وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه : يعني من السوء يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه أو أضمره، ويعذب من يشاء : ممن استوجب العقوبة بالإصرار، ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان الوساوس وحديث النفس; لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه، ولكن ما اعتقده وعزم عليه.
وعن -رضي الله عنهما- أنه تلاها فقال: لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن، ثم بكى حتى سمع نشيجه فذكر عبد الله بن عمر فقال: يغفر الله لابن عباس لأبي عبد الرحمن ، قد وجد المسلمون منها مثل ما وجد، فنزل: لا يكلف الله .
وقرئ: (فيغفر) و(يعذب)، مجزومين عطفا على جواب الشرط، ومرفوعين على فهو يغفر ويعذب.
فإن قلت: كيف يقرأ الجازم؟ قلت: يظهر الراء ويدغم الباء، ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشا، وراويه عن مخطئ مرتين; لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم، والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب في قلة الضبط قلة [ ص: 519 ] الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو. أبي عمرو
وقرأ : (يغفر) بغير فاء مجزوما على البدل من "يحاسبكم" كقوله [من الطويل]: الأعمش
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
ومعنى هذا البدل التفصيل لجملة الحساب; لأن التفصيل أوضح من المفصل، فهو جار مجرى بدل البعض من الكل أو بدل الاشتمال، كقولك: ضربت زيدا رأسه، وأحب زيدا عقله، وهذا البدل واقع في الأفعال وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان.