[ ص: 222 ] الوجه السادس والعشرون وهما من أعظم أنواع البلاغة واختلف، هل بينهما واسطة - وهي المساواة - أو لا، وهي داخلة في قسم الإيجاز، من وجوه إعجازه (إعجازه في آية وإطنابه في أخرى) فالسكاكي وجماعة على الأول، لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة، لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة، وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف. والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام حقيقا بالبسط. وجماعة على الثاني، فقالوا: الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد. والإطناب بلفظ أزيد. وقال وابن الأثير القزويني: الأقرب أن يقال إن القبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله، إما بلفظ مساو للأصل المراد، أو ناقص عنه واف، أو زائد عليه لفائدة. والأول المساواة، والثاني الإيجاز، والثالث الإطناب. واحترز بواف عن الإخلال، وبقوله لفائدة - عن الحشو والتطويل، فعنده ثبوت المساواة واسطة، وأنها من قسم المقبول. فإن قلت: عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا؟ هل هو لرجحان نفيها، أو عدم قبولها، أو لأمر غير ذلك؟ قلت: لهما، ولأمر ثالث، وهو أن المساواة لا تكاد توجد خصوصا في القرآن. وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله . وفي الإيضاح بقوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم . وتعقب بأن في الآية الثانية حذف موصوف الذين، وفي الأولى إطناب بلفظ [ ص: 223 ] السيئ، لأن لفظ المكر لا يكون إلا سيئا، وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ، أي بأحد، وبالقصر في الاستثناء وبكونها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس، محذرة عن جميع ما يؤدي إليه، وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة، فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيلية، لأن يحيق بمعنى يحيط فلا يستعمل إلا في الأجسام.
تنبيه: الإيجاز والاختصار بمعنى واحد، كما يؤخذ من المفتاح، وصرح به وقال بعضهم: الاختصار خاص بحذف الجمل فقط، بخلاف الإيجاز. قال الخطيب. الشيخ بهاء الدين: وليس بشيء. والإطناب قيل بمعنى الإسهاب، والحق أنه أخص منه، فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لغير فائدة، كما ذكره التنوخي وغيره.