الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قول : ( السماء بناء ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر أمر السماوات والأرض في كتابه في مواضع ، ولا شك أن إكثار ذكر الله تعالى من ذكر السماوات والأرض يدل على عظم شأنهما ، وعلى أن له سبحانه وتعالى فيهما أسرارا عظيمة وحكما بالغة لا يصل إليها أفهام الخلق ولا عقولهم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في فضائل السماء ، وهي من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الله تعالى زينها بسبعة أشياء ، بالمصابيح ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ) [ الملك : 5 ] ، وبالقمر ( وجعل القمر فيهن نورا ) [ نوح : 16 ] ، وبالشمس ( وجعل الشمس سراجا ) [ نوح : 16 ] ، وبالعرش ( رب العرش العظيم ) [ التوبة : 129 ] ، وبالكرسي ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) [ البقرة : 255 ] ، وباللوح ( في لوح محفوظ ) [ البروج : 22 ] ، وبالقلم ( ن والقلم ) [ القلم : 1 ] ، فهذه سبعة : ثلاثة منها ظاهرة ، وأربعة خفية ثبتت بالدلائل السمعية من الآيات والأخبار .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه تعالى سمى السماوات بأسماء تدل على عظم شأنها : سماء ، وسقفا محفوظا ، وسبعا طباقا ، وسبعا شدادا . ثم ذكر عاقبة أمرها فقال : ( وإذا السماء فرجت ) [ المرسلات : 9 ] ، ( وإذا السماء كشطت ) [ التكوير : 11 ] ، ( يوم نطوي السماء ) [ الأنبياء : 104 ] ، ( يوم تكون السماء كالمهل ) [ المعارج : 8 ] ، ( يوم تمور السماء مورا ) [ الطور : 9 ] ، ( فكانت وردة كالدهان ) [ الرحمن : 37 ] ، وذكر مبدأها في آيتين فقال : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) [ فصلت : 11 ] ، وقال : ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) [ الأنبياء : 30 ] ، فهذا الاستقصاء الشديد في كيفية حدوثهما وفنائهما يدل على أنه سبحانه خلقهما لحكمة بالغة على ما قال : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا ) [ ص : 27 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنه تعالى جعل السماء قبلة الدعاء : فالأيدي ترفع إليها ، والوجوه تتوجه نحوها ، وهي منزل الأنوار ومحل الصفاء والأضواء والطهارة والعصمة عن الخلل والفساد .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : قال بعضهم : السماوات والأرضون على صفتين ، فالسماوات مؤثرة غير متأثرة . والأرضون متأثرة غير مؤثرة والمؤثر أشرف من القابل ، فلهذا السبب قدم ذكر السماء على الأرض في الأكثر ، وأيضا ففي أكثر الأمر ذكر السماوات بلفظ الجمع ، والأرض بلفظ الواحد ، فإنه لا بد من السماوات الكثيرة ليحصل بسببها الاتصالات المختلفة للكواكب وتغير مطارح الشعاعات ، وأما الأرض فقابلة فكانت الأرض الواحدة كافية .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : تفكر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير ، فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر وتقوية له ، حتى أن الأطباء يأمرون من أصابه وجع العين بالنظر إلى الزرقة ، فانظر كيف جعل الله تعالى أديم [ ص: 99 ] السماء ملونا بهذا اللون الأزرق ، لتنتفع به الأبصار الناظرة إليها ، فهو سبحانه وتعالى جعل لونها أنفع الألوان ، وهو المستنير وشكلها أفضل الأشكال ، وهو المستدير ، ولهذا قال : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ) [ ق : 6 ] يعني ما فيها من فصول ، ولو كانت سقفا غير محيط بالأرض لكانت الفروج حاصلة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية