فبلغن أجلهن : أي: آخر عدتهن وشارفن منتهاها، والأجل يقع على المدة كلها، [ ص: 452 ] وعلى آخرها، يقال الإنسان: أجل، وللموت الذي ينتهي به: أجل، وكذلك الغاية والأمد، يقول النحويون: "من" لابتداء الغاية، و"إلى" لانتهاء الغاية، وقال [من الخفيف]: لعمر
كل حي مستكمل مدة العمـ ـر ومود إذا انتهى أمده
ويتسع في البلوغ - أيضا - فيقال: بلغ البلد إذا شارفه وداناه، ويقال: قد وصلت، ولم يصل، وإنما شارف، ولأنه قد علم أن الإمساك بعد تقضي الأجل لا وجه له؛ لأنها بعد تقضيه غير زوجة له وفي غير عدة منه، فلا سبيل له عليها فأمسكوهن بمعروف : فإما أن يراجعها من غير طلب ضرار بالمراجعة أو سرحوهن بمعروف : وإما أن يخليها حتى تنقضي عدتها وتبين من غير ضرار.
ولا تمسكوهن ضرارا : كان الرجل يطلق المرأة ويتركها حتى يقرب انقضاء عدتها، ثم يراجعها لا عن حاجة، ولكن ليطول العدة عليها، فهو الإمساك ضرارا "لتعتدوا": لتظلموهن، وقيل: لتلجئوهن إلى الافتداء فقد ظلم نفسه : بتعريضها لعقاب الله.
ولا تتخذوا آيات الله هزوا أي: جدوا في الأخذ [ ص: 453 ] بها والعمل بما فيها، وارعوها حق رعايتها، وإلا فقد اتخذتموها هزوا ولعبا، ويقال لمن يجد في الأمر: إنما أنت لاعب وهازئ، ويقال: كن يهوديا وإلا فلا تلعب بالتوراة، وقيل: كان الرجل يطلق ويعتق ويتزوج ويقول: كنت لاعبا.
وعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة".
واذكروا نعمت الله [ ص: 454 ] عليكم : بالإسلام وبنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة : من القرآن والسنة، وذكرها مقابلتها بالشكر والقيام بحقها، يعظكم به : بما أنزل عليكم، فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن : إما أن يخاطب به الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما وقسرا، ولحمية الجاهلية لا يتركونهن يتزوجن من شئن من الأزواج، والمعنى: أن ينكحن أزواجهن الذين يرغبن فيهم ويصلحون لهن، وإما أن يخاطب به الأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن.
روي: أنها نزلت في حين عضل أخته أن ترجع إلى الزوج الأول، وقيل: في معقل بن يسار حين عضل بنت عم له، والوجه أن يكون خطابا للناس، أي: لا يوجد فيما بينكم عضل; لأنه إذا وجد بينهم وهم راضون كانوا في حكم العاضلين، والعضل: الحبس والتضييق، ومنه: عضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج، وأنشد جابر بن عبد الله لابن هرمة [من الوافر]:
وإن قصائدي لك فاصطنعني عقائل قد عضلن عن النكاح
وبلوغ الأجل على الحقيقة، وعن -رحمه الله-: دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين الشافعي إذا تراضوا : إذا تراضى الخطاب والنساء "بالمعروف": بما يحسن بالدين والمروءة من الشرائط، وقيل: بمهر المثل، ومن مذهب -رحمه الله- أنها إذا زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها فللأولياء أن يعترضوا. أبي حنيفة
فإن قلت: لمن الخطاب في قوله: ذلك يوعظ به ؟ قلت: يجوز أن يكون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكل أحد، ونحوه: ذلك خير لكم وأطهر [المجادلة: 12] أزكى لكم وأطهر : من أدناس الآثام، وقيل: "أزكى وأطهر": أفضل وأطيب والله يعلم : ما في ذلك من الزكاء والطهر، [ ص: 455 ] وأنتم لا تعلمون ـه، أو: والله يعلم ما تستصلحون به من الأحكام والشرائع وأنتم تجهلونه.