المسألة الرابعة : في شرح كثرتهم : قال عليه الصلاة والسلام : " أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها [ ص: 149 ] موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع " وروي أن بني آدم عشر الجن ، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر ، وهؤلاء كلهم عشر الطيور ، وهؤلاء كلهم عشر حيوانات البحر ، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين بها ، وكل هؤلاء عشر ملائكة سماء الدنيا ، وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثالثة ، وعلى هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة ، ثم الكل في مقابلة ملائكة الكرسي نزر قليل ، ثم كل هؤلاء عشر ملائكة السرادق الواحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف ، طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السماوات والأرضون وما فيها وما بينها ، فإنها كلها تكون شيئا يسيرا ، وقدرا صغيرا ، وما من مقدار موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم ، لهم زجل بالتسبيح والتقديس ، ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر ولا يعلم عددهم إلا الله ، ثم مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل عليه السلام ، والملائكة الذين هم جنود جبريل عليه السلام ، وهم كلهم سامعون مطيعون لا يفترون مشتغلون بعبادته سبحانه وتعالى ، رطاب الألسن بذكره وتعظيمه ، يتسابقون في ذلك مذ خلقهم ، لا يستكبرون عن عبادته آناء الليل والنهار ولا يسأمون ، لا يحصي أجناسهم ، ولا مدة أعمارهم ولا كيفية عبادتهم إلا الله تعالى ، وهذا تحقيق حقيقة ملكوته جل جلاله على ما قال : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) [المدثر : 31] . وأقول : رأيت في بعض كتب التذكير أنه عليه الصلاة والسلام حين عرج به رأى ملائكة في موضع بمنزلة سوق بعضهم يمشي تجاه بعض ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهم إلى أين يذهبون ؟ فقال جبريل عليه السلام : لا أدري إلا أني أراهم مذ خلقت ولا أرى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك ، ثم سألوا واحدا منهم ، وقيل له : مذ كم خلقت ؟ فقال : لا أدري غير أن الله تعالى يخلق كوكبا في كل أربعمائة ألف سنة فخلق مثل ذلك الكوكب منذ خلقني أربعمائة ألف مرة ، فسبحانه من إله ما أعظم قدرته وما أجل كماله .
واعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن أصنافهم وأوصافهم ، أما الأصناف :
فأحدها : وهو قوله : ( حملة العرش ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) [الحاقة : 17] .
وثانيها : على ما قال سبحانه : ( الحافون حول العرش وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ) [الزمر : 75] .
وثالثها : ، فمنهم أكابر الملائكة جبريل وميكائيل صلوات الله عليهما لقوله تعالى : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) [البقرة : 98] ثم إنه سبحانه وتعالى وصف جبريل عليه السلام بأمور : الأول : أنه قال تعالى : ( صاحب الوحي إلى الأنبياء نزل به الروح الأمين على قلبك ) [الشعراء : 193 ، 194] . الثاني : أنه تعالى ذكره قبل سائر الملائكة في القرآن ( قل من كان عدوا لجبريل ) [البقرة : 97] ولأن جبريل صاحب الوحي والعلم ، وميكائيل صاحب الأرزاق والأغذية ، والعلم الذي هو الغذاء الروحاني أشرف من الغذاء الجسماني ، فوجب أن يكون جبريل عليه السلام أشرف من ميكائيل .
الثالث : أنه تعالى جعله ثاني نفسه ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) [التحريم : 4] .
الرابع : سماه روح القدس ، قال في حق عيسى عليه السلام : ( إذ أيدتك بروح القدس ) [المائدة : 110] .
الخامس : ينصر أولياء الله ويقهر أعداءه مع ألف من الملائكة مسومين .
السادس : أنه تعالى مدحه بصفات ست في قوله : ( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ) [التكوير : 19 - 21] فرسالته أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الأنبياء ، فجميع [ ص: 150 ] الأنبياء والرسل أمته وكرمه على ربه أنه جعله واسطة بينه وبين أشرف عباده وهم الأنبياء ، وقوته أنه رفع مدائن قوم لوط إلى السماء وقلبها ، ، ومكانته عند الله أنه جعله ثاني نفسه في قوله تعالى : ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) [التحريم : 4] ، وكونه مطاعا أنه إمام الملائكة ومقتداهم ، وأما كونه أمينا فهو قوله : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [الشعراء : 193 - 194] ، ومن جملة أكابر الملائكة إسرافيل وعزرائيل صلوات الله عليهما ، وقد ثبت وجودهما بالأخبار ، وثبت بالخبر أن عزرائيل هو على ما قال تعالى : ( ملك الموت قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) [السجدة : 11] وأما قوله : ( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ) [الأنعام : 61] فذلك يدل على ، ويجوز أن يكون ملك الموت رئيس جماعة وكلوا على قبض الأرواح قال تعالى : ( وجود ملائكة موكلين بقبض الأرواح ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) [الأنفال : 50] . وأما إسرافيل عليه السلام فقد دلت الأخبار على أنه على ما قال تعالى : ( صاحب الصور ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) [الزمر : 68] .
ورابعها : قال تعالى : ( ملائكة الجنة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [الرعد : 23 ، 24] .
وخامسها : قال تعالى : ( ملائكة النار عليها تسعة عشر ) [المدثر : 30] وقوله تعالى : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) [المدثر : 31] ورئيسهم مالك ، وهو قوله تعالى : ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) [الزخرف : 77] وأسماء جملتهم الزبانية قال تعالى : ( فليدع ناديه سندع الزبانية ) [العلق : 17 ، 18] .
وسادسها : آدم لقوله تعالى : ( الموكلون ببني عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ق 17 ، 18] وقوله تعالى : ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) [الرعد : 11] وقوله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ) [الأنعام : 61] .
وسابعها : وهو قوله تعالى : ( كتبة الأعمال وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) [الانفطار : 10 - 12] .
وثامنها : الموكلون بأحوال هذا العالم وهم المرادون بقوله تعالى : ( والصافات صفا ) [الصافات : 1] وبقوله : ( والذاريات ذروا ) [الذاريات : 1] إلى قوله : ( فالمقسمات أمرا ) [الذاريات : 4] وبقوله : ( والنازعات غرقا ) [النازعات : 1] . وعن قال : إن لله ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الأشجار ، فإذا أصاب أحدكم حرجة بأرض فلاة فليناد : أعينوا عباد الله يرحمكم الله . ابن عباس