ] السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَنَالُهُ الطَّيْرُ ، وَدَخَلَ
صَالِحٌ الْقَرْيَةَ ، فَلَمَّا رَآهُ الْفَصِيلُ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ
صَالِحًا فَرَغَا ثَلَاثًا ، فَقَالَ
صَالِحٌ : لِكُلِّ رَغْوَةٍ أَجَلُ يَوْمٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31847وَآيَةُ الْعَذَابِ أَنَّ وُجُوهَكُمْ تُصْبِحُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مُصْفَرَّةً ، وَتُصْبِحُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مُحَمَّرَةً ، وَتُصْبِحُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مُسْوَدَّةً . فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا وُجُوهُهُمْ كَأَنَّمَا طُلِيَتْ بِالْخَلُوقِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ ، ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِذَا وُجُوهُهُمْ مُحَمَّرَةٌ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذَا وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ كَأَنَّمَا طُلِيَتْ بِالْقَارِ ، فَتَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا ، وَكَانَ حَنُوطُهُمُ الصَّبْرَ ، وَالْمُرَّ ، وَكَانَتْ أَكْفَانُهُمُ الْأَنْطَاعَ ، ثُمَّ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ فَجَعَلُوا يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ أَتَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتٌ كَالصَّاعِقَةِ ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ وَأَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا كَانَ فِي الْحَرَمِ فَمَنَعَهُ الْحَرَمُ . قِيلَ : وَمَنْ هُوَ ؟ قِيلَ : هُوَ
أَبُو رِغَالٍ ، وَهُوَ أَبُو
ثَقِيفٍ فِي قَوْلٍ .
وَلَمَّا سَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى
تَبُوكَ أَتَى عَلَى قَرْيَةِ
ثَمُودَ ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ :
لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْقَرْيَةَ وَلَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا ، وَأَرَاهُمْ مُرْتَقَى الْفَصِيلِ فِي الْجَبَلِ ، وَأَرَاهُمُ الْفَجَّ الَّذِي كَانَتِ النَّاقَةُ تَرِدُ مِنْهُ الْمَاءَ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31844صَالِحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى
الشَّامِ ، فَنَزَلَ
فِلَسْطِينَ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى
مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا يَعْبُدُ اللَّهَ حَتَّى مَاتَ ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً ، وَكَانَ قَدْ أَقَامَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ عِشْرِينَ سَنَةً .
وَأَمَّا
أَهْلُ التَّوْرَاةِ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا ذِكْرَ
لِعَادٍ ،
وَهُودٍ ،
وَثَمُودَ ،
وَصَالِحٍ فِي التَّوْرَاةِ ، قَالَ : وَأَمْرُهُمْ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ كَشُهْرَةِ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
قُلْتُ : وَلَيْسَ إِنْكَارُهُمْ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْكَارِهِمْ نُبُوَّةَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَرِسَالَتَهُ ، وَكَذَلِكَ إِنْكَارِهِمْ حَالَ
الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .