إذا دعاكم : وحد الضمير كما وحده فيما قبله ; لأن استجابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاستجابته ، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد ، والمراد بالاستجابة ، الطاعة ، والامتثال ، وبالدعوة : البعث والتحريض ، وروى أبو هريرة فناداه وهو في الصلاة ، فعجل في صلاته ثم جاء فقال : "ما منعك عن إجابتي؟ قال : كنت أصلي ، قال : ألم تخبر فيما أوحي إلي : "استجيبوا لله وللرسول " ، قال : لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك ، أبي بن كعب ، وفيه قولان ، أحدهما : أن هذا مما اختص به [ ص: 570 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على باب
والثاني : أن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير ، وإذا وقع مثله للمصلي ، فله أن يقطع صلاته لما يحييكم : من علوم الديانات والشرائع ; لأن العلم حياة ، كما أن الجهل موت ; ولبعضهم [من المنسرح] :
لا تعجبن الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن
وقيل لمجاهدة الكفار ; لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم ; كقوله : ولكم في القصاص حياة [البقرة : 179] وقيل للشهادة ; لقوله : بل أحياء عند ربهم [آل عمران : 169] . واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه يعني : أنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها ، وهي التمكن من إخلاص القلب ، ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليما كما يريده الله ، فاغتنموا هذه الفرصة ، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله واعلموا أنكم إليه تحشرون : فيثيبكم على حسب سلامة القلوب ، وإخلاص الطاعة ، وقيل : معناه : إن الله قد يملك على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ، ويغير نياته ومقاصده ، ويبدله بالخوف أمنا ، وبالأمن خوفا وبالذكر نسيانا ، وبالنسيان ذكرا ، وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله تعالى ، فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا ، والمجبرة على أنه يحول بين المرء والإيمان إذا كفر ، وبينه وبين الكفر إذا آمن ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وقيل : معناه : أنه يطلع على كل ما يخطره المرء بباله ، لا يخفى عليه شيء من ضمائره ، فكأنه [ ص: 571 ] بينه وبين قلبه ، وقرئ : "بين المرء" بتشديد الراء ، ووجهه أنه قد حذف الهمزة ، وألقى حركتها على الراء ، كالخب ، ثم نوى الوقف على لغة من يقول : مررت بعمر .