الباب الثاني : في شروط التواتر .
وهي أربعة : شروط التواتر .
الأول : أن يخبروا عن علم لا عن ظن ، فإن أهل بغداد لو أخبرونا عن طائر أنهم ظنوه حماما أو عن شخص أنهم ظنوه زيدا لم يحصل لنا العلم بكونه حماما وبكونه زيدا ، وليس هذا معللا ، بل حال المخبر لا تزيد على حال المخبر ; لأنه كان في قدرة الله تعالى أن يخلق لنا العلم بخبرهم وإن كان عن ظن ولكن العادة غير مطردة بذلك .
الشرط الثاني : أن يكون علمهم ضروريا مستندا إلى محسوس ; إذ لو أخبرنا أهل بغداد عن حدوث العالم وعن صدق بعض الأنبياء لم يحصل لنا العلم ، وهذا أيضا معلوم بالعادة ، وإلا فقد كان في قدرة الله تعالى أن يجعل ذلك سببا للعلم في حقنا .
الشرط الثالث : أن يستوي طرفاه وواسطته في هذه الصفات وفي كمال العدد ، فإذا نقل الخلف عن السلف وتوالت الأعصار ولم تكن الشروط قائمة في كل عصر لم يحصل العلم بصدقهم ; لأن خبر أهل كل عصر خبر مستقل بنفسه فلا بد فيه من الشروط ، ولأجل ذلك لم يحصل لنا العلم بصدق اليهود مع كثرتهم في نقلهم عن موسى عليه الصلاة والسلام تكذيب كل ناسخ لشريعته ، ولا بصدق الشيعة والعباسية والبكرية في نقل النص على إمامة أو علي أو العباس أبي بكر رضي الله عنهم وإن كثر عدد الناقلين في هذه الأعصار القريبة ، لأن بعض هذا وضعه الآحاد أولا ثم أفشوه ثم كثر الناقلون في عصره وبعده ، والشرط إنما حصل في بعض الإعصار فلم تستو فيه الأعصار ، ولذلك لم يحصل التصديق بخلاف وجود عيسى عليه السلام وتحديه بالنبوة ووجود أبي بكر رضي الله عنهما وانتصابهما للإمامة ، فإن كل ذلك لما تساوت فيه الأطراف والواسطة حصل لنا علم ضروري لا نقدر على تشكيك أنفسنا فيه ، ونقدر على التشكيك فيما نقلوه عن وعلي موسى وعيسى عليهما السلام وفي نص الإمامة .