قرأ "ولا تمن" "وتستكثر" مرفوع منصوب المحل على الحال، أي: ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا، أو طالبا للكثير: نهى عن الاستغزار: وهو أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر من الموهوب، وهذا جائز. ومنه الحديث: " الحسن المستغزر يثاب من هبته " وفيه وجهان؛ أحدهما: أن يكون نهيا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم; لأن الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق، والثاني: أن يكون نهي تنزيه لا تحريم له ولأمته وقرأ : "تستكثر" بالسكون. وفيه ثلاثة أوجه: الإبدال من تمن. كأنه قيل: ولا تمنن لا تستكثر; على أنه من المن في قوله عز وجل: الحسن ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى [البقرة: 262]. لأن من شأن المنان بما يعطي أن يستكثره، أي: يراه كثيرا ويعتد به، وأن يشبه ثرو بعضد، فيسكن تخفيفا، وأن يعتبر حال الوقف. وقرأ بالنصب بإضمار "أن" كقوله [من الطويل]: الأعمش
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ......................
وتؤيده قراءة : ولا تمنن أن تستكثر. ويجوز في الرفع أن تحذف "أن" ويبطل عملها، كما روي: أحضر الوغى بالرفع، ابن مسعود ولربك فاصبر ولوجه الله [ ص: 254 ] فاستعمل الصبر. وقيل: على أذى المشركين. وقيل: على أداء الفرائض. وعن : على عطيتك، كأنه وصله بما قبله، وجعله صبرا على العطاء من غير استكثار، والوجه أن يكون أمرا بنفس الفعل، وأن يتناول على العموم كل مصبور عليه ومصبور عنه، ويراد الصبر على أذى الكفار; لأنه أحد ما يتناوله العام. النخعي