القول في دلالة أفعال النبي عليه السلام ، وسكوته ، واستبشاره ، وفيه فصول
الفصل الأول : في دلالة الفعل
ونقدم عليه مقدمة في فنقول : لما ثبت ببرهان العقل صدق الأنبياء ، وتصديق الله تعالى إياهم بالمعجزات ، فكل ما يناقض مدلول المعجزة فهو محال عليهم بدليل العقل ، ويناقض مدلول المعجزة جواز الكفر ، والجهل بالله تعالى ، وكتمان رسالة الله ، والكذب ، والخطإ ، والغلط فيما يبلغ ، والتقصير في التبليغ ، والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه . أما ما يرجع إلى مفارقة الذنب فيما يخصه ، ولا يتعلق بالرسالة فلا يدل على عصمتهم عنه ، عندنا دليل العقل بل دليل التوقيف ، والإجماع قد دل على عصمتهم عن الكبائر ، وعصمتهم أيضا عما يصغر أقدارهم من القاذورات كالزنا ، والسرقة ، واللواط ، أما الصغائر فقد أنكرها جماعة ، وقالوا : الذنوب كلها كبائر فأوجبوا عصمتهم عنها . عصمة الأنبياء ،
، والصحيح أن من الذنوب صغائر ، وهي التي تكفرها الصلوات الخمس واجتناب الكبائر ، كما ورد في الخبر ، وكما قررنا حقيقته في كتاب التوبة من كتاب " إحياء علوم الدين " . فإن قيل : لم لم تثبت عصمتهم بدليل العقل ؟ ; لأنهم لو لم يعصموا لنفرت قلوب الخلق عنهم . قلنا : لا يجب عندنا عصمتهم من جميع ما ينفر فقد كانت الحرب سجالا بينه ، وبين الكفار ، وكان ذلك ينفر قلوب قوم عن الإيمان ، ولم يعصم عنه ، وإن ارتاب المبطلون مع أنه حفظ عن الخط ، والكتابة كي لا يرتاب المبطلون ، وقد ارتاب جماعة بسبب النسخ ، كما قال تعالى : { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر } ، وجماعة بسبب المتشابهات فقالوا : كان يقدر على كشف الغطاء لو كان نبيا لخلص الخلق من كلمات الجهل ، والخلاف كما قال تعالى : { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ، وهذا لأن نفي المنفرات ليس بشرط دلالة المعجزة . هذا حكم الذنوب أما النسيان ، والسهو فلا خلاف في جوازه عليهم فيما يخصهم من العبادات ، ولا خلاف في عصمتهم بما يتعلق بتبليغ الشرع ، والرسالة فإنهم كلفوا تصديقه جزما ، ولا يمكن التصديق مع تجويز الغلط .
وقد قال قوم : يجوز عليه الغلط فيما شرعه بالاجتهاد لكن لا يقر عليه هذا على مذهب من يقول المصيب واحد من المجتهدين ، أما من قال : كل مجتهد مصيب فلا يتصور الخطأ عنده في اجتهاد غيره فكيف في اجتهاده .