( 7916 ) فصول في المناضلة : وهي المسابقة في الرمي بالسهام ، والمناضلة ، مصدر ناضلته نضالا ومناضلة ، وسمي الرمي نضالا ; لأن السهم التام يسمى نضلا ، فالرمي به عمل بالنضل ، فسمي نضالا ومناضلة ، مثل قاتلته قتالا ومقاتلة ، وجادلته جدالا ومجادلة ; أحدها : أن يكون عدد ، الرشق معلوما ، والرشق ; بكسر الراء : عدد الرمي . وأهل اللغة يقولون : هو عبارة عما بين العشرين والثلاثين . والرشق ; بفتح الراء الرمي نفسه ، مصدر رشقته رشقا . أي رميت رميا . وإنما اشترط علمه ; لأنه لو كان مجهولا لأفضى إلى الخلاف ; لأن أحدهما يريد القطع ، والآخر يريد الزيادة ، فيختلفان . . ويشترط لصحته ثمانية شروط
الثاني ، أن يكون عدد الإصابة معلوما ، فيقولان : الرشق عشرون ، والإصابة خمسة أو ستة ، أو ما يتفقان عليه منها ، إلا أنه لا يجوز اشتراط إصابة نادرة ، كإصابة جميع الرشق أو إصابة تسعة أعشاره ، ونحو هذا ; لأن الظاهر أن هذا لا يوجد ، فيفوت الغرض . الثالث ، استواؤهما في عدد الرشق والإصابة ، وصفتها ، وسائر أحوال الرمي .
فإن جعلا رشق أحدهما عشرة ، والآخر عشرين ، أو شرطا أن يصيب أحدهما خمسة ، والآخر ثلاثة ، أو شرطا إصابة أحدهما خواسق والآخر خواصل ، أو شرطا أن يحط أحدهما من إصابته سهمين ، أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه ، أو شرطا أن يرمي أحدهما من بعد ، والآخر من قرب ، أو أن يرمي أحدهما وبين أصابعه سهم ، والآخر بين أصابعه سهمان ، أو أن يرمي أحدهما وعلى رأسه شيء والآخر خال عن شاغل ، أو أن يحط عن أحدهما واحدا من [ ص: 375 ] خطئه لا له ولا عليه ، وأشباه هذا مما تفوت به المساواة ، لم يصح ; لأن موضوعها على المساواة ، والغرض معرفة الحذق ، وزيادة أحدهما على الآخر فيه ، ومع التفاضل لا يحصل ، فإنه ربما أصاب أحدهما لكثرة رميه لا لحذقه ، فاعتبرت المساواة ، كالمسابقة على الحيوان .
الرابع ، أن يصفا الإصابة ، فيقولان : خواصل . وهو المصيب للغرض كيفما كان . قال الأزهري : يقال خصلت مناضلي خصلة وخصلا . ويسمى ذلك القرع . والقرطسة ، يقال : قرطس . إذا أصاب . أو حوابي . وهو ما وقع بين يدي الغرض ، ثم وثب إليه . ومنه يقال : حبا الصبي . أو خواصر . وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض ، ومنه قيل : الخاصرة . لأنها في جانب الإنسان . أو خوارق . وهو ما خرق الغرض ، ثم وقع بين يديه . أو خواسق وهو ما خرق الغرض ، وثبت فيه . أو موارق . وهو ما أنفذ الغرض ، ووقع من ورائه . أو خوازم . وهو ما خزم جانب الغرض .
وإن شرطا الخواسق والحوابي معا ، صح . الخامس ، قدر الغرض ، والغرض هو ما يقصد إصابته من قرطاس أو ورق أو جلد أو خشب أو قرع أو غيره ، ويسمى غرضا ; لأنه يقصد ، ويسمى شارة وشنا . قال الأزهري : ما نصب في الهدف فهو القرطاس ، وما نصب في الهواء فهو الغرض . ويجب أن يكون قدره معلوما بالمشاهدة ، أو بتقديره بشبر أو شبرين ، بحسب الاتفاق ، فإن الإصابة تختلف باختلاف سعته وضيقه .
السادس . معرفة المسافة ; إما بالمشاهدة ، أو بالذرعان ، فيقول : مائة ذراع ; أو مائتي ذراع ; لأن الإصابة تختلف بقربها وبعدها ، ومهما اتفقا عليه جاز ، إلا أن يجعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها ، وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع فلا يصح ; لأن الغرض يفوت بذلك ، وقد قيل : إنه ما رمى إلى أربعمائة ذراع إلا رضي الله عنه . عقبه بن عامر الجهني
السابع ، تعيين الرماة ، فلا يصح مع الإبهام ; لأن الغرض معرفة حذق الرامي بعينه ، لا معرفة حذق رام في الجملة . ولو لم يجز لذلك . ولا يشترط تعيين القوس والسهام ، ولو عينها لم تتعين ; لأن القصد معرفة الحذق ، وهذا لا يختلف إلا بالرامي ، لا باختلاف القوس والسهام . وفي الرهان يعتبر تعيين الحيوان الذي يسابق به ، ولا يعتبر تعيين الراكب ; لأن الغرض معرفة عدو الفرس ، لا حذق الراكب . عقد اثنان نضالا على أربع مع كل واحد منهما ثلاثة ،
وكل ما يعتبر تعيينه ، إذا تلف انفسخ العقد ، ولم يقم غيره مقامه ; لأن العقد تعلق بعينه ، فانفسخ بتلف العين ، ولأن الغرض معرفة حذق الرامي ، أو عدو الفرس ، وقد فاتت معرفة ذلك بموته ، ولا يعرف حذقه من غيره . وما لا يتعين ، يجوز إبداله لعذر وغيره ، وإذا تلف ، قام غيره مقامه . فإن فهذه شروط فاسدة ; لأنها تنافي مقتضى العقد ، أشبهت ما إذا شرط إصابة بإصابتين . شرطا أن لا يرمي بغير هذا القوس ، ولا بغير هذا السهم ، أو لا يركب غير هذا الراكب
الثامن ، أن تكون المسابقة في الإصابة . ولو قالا : السبق لأبعدنا رميا ، لم يجز ; لأن الغرض من الرمي [ ص: 376 ] الإصابة . لا بعد المسافة ، فإن المقصود من الرمي إما قتل العدو ، أو جرحه ، أو الصيد ، أو نحو ذلك ، وكل هذا إنما يحصل من الإصابة ، لا من الإبعاد .