يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون
طيبات ما أحل الله لكم : ما طاب ولذ من الحلال ، ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم . أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا وروي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة يوما لأصحابه ، فبالغ وأشبع الكلام في الإنذار ، فرقوا واجتمعوا في بيت ، واتفقوا على ألا يزالوا صائمين قائمين ، وأن لا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ويسيحوا في الأرض ، ويجبوا مذاكيرهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : "إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني" عثمان بن مظعون ونزلت ، وروي : أن [ ص: 284 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذ ، وكان يعجبه الحلواء والعسل ، وقال : "إن المؤمن حلو يحب الحلاوة" ، وعن أن رجلا قال له : إني حرمت [ ص: 285 ] الفراش فتلا هذه الآية وقال : "نم على فراشك وكفر عن يمينك" . وعن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام ومعه الحسن فرقد السنجي وأصحابه ، فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج المسمن والفالوذ وغير ذلك ، فاعتزل فرقد ناحية ، فسأل أهو صائم؟ قالوا : لا ، ولكنه يكره هذه الألوان . فأقبل الحسن : عليه وقال : يا الحسن فريقد ، أترى لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم ، وعنه أنه قيل له : فلان لا يأكل الفالوذ ويقول : لا أؤدي شكره . قال : أفيشرب الماء البارد؟ قالوا : نعم . قال : إنه جاهل ، إن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذ ، وعنه إن الله تعالى أدب عباده فأحسن أدبهم . قال الله تعالى : لينفق ذو سعة من سعته [الطلاق : 7] ما عاب الله قوما وسع عليهم الدنيا فتنعموا وأطاعوا ، ولا عذر قوما زواها عنهم فعصوه ولا تعتدوا : ولا تتعدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم . أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات . أو جعل تحريم الطيبات اعتداء وظلما ، فنهى عن الاعتداء ليدخل تحته النهي عن تحريمها دخولا أوليا لوروده على عقبه أو أراد ولا تعتدوا بذلك وكلوا مما رزقكم الله أي : من الوجوه الطيبة التي تسمى رزقا حلالا : حال مما رزقكم الله واتقوا الله تأكيد للتوصية بما أمر به ، وزاده تأكيدا بقوله : الذي أنتم به مؤمنون : لأن الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر به وعما نهى عنه .