(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=104إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=107ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=108أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=109لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=110ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) : لما ذكر تعالى نسبتهم إلى
[ ص: 538 ] الافتراء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن ما أتى به من عند الله إنما يعلمه إياه بشر ، كان ذلك تسجيلا عليهم بانتفاء الإيمان ، فأخبر تعالى عنهم أنهم لا يهديهم الله أبدا إذ كانوا جاحدين آيات الله ، وهو ما أتى به الرسول من المعجزات وخصوصا القرآن ، فمن
nindex.php?page=treesubj&link=30542بالغ في جحد آيات الله سد الله عليه باب الهداية . وذكر تعالى وعيده بالعذاب الأليم لهم ، ومعنى لا يهديهم : لا يخلق الإيمان في قلوبهم . وهذا عام مخصوص ، فقد اهتدى قوم كفروا بآيات الله تعالى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لا يهديهم الله لا يلطف بهم ، لأنهم من أهل الخذلان في الدنيا والعذاب في الآخرة ، لا من أهل اللطف والثواب ; انتهى . وهو على طريقة الاعتزال . وقال
ابن عطية : المفهوم من الوجود أن الذين لا يهديهم الله لا يؤمنون بآياته ، ولكنه قدم في هذا الترتيب وأخبرهما بتقبيح فعلهم والتشنيع بخطئهم ، وذلك كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) والمراد ما ذكرناه ، فكأنه قال : إن الذين لم يؤمنوا لم يهدهم الله ; انتهى . وقال القاضي : أقوى ما قيل في ذلك لا يهديهم إلى طريق الجنة ، ولذلك قال بعده : ولهم عذاب أليم ، والمراد أنهم لما تركوا الإيمان بالله لا يهديهم الله إلى الجنة بل يسوقهم إلى النار . وقال
العسكري : يجوز أن يكون المعنى أنهم إن لم يؤمنوا بهذه الآيات لم يهتدوا ، والمراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=104لا يهديهم الله ، أي : لا يهتدون ، وإنما يقال : هدى الله فلانا على الإطلاق إذا اهتدى هو ، وأما من لم يقبل الهدى فإنه يقال : إن الله هداه فلم يهتد ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) ثم رد تعالى قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101إنما أنت مفتر ) بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105إنما يفتري الكذب ، أي : إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن ، لأنه يترقب عقابا عليه . ولما كان في كلامهم إنما وهو يقتضي الحصر عند بعضهم ، جاء الرد عليهم بإنما أيضا ، وجاء بلفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105يفتري ) الذي يقتضي التجدد ، ثم علق الحكم على الوصف المقتضي للافتراء وهو : انتفاء الإيمان ، وختم بقوله : وأولئك هم الكاذبون . فاقتضى التوكيد البالغ والحصر بلفظ الإشارة ، والتأكيد بلفظ ( هم ) ، وإدخال ( الـ ) على ( الكاذبون ) ، وبكونه اسم فاعل يقتضي الثبوت والدوام ، فجاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105يفتري ) يقتضي التجدد ، وجاء ( الكاذبون ) يقتضي الثبوت والدوام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وأولئك : إشارة إلى
قريش هم الكاذبون ، هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون . أو إلى الذين لا يؤمنون ، أي : وأولئك هم الكاذبون على الحقيقة ، الكاملون في الكذب ، لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب . أو أولئك هم الكاذبون : عادتهم الكذب لا يبالون به في كل شيء ، لا يحجبهم عنه مروءة ولا دين . أو أولئك هم الكاذبون في قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101إنما أنت مفتر ; انتهى . والوجه الذي بدأ به بعيد ، وهو : أن ( وأولئك ) إشارة إلى
قريش . والظاهر أن ( من ) شرطية في موضع رفع على الابتداء ، وهو استئناف إخبار لا تعلق له بما قبله من جهة الإعراب . ولما كان الكفر يكون باللفظ وبالاعتقاد ، استثنى من الكافرين من كفر باللفظ وقلبه مطمئن بالإيمان ، ورخص له في النطق بكلمة الكفر إذ كان قلبه مؤمنا ، وذلك مع الإكراه . والمعنى : إلا من أكره على الكفر ، تلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان . وجواب الشرط محذوف لدلالة ما بعده عليه تقديره : الكافرون بعد الإيمان غير المكرهين ، فعليهم غضب . ويصح أن يكون الاستثناء من ما تضمنه جواب الشرط المحذوف ، أي : فعليهم غضب ، إلا من أكره فلا غضب عليه ولا عذاب ، ولكن من شرح وكذا قدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أعني الجواب
[ ص: 539 ] قبل الاستثناء في قول من جعل ( من ) شرطا . وقال
ابن عطية : وقالت فرقة ( من ) في قوله ( من كفر ) ابتداء ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106من شرح ، تخصيص منه ، ودخل الاستثناء لإخراج عمار وشبهه . ودنا من الاستثناء الأول الاستدراك بلكن وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106فعليهم ، خبر عن من الأولى والثانية ، إذ هو واحد بالمعنى لأن الإخبار في قوله : من كفر ، إنما قصد به الصنف الشارح بالكفر ; انتهى . وهذا وإن كان كما ذكر فهاتان جملتان شرطيتان ، وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك ، فلا بد لكل واحدة منهما من جواب على انفراده لا يشتركان فيه ، فتقدير الحذف أحرى على صناعة الإعراب . وقد ضعفوا مذهب
أبي الحسن في ادعائه أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=91فسلام لك من أصحاب اليمين ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فروح وريحان ) جواب لأما ، ولأن هذا وهما أداتا شرط ، إحداهما تلي الأخرى ، وعلى كون ( من ) في موضع رفع على الابتداء ، يجوز أن تكون شرطية كما ذكرنا ، ويجوز أن تكون موصولة وما بعدها صلتها ، والخبر محذوف لدلالة ما بعده عليه ، كما ذكرنا في حذف جواب الشرط . إلا أن ( من ) الثانية لا يجوز أن تكون شرطا حتى يقدر قبلها مبتدأ ، لأن ( من ) وليت ( لكن ) فيتعين إذ ذاك أن تكون ( من ) موصولة ، فإن قدر مبتدأ بعد ( لكن ) جاز أن تكون شرطية في موضع خبر ذلك المبتدأ المقدر كقوله :
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
أي : ولكن أنا متى يسترفد القوم أرفد . وكذلك تقدر هنا ، ولكن هم من شرح بالكفر صدرا ، أي : منهم . وأجاز
الحوفي nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري : أن تكون بدلا من الذين لا يؤمنون ، ومن الكاذبون . ولم يجز
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج إلا أن يكون بدلا من ( الكاذبون ) ، لأنه رأى الكلام إلى آخر الاستثناء غير تام ، فعلقه بما قبله . وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن يكون بدلا من ( أولئك ) ، فإذا كان بدلا من ( الذين لا يؤمنون ) فيكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105وأولئك هم الكاذبون جملة اعتراض بين البدل والمبدل منه ، والمعنى : إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ، واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الافتراء . وإذا
[ ص: 540 ] كان بدلا من ( الكاذبون ) فالتقدير : وأولئك هم من كفر بالله من بعد إيمانه ، وإذا كان بدلا من ( أولئك ) فالتقدير : ومن كفر بالله من بعد إيمانه هم الكاذبون .
وهذه الأوجه الثلاثة عندي ضعيفة . لأن الأول يقتضي أنه لا يفتري الكذب إلا من كفر بالله من بعد إيمانه ، والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن ، وسواء كان ممن كفر بعد الإيمان أنه كان ممن لم يؤمن قط ، بل من لم يؤمن قط هم الأكثرون المفترون الكذب . وأما الثاني فيئول المعنى إلى ذلك ، إذ التقدير : وأولئك ، أي : الذين لا يؤمنون هم من كفر بالله من بعد إيمانه ، والذين لا يؤمنون هم المفترون . وأما الثالث فكذلك . إذ التقدير : أن المشار إليهم هم من كفر بالله من بعد إيمانه ، مخبر عنهم بأنهم الكاذبون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن ينتصب على الذم ; انتهى . وهذا أيضا بعيد ، والذي تقتضيه فصاحة الكلام جعل الجمل كلها مستقلة لا ترتبط بما قبلها من حيث الإعراب ، بل من حيث المعنى والمناسبة ; وفي قوله : إلا من أكره ، دليل على أن من فعل المكره لا يترتب عليه شيء ، وإذا كان قد سومح لكلمة الكفر أو فعل ما يؤدي إليه ، فالمسامحة بغيره من المعاصي أولى . وقد تكلموا في كيفية الإكراه المبيح لذلك ، وفي تفصيل الأشياء التي يقع الإكراه فيها ، وذلك كله مذكور في كتب الفقه . والمكرهون على الكفر المعذبون على الإسلام :
خباب ،
وصهيب ،
وبلال ،
وعمار ، وأبواه
ياسر وسمية ،
وسالم ،
وحبر ، عذبوا فأجابهم
عمار وحبر باللفظ فخلي سبيلهما ، وتمادى الباقون على الإسلام فقتل
ياسر وسمية ، وهما أول قتيل في الإسلام ، وعذب
بلال وهو يقول : ( أحد أحد ) وعذب خباب بالنار فما أطفأها إلا ودك ظهره . وجمع الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106فعليهم ) على معنى من ، وأفرد في شرح على لفظها . والظاهر أن ذلك إشارة إلى ما استحقوه من الغضب والعذاب ، أي : كائن لهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم ; انتهى . وهي نزغة اعتزالية . والضمير في ( بأنهم ) عائد على ( من ) في من شرح : ولما فعلوا فعل من استحب ، ألزموا ذلك وإن كانوا غير مصدقين بآخره ، لكن من حيث أعرضوا عن النظر فيه كانوا كمن استحب غيره . وقوله : استحبوا ، هو تكسب منهم علق به العقاب ، وأن الله لا يهدي : إشارة إلى اختراع الله الكفر في قلوبهم ، فجمعت الآية بين الكسب والاختراع ، وهذا عقيدة أهل السنة . وقيل : ذلك إشارة إلى الارتداد والإقدام على الكفر ، لأجل أنهم رجحوا الدنيا على الآخرة ، ولأنه تعالى ما هداهم إلى الإيمان . وتقدم الكلام على الطبع على القلوب والسمع والأبصار والختم عليها .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=108وأولئك هم الغافلون : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : عن ما يراد منهم في الآخرة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الكاملون في الغفلة الذين لا أحد أغفل منهم ، لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها . ولما كان الإسناد ليكتسب بالطاعات سعادة الآخرة ، فعمل على عكس ذلك من المعاصي الكفر وغيره عظم خسرانه فقيل فيهم : هم الخاسرون لا غيرهم . ومن أخسر ممن اتصف بتلك الأوصاف السابقة من كينونة غضب الله عليهم ، والعذاب الأليم ، واستحباب الدنيا ، وانتفاء هدايتهم ، والإخبار بالطبع وبغفلتهم . ولما ذكر تعالى حال من كفر بعد الإيمان ، وحال من أكره ، ذكر حال من هاجر بعدما فتن . قال
ابن عطية : وهذه الآية مدنية ، ولا أعلم في ذلك خلافا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت فكتب بها المسلمون إلى من كان أسلم
بمكة أن الله قد جعل لكم مخرجا ، فخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل ، فعلى هذا السبب يكون جهادهم مع الرسول على الإسلام . وروي أنهم خرجوا واتبعوا وجاهدوا متبعيهم ، فقتل من قتل ، ونجا من نجا ، فنزلت حينئذ ، فعنى بالجهاد جهادهم لمتبعيهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : نزلت في
عمار ،
وعياش بن أبي ربيعة ،
والوليد بن الوليد . قال
ابن عطية :
[ ص: 541 ] وذكر
عمار في هذا غير قويم ، فإنه أرفع من طبقة هؤلاء ، وإنما هؤلاء من باب : ممن شرح بالكفر صدرا أفتح الله لهم باب التوبة في آخر الآية ؟ وقال
عكرمة والحسن : نزلت في شأن
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن أبي سرح وأشباهه ، فكأنه يقول : من بعد ما فتنهم الشيطان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ثم إن ربك دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك ، وهم
عمار وأصحابه . و ( للذين ) عند
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في موضع خبر إن قال : ومعنى إن ربك لهم : أنه لهم لا عليهم ، بمعنى أنه وليهم وناصرهم ، لا عدوهم وخاذلهم كما يكون الملك للرجل : لا عليه ، فيكون محميا منفوعا غير مضرور ; انتهى . وقوله : منفوعا : اسم مفعول من نفع ، وهو قياسه لأنه متعد ثلاثي . وزعم الأهوازي النحوي أنه لا يستعمل من نفع اسم مفعول ، فلا يقال منفوع ; وقفت له عليه في شرحه موجز
الرماني . وقال
أبو البقاء : خبر إن الأولى قوله : إن ربك لغفور ، وإن الثانية واسمها تكرير للتوكيد ; انتهى . وإذا كانت إن الثانية واسمها تكريرا للتوكيد كما ذكر ، فالذي يقتضيه صناعة العربية أن يكون خبر إن الأولى هو قوله : لغفور ، ويكون ( للذين ) متعلقا بقوله : لغفور ، أو برحيم ، على الإعمال ، لأن ( إن ربك ) الثانية لا يكون لها طلب لما بعدها من حيث الإعراب . كما أنك إذا قلت : قام قام زيد ، فزيد إنما هو مرفوع بقام الأولى ، لأن الثانية ذكرت على سبيل التوكيد للأولى . وقيل : لا خبر لأن الأولى في اللفظ ، لأن خبر الثانية أغنى عنه ; انتهى . وهذا ليس بجيد ، لأنه ألغى حكم الأولى وجعل الحكم للثانية ، وهو عكس ما تقدم ، ولا يجوز . وقيل : للذين ، متعلق بمحذوف على جهة البيان كأنه قيل : أعني للذين ، أي : الغفران للذين . وقرأ الجمهور : فتنوا ، مبنيا للمفعول ، أي : بالعذاب والإكراه على كلمة الكفر . وقرأ ابن عامر : فتنوا مبنيا للفاعل ، والظاهر أن الضمير عائد على الذين هاجروا ، فالمعنى : فتنوا أنفسهم بما أعطوا المشركين من القول كما فعل
عمار . أو لما كانوا صابرين على الإسلام وعذبوا بسبب ذلك صاروا كأنهم هم المعذبون أنفسهم ، ويجوز أن يكون عائدا على المشركين ، أي : من بعد ما عذبوا المؤمنين ،
كالحضرمي وأشباهه . والضمير في ( من ) بعدها عائد على المصادر المفهومة من الأفعال السابقة ، أي : من بعد الفتنة والهجرة والجهاد والصبر . وقال
ابن عطية : والضمير في ( بعدها ) عائد على الفتنة ، أو الهجرة ، أو التوبة ، والكلام يعطيها وإن لم يجر لها ذكر صريح .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=104إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=107ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=108أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=109لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=110ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) : لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى نِسْبَتَهُمْ إِلَى
[ ص: 538 ] الِافْتِرَاءِ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ إِيَّاهُ بَشَرٌ ، كَانَ ذَلِكَ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِانْتِفَاءِ الْإِيمَانِ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ أَبَدًا إِذْ كَانُوا جَاحِدِينَ آيَاتِ اللَّهِ ، وَهُوَ مَا أَتَى بِهِ الرَّسُولُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَخُصُوصًا الْقُرْآنُ ، فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30542بَالَغَ فِي جَحْدِ آيَاتِ اللَّهِ سَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ الْهِدَايَةِ . وَذَكَرَ تَعَالَى وَعِيدَهُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ لَهُمْ ، وَمَعْنَى لَا يَهْدِيهِمْ : لَا يَخْلُقُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ . وَهَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ ، فَقَدِ اهْتَدَى قَوْمٌ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ لَا يَلْطُفُ بِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْخِذْلَان فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ ، لَا مِنْ أَهْلِ اللُّطْفِ وَالثَّوَابِ ; انْتَهَى . وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : الْمَفْهُومُ مِنَ الْوُجُودِ أَنَّ الَّذِينَ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِهِ ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ وَأَخْبَرَهُمَا بِتَقْبِيحِ فِعْلِهِمْ وَالتَّشْنِيعِ بِخَطَئِهِمْ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ ; انْتَهَى . وَقَالَ الْقَاضِي : أَقْوَى مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ لَا يَهْدِيهِمْ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ : وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ إِلَى الْجَنَّةِ بَلْ يَسُوقُهُمْ إِلَى النَّارِ . وَقَالَ
الْعَسْكَرِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذِهِ الْآيَاتِ لَمْ يَهْتَدُوا ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=104لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ ، أَيْ : لَا يَهْتَدُونَ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : هَدَى اللَّهُ فُلَانًا عَلَى الْإِطْلَاقِ إِذَا اهْتَدَى هُوَ ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهُدَى فَإِنَّهُ يُقَالُ : إِنَّ اللَّهَ هَدَاهُ فَلَمْ يَهْتَدِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=17وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) ثُمَّ رَدَّ تَعَالَى قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ) بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ ، أَيْ : إِنَّمَا يَلِيقُ افْتِرَاءُ الْكَذِبِ بِمَنْ لَا يُؤْمِنُ ، لِأَنَّهُ يَتَرَقَّبُ عِقَابًا عَلَيْهِ . وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِهِمْ إِنَّمَا وَهُوَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ عِنْد بَعْضِهِمْ ، جَاءَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِإِنَّمَا أَيْضًا ، وَجَاءَ بِلَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105يَفْتَرِي ) الَّذِي يَقْتَضِي التَّجَدُّدَ ، ثُمَّ عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِلِافْتِرَاءِ وَهُوَ : انْتِفَاءُ الْإِيمَانِ ، وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ : وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ . فَاقْتَضَى التَّوْكِيدَ الْبَالِغَ وَالْحَصْرَ بِلَفْظِ الْإِشَارَةِ ، وَالتَّأْكِيدَ بِلَفْظِ ( هُمُ ) ، وَإِدْخَالِ ( الْـ ) عَلَى ( الْكَاذِبُونَ ) ، وَبِكَوْنِهِ اسْمَ فَاعِلٍ يَقْتَضِي الثُّبُوتَ وَالدَّوَامَ ، فَجَاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105يَفْتَرِي ) يَقْتَضِي التَّجَدُّدَ ، وَجَاءَ ( الْكَاذِبُونَ ) يَقْتَضِي الثُّبُوتَ وَالدَّوَامَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَأُولَئِكَ : إِشَارَةٌ إِلَى
قُرَيْشٍ هُمُ الْكَاذِبُونَ ، هُمُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فَهُمُ الْكَاذِبُونَ . أَوْ إِلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ، أَيْ : وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، الْكَامِلُونَ فِي الْكَذِبِ ، لِأَنَّ تَكْذِيبَ آيَاتِ اللَّهِ أَعْظَمُ الْكَذِبِ . أَوْ أُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ : عَادَتْهُمُ الْكَذِبُ لَا يُبَالُونَ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، لَا يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ مُرُوءَةٌ وَلَا دِينٌ . أَوْ أُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=101إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ; انْتَهَى . وَالْوَجْهُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ بَعِيدٌ ، وَهُوَ : أَنَّ ( وَأُولَئِكَ ) إِشَارَةٌ إِلَى
قُرَيْشٍ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( مَنْ ) شَرْطِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَهُوَ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ . وَلَمَّا كَانَ الْكُفْرُ يَكُونُ بِاللَّفْظِ وَبِالِاعْتِقَادِ ، اسْتَثْنَى مِنَ الْكَافِرِينَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّفْظِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ، وَرَخَّصَ لَهُ فِي النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِذْ كَانَ قَلْبُهُ مُؤْمِنًا ، وَذَلِكَ مَعَ الْإِكْرَاهِ . وَالْمَعْنَى : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ ، تَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ . وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ تَقْدِيرُهُ : الْكَافِرُونَ بَعْدَ الْإِيمَانِ غَيْرُ الْمُكْرَهِينَ ، فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ . وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَا تَضَمَّنَهُ جَوَابُ الشَّرْطِ الْمَحْذُوفِ ، أَيْ : فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ فَلَا غَضَبَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ ، وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ وَكَذَا قَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَعْنِي الْجَوَابَ
[ ص: 539 ] قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ( مَنْ ) شَرْطًا . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَالَتْ فِرْقَةٌ ( مَنْ ) فِي قَوْلِهِ ( مَنْ كَفَرَ ) ابْتِدَاءٌ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106مَنْ شَرَحَ ، تَخْصِيصٌ مِنْهُ ، وَدَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ لِإِخْرَاجِ عَمَّارٍ وَشَبَهِهِ . وَدَنَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ الِاسْتِدْرَاكُ بَلَكِنْ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106فَعَلَيْهِمْ ، خَبَرٌ عَنْ مَنِ الْأَوْلَى وَالثَّانِيَةِ ، إِذْ هُوَ وَاحِدٌ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ الْإِخْبَارَ فِي قَوْلِهِ : مَنْ كَفَرَ ، إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ الصِّنْفُ الشَّارِحُ بِالْكُفْرِ ; انْتَهَى . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَمَا ذَكَرَ فَهَاتَانِ جُمْلَتَانِ شَرْطِيَّتَانِ ، وَقَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِأَدَاةِ الِاسْتِدْرَاكِ ، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ جَوَابٍ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ ، فَتَقْدِيرُ الْحَذْفِ أَحْرَى عَلَى صِنَاعَةِ الْإِعْرَابِ . وَقَدْ ضَعَّفُوا مَذْهَبَ
أَبِي الْحَسَنِ فِي ادِّعَائِهِ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=91فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) جَوَابٌ لِأَمَّا ، وَلِأَنَّ هَذَا وَهُمَا أَدَاتَا شَرْطٍ ، إِحْدَاهُمَا تَلِي الْأُخْرَى ، وَعَلَى كَوْنِ ( مَنْ ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً كَمَا ذَكَرْنَا ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَمَا بَعْدَهَا صِلَتُهَا ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَذْفِ جَوَابِ الشَّرْطِ . إِلَّا أَنَّ ( مَنِ ) الثَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا حَتَّى يُقَدَّرَ قَبْلَهَا مُبْتَدَأٌ ، لِأَنَّ ( مَنْ ) وَلِيَتْ ( لَكِنْ ) فَيَتَعَيَّنُ إِذْ ذَاكَ أَنْ تَكُونَ ( مَنْ ) مَوْصُولَةً ، فَإِنْ قُدِّرَ مُبْتَدَأٌ بَعْد ( لَكِنْ ) جَازَ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً فِي مَوْضِعِ خَبَرِ ذَلِكَ الْمُبْتَدَأِ الْمُقَدَّرِ كَقَوْلِهِ :
وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدُ الْقَوْمُ أَرْفِدِ
أَيْ : وَلَكِنْ أَنَا مَتَى يَسْتَرْفِدُ الْقَوْمُ أَرْفِدُ . وَكَذَلِكَ تُقَدَّرُ هُنَا ، وَلَكِنْ هُمْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ، أَيْ : مِنْهُمْ . وَأَجَازَ
الْحَوْفِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ : أَنْ تَكُونَ بَدَلًا مِنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ، وَمِنَ الْكَاذِبُونَ . وَلَمْ يُجِزِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ ( الْكَاذِبُونَ ) ، لِأَنَّهُ رَأَى الْكَلَامَ إِلَى آخِرِ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرَ تَامٍّ ، فَعَلَّقَهُ بِمَا قَبْلَهُ . وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ ( أُولَئِكَ ) ، فَإِذَا كَانَ بَدَلًا مِنَ ( الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) فَيَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=105وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ جُمْلَةَ اعْتِرَاضٍ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ ، وَالْمَعْنَى : إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُمُ الْمُكْرَهَ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ حُكْمِ الِافْتِرَاءِ . وَإِذَا
[ ص: 540 ] كَانَ بَدَلًا مِنَ ( الْكَاذِبُونَ ) فَالتَّقْدِيرُ : وَأُولَئِكَ هُمْ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ، وَإِذَا كَانَ بَدَلًا مِنْ ( أُولَئِكَ ) فَالتَّقْدِيرُ : وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ .
وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ عِنْدِي ضَعِيفَةٌ . لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ إِلَّا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ، وَالْوُجُودُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ يَفْتَرِي الْكَذِبَ هُوَ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ كَفَرَ بَعْدَ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ قَطُّ ، بَلْ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ قَطُّ هُمُ الْأَكْثَرُونَ الْمُفْتَرُونَ الْكَذِبَ . وَأَمَّا الثَّانِي فَيَئُولُ الْمَعْنَى إِلَى ذَلِكَ ، إِذِ التَّقْدِيرُ : وَأُولَئِكَ ، أَيِ : الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ هُمْ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ هُمُ الْمُفْتَرُونَ . وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكَذَلِكَ . إِذِ التَّقْدِيرُ : أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ هُمْ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ ، مُخْبِرٌ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمُ الْكَاذِبُونَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الذَّمِّ ; انْتَهَى . وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ ، وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ فَصَاحَةُ الْكَلَامِ جَعْلُ الْجُمَلِ كُلِّهَا مُسْتَقِلَّةً لَا تَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ ، بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمُنَاسَبَةُ ; وَفِي قَوْلِهِ : إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمُكْرَهَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِذَا كَانَ قَدْ سُومِحَ لِكَلِمَةِ الْكُفْرِ أَوْ فِعْلِ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ ، فَالْمُسَامَحَةُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي أَوْلَى . وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحِ لِذَلِكَ ، وَفِي تَفْصِيلِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَقَعُ الْإِكْرَاهُ فِيهَا ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ . وَالْمُكْرَهُونَ عَلَى الْكُفْرِ الْمُعَذَّبُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ :
خَبَّابٌ ،
وَصُهَيْبٌ ،
وَبِلَالٌ ،
وَعَمَّارٌ ، وَأَبَوَاهُ
يَاسِرٌ وَسُمَيَّةُ ،
وَسَالِمٌ ،
وَحَبْرٌ ، عُذِّبُوا فَأَجَابَهُمْ
عَمَّارٌ وَحَبْرٌ بِاللَّفْظِ فَخُلِّيَ سَبِيلُهُمَا ، وَتَمَادَى الْبَاقُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ
يَاسِرٌ وَسُمَيَّةُ ، وَهُمَا أَوَّلُ قَتِيلٍ فِي الْإِسْلَامِ ، وَعُذِّبَ
بِلَالٌ وَهُوَ يَقُولُ : ( أَحَدٌ أَحَدٌ ) وَعُذِّبَ خَبَّابٌ بِالنَّارِ فَمَا أَطْفَأَهَا إِلَّا وَدَكُ ظَهْرِهِ . وَجَمَعَ الضَّمِيرَ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106فَعَلَيْهِمْ ) عَلَى مَعْنَى مَنْ ، وَأَفْرَدَ فِي شَرْحٍ عَلَى لَفْظِهَا . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا اسْتَحَقُّوهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْعَذَابِ ، أَيْ : كَائِنٌ لَهُمْ بِسَبَبِ اسْتِحْبَابِهِمُ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَاسْتِحْقَاقُهُمْ خِذْلَانَ اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ ; انْتَهَى . وَهِيَ نَزْغَةٌ اعْتِزَالِيَّةٌ . وَالضَّمِيرُ فِي ( بِأَنَّهُمْ ) عَائِدٌ عَلَى ( مَنْ ) فِي مَنْ شَرَحَ : وَلَمَّا فَعَلُوا فِعْلَ مَنِ اسْتَحَبَّ ، أُلْزِمُوا ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُصَدِّقِينَ بِآخِرِهِ ، لَكِنَّ مِنْ حَيْثُ أَعْرَضُوا عَنِ النَّظَرِ فِيهِ كَانُوا كَمَنِ اسْتَحَبَّ غَيْرَهُ . وَقَوْلُهُ : اسْتَحَبُّوا ، هُوَ تَكَسُّبٌ مِنْهُمْ عُلِّقَ بِهِ الْعِقَابُ ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي : إِشَارَةٌ إِلَى اخْتِرَاعِ اللَّهِ الْكُفْرَ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَجَمَعَتِ الْآيَةُ بَيْنَ الْكَسْبِ وَالِاخْتِرَاعِ ، وَهَذَا عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ . وَقِيلَ : ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الِارْتِدَادِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْكُفْرِ ، لِأَجْلِ أَنَّهُمْ رَجَّحُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى مَا هَدَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الطَّبْعِ عَلَى الْقُلُوبِ وَالسَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْخَتْمِ عَلَيْهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=108وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : عَنْ مَا يُرَادُ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْكَامِلُونَ فِي الْغَفْلَةِ الَّذِينَ لَا أَحَدَ أَغْفَلُ مِنْهُمْ ، لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ تَدَبُّرِ الْعَوَاقِبِ هِيَ غَايَةُ الْغَفْلَةِ وَمُنْتَهَاهَا . وَلَمَّا كَانَ الْإِسْنَادُ لِيَكْتَسِبَ بِالطَّاعَاتِ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ ، فَعَمِلَ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ عَظُمَ خُسْرَانُهُ فَقِيلَ فِيهِمْ : هُمُ الْخَاسِرُونَ لَا غَيْرُهُمْ . وَمَنْ أَخْسَرُ مِمَّنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ السَّابِقَةِ مِنْ كَيْنُونَةِ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ ، وَاسْتِحْبَابِ الدُّنْيَا ، وَانْتِفَاءِ هِدَايَتِهِمْ ، وَالْإِخْبَارِ بِالطَّبْعِ وَبِغَفْلَتِهِمْ . وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ الْإِيمَانِ ، وَحَالَ مَنْ أُكْرِهَ ، ذَكَرَ حَالَ مَنْ هَاجَرَ بَعْدَمَا فُتِنَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ فَكَتَبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ كَانَ أَسْلَمَ
بِمَكَّةَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا ، فَخَرَجُوا ، فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى نَجَا مَنْ نَجَا وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ ، فَعَلَى هَذَا السَّبَبِ يَكُونُ جِهَادُهُمْ مَعَ الرَّسُولِ عَلَى الْإِسْلَامِ . وَرُوِيَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا وَاتَّبَعُوا وَجَاهَدُوا مُتَّبِعِيهِمْ ، فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ ، وَنَجَا مَنْ نَجَا ، فَنَزَلَتْ حِينَئِذٍ ، فَعَنَى بِالْجِهَادِ جِهَادَهُمْ لِمُتَّبِعِيهِمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : نَزَلَتْ فِي
عَمَّارٍ ،
وَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ،
وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ :
[ ص: 541 ] وَذِكْرُ
عَمَّارٍ فِي هَذَا غَيْرُ قَوِيمٍ ، فَإِنَّهُ أَرْفَعُ مِنْ طَبَقَةِ هَؤُلَاءِ ، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ مِنْ بَابِ : مِمَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا أَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ فِي آخِرِ الْآيَةِ ؟ وَقَالَ
عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ : نَزَلَتْ فِي شَأْنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَأَشْبَاهِهِ ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : مِنْ بَعْدِ مَا فَتَنَهُمُ الشَّيْطَانُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ دَلَالَةٌ عَلَى تَبَاعُدِ حَالِ هَؤُلَاءِ مِنْ حَالِ أُولَئِكَ ، وَهُمْ
عَمَّارٌ وَأَصْحَابُهُ . وَ ( لِلَّذِينَ ) عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ قَالَ : وَمَعْنَى إِنَّ رَبَّكَ لَهُمْ : أَنَّهُ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ ، لَا عَدُوُّهُمْ وَخَاذِلُهُمْ كَمَا يَكُونُ الْمَلِكُ لِلرَّجُلِ : لَا عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ مَحْمِيًّا مَنْفُوعًا غَيْرَ مَضْرُورٍ ; انْتَهَى . وَقَوْلُهُ : مَنْفُوعًا : اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ نَفَعَ ، وَهُوَ قِيَاسُهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ثُلَاثِيٌّ . وَزَعَمَ الْأَهْوَازِيُّ النَّحْوِيُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ نَفَعَ اسْمُ مَفْعُولٍ ، فَلَا يُقَالُ مَنْفُوعٌ ; وَقَفْتُ لَهُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ مُوجَزِ
الرُّمَّانِيِّ . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : خَبَرُ إِنَّ الْأُولَى قَوْلُهُ : إِنَّ رَبَّكَ لَغَفُورٌ ، وَإِنَّ الثَّانِيَةُ وَاسْمُهَا تَكْرِيرٌ لِلتَّوْكِيدِ ; انْتَهَى . وَإِذَا كَانَتْ إِنَّ الثَّانِيَةُ وَاسْمُهَا تَكْرِيرًا لِلتَّوْكِيدِ كَمَا ذُكِرَ ، فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ إِنَّ الْأَوْلَى هُوَ قَوْلَهُ : لَغَفُورٌ ، وَيَكُونُ ( لِلَّذِينَ ) مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ : لَغَفُورٌ ، أَوْ بِرَحِيمٍ ، عَلَى الْإِعْمَالِ ، لِأَنَّ ( إِنَّ رَبَّكَ ) الثَّانِيَةَ لَا يَكُونُ لَهَا طَلَبٌ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابِ . كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : قَامَ قَامَ زَيْدٌ ، فَزَيْدٌ إِنَّمَا هُوَ مَرْفُوعٌ بِقَامَ الْأُولَى ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ لِلْأُولَى . وَقِيلَ : لَا خَبَرَ لِأَنَّ الْأُولَى فِي اللَّفْظِ ، لِأَنَّ خَبَرَ الثَّانِيَةِ أَغْنَى عَنْهُ ; انْتَهَى . وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، لِأَنَّهُ أَلْغَى حُكْمَ الْأُولَى وَجَعَلَ الْحُكْمَ لِلثَّانِيَةِ ، وَهُوَ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ ، وَلَا يَجُوزُ . وَقِيلَ : لِلَّذِينَ ، مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ عَلَى جِهَةِ الْبَيَانِ كَأَنَّهُ قِيلَ : أَعْنِي لِلَّذِينِ ، أَيِ : الْغُفْرَانَ لِلَّذِينِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : فُتِنُوا ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، أَيْ : بِالْعَذَابِ وَالْإِكْرَاهِ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ . وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ : فَتَنُوا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ هَاجَرُوا ، فَالْمَعْنَى : فَتَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا أَعْطَوُا الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْقَوْلِ كَمَا فَعَلَ
عَمَّارٌ . أَوْ لَمَّا كَانُوا صَابِرِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعُذِّبُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ صَارُوا كَأَنَّهُمْ هُمُ الْمُعَذِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، أَيْ : مِنْ بَعْدِ مَا عَذَّبُوا الْمُؤْمِنِينَ ،
كَالْحَضْرَمِيِّ وَأَشْبَاهِهِ . وَالضَّمِيرُ فِي ( مِنْ ) بَعْدَهَا عَائِدٌ عَلَى الْمَصَادِرِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ ، أَيْ : مِنْ بَعْدِ الْفِتْنَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَالصَّبْرِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَالضَّمِيرُ فِي ( بَعْدِهَا ) عَائِدٌ عَلَى الْفِتْنَةِ ، أَوِ الْهِجْرَةِ ، أَوِ التَّوْبَةِ ، وَالْكَلَامُ يُعْطِيهَا وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ صَرِيحٌ .