قوله تعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم قال : لما كان الحرج الضيق ونفى الله عن نفسه إرادة الحرج بنا ، ساغ الاستدلال بظاهره في نفي الضيق وإثبات التوسعة في كل ما اختلف فيه من أحكام السمعيات ، فيكون القائل بما يوجب الحرج والضيق محجوجا بظاهر هذه الآية ، وهو نظير قوله تعالى : أبو بكر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى : ولكن يريد ليطهركم يحتمل معنيين : الطهارة من الذنوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إلى آخره ، كما قال تعالى : إذا توضأ العبد فغسل وجهه خرجت ذنوبه من وجهه ، وإذا غسل يديه خرجت ذنوبه من يده إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا يحتمل التطهير من الذنوب ويحتمل التطهير من الأحداث والجنابة والنجاسة ، كقوله تعالى : وإن كنتم جنبا فاطهروا وقوله تعالى : وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان فانتظم لطهارة الجنابة والطهارة من النجاسة ، وقوله تعالى : وثيابك فطهر فلما احتمل المعنيين فالواجب حمله عليهما ، فيكون المراد حصول الطهارة على سقوط اعتبار الترتيب وإيجاب النية في الوضوء .
فإن قيل : لما ذكر ذلك عقيب التيمم فينبغي أن يدل على سقوط اعتبار كما دل على سقوطها في الوضوء . قيل له : لما كان التيمم يقتضي إحضار النية في فحواه ومقتضاه علمنا أنه لم يرد به إسقاط ما انتظمه ، وأما الوضوء والغسل فلا يقتضيان النية فوجب اعتبار عمومه فيهما . وعلى أن قوله : النية في التيمم ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم كلام مكتف بنفسه غير مفتقر إلى تضمينه بغيره ، فصح اعتبار عمومه في جميع ما انتظمه لفظه إلا ما قام دليل خصوصه .