الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) : لما أمر الله رسوله بغزاة تبوك ، وكان زمان جدب وحر شديد وقد طابت الثمار ، عظم ذلك على الناس وأحبوا المقام ، نزلت عتابا على من تخلف عن هذه الغزوة ، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام ، غزا فيها الروم في عشرين ألفا من راكب وراجل ، وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون . وخص الثلاثة بالعتاب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة ; إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم ، وكان تخلفهم لغير علة حسبما يأتي إن شاء الله تعالى . ولما شرح معاتب الكفار رغب في مقابلتهم . و ( ما لكم ) استفهام معناه الإنكار والتقريع ، وبني ( قيل ) للمفعول ، والقائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر إغلاظا ومخاشنة لهم وصونا لذكره ؛ إذ أخلد إلى الهوينا والدعة ، من أخلد وخالف أمره صلى الله عليه وسلم .

وقرأ الأعمش : تثاقلتم وهو أصل قراءة الجمهور اثاقلتم ، وهو ماض بمعنى المضارع ، وهو في موضع الحال ، وهو عامل في ( إذ ) ; أي : ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا . وقال أبو البقاء : الماضي هنا بمعنى المضارع ; أي : ما لكم تتثاقلون ، وموضعه نصب . أي : أي شيء لكم في التثاقل ؟ أو في موضع جر على مذهب الخليل . انتهى . وهذا ليس بجيد ; لأنه يلزم منه حذف أن ; لأنه لا ينسبك مصدر إلا من حرف مصدري والفعل ، وحذف أن في نحو هذا قليل جدا أو ضرورة . وإذا كان التقدير في التثاقل فلا يمكن عمله في إذا ; لأن معمول المصدر الموصول لا يتقدم عليه فيكون الناصب لإذا ، والمتعلق به في التثاقل ما هو معلوم لكم الواقع خبرا لما . وقرئ : اثاقلتم على الاستفهام الذي معناه الإنكار والتوبيخ ، ولا يمكن أن يعمل في إذا ما بعد حرف الاستفهام . فقال الزمخشري : يعمل فيه ما دل عليه ، أو ما في ( ما لكم ) من معنى الفعل ، كأنه قال : ما تصنعون إذا قيل لكم ، كما تعمله في الحال إذا قلت : ما لك قائما . والأظهر أن يكون التقدير : ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا ، وحذف لدلالة اثاقلتم عليه . ومعنى اثاقلتم إلى الأرض : ملتم إلى شهوات الدنيا حين أخرجت الأرض ثمارها ، قاله مجاهد ، وكرهتم مشاق السفر . وقيل : ملتم إلى الإقامة بأرضكم ، قاله الزجاج . ولما ضمن معنى الميل والإخلاد عدي بإلى . وفي قوله : ( أرضيتم ) ، نوع من الإنكار والتعجب ; أي : أرضيتم بالنعيم العاجل في الدنيا الزائل بدل النعيم الباقي ؟ . و ( من ) تظافرت أقوال المفسرين على أنها بمعنى ( بدل ) ; أي : بدل الآخرة كقوله : ( لجعلنا منكم ملائكة ) أي بدلا منكم ، ومنه [ ص: 42 ] قول الشاعر :


فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان



أي بدلا من ماء زمزم ، والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء تعلق فيه أوعية الماء حتى تبرد . وأصحابنا لا يثبتون أن تكون من للبدل . ويتعلق ( في الآخرة ) بمحذوف ; التقدير : فما متاع الحياة الدنيا محسوبا في نعيم الآخرة . وقال الحوفي : في الآخرة متعلق بقليل ، وقليل خبر الابتداء . وصلح أن يعمل في الظرف مقدما ؛ لأن رائحة الفعل تعمل في الظرف . ولو قلت : ما زيد عمرا إلا يضرب ، لم يجز .

( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير ) : هذا سخط على المتثاقلين عظيم ، حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين ، وأنه يهلكهم ويستبدل قوما آخرين خيرا منهم وأطوع ، وأنه غني عنهم في نصرة دينه ، لا يقدح تثاقلهم فيها شيئا . وقيل : يعذبكم بإمساك المطر عنكم . وروي عن ابن عباس أنه قال : استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة فقعدت ، فأمسك الله عنها المطر وعذبها به . والمستبدل الموعود بهم ، قال جماعة : أهل اليمن . وقال ابن جبير : أبناء فارس . وقال ابن عباس : هم التابعون ، والظاهر مستغن عن التخصيص . وقال الأصم : معناه أنه تعالى يخرج رسوله من بين أظهرهم إلى المدينة . قال القاضي : وهذا ضعيف ; لأن اللفظ لا دلالة فيه على أنه ينتقل من المدينة إلى غيرها ، ولا يمتنع أن يظهر في المدينة أقواما يعينونه على الغزو ، ولا يمتنع أن يعينه بأقوام من الملائكة أيضا حال كونه هناك . والضمير في : ( ولا تضروه شيئا ) عائد على الله تعالى ; أي : ولا تضروا دينه شيئا . وقيل : على الرسول ; لأنه تعالى قد عصمه ووعده بالنصر ، ووعده كائن لا محالة . ولما رتب على انتفاء نفرهم التعذيب والاستبدال وانتفاء الضرر ، أخبر تعالى أنه على كل شيء تتعلق إرادته به قدير من التعذيب والتغيير وغير ذلك .

( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) : ( إلا تنصروه ) فيه انتفاء النصر بأي طريق كان من نفر أو غيره . وجواب الشرط محذوف تقديره : فسينصره ، ويدل عليه ( فقد نصره الله ) ; أي : ينصره في المستقبل كما نصره في الماضي [ ص: 43 ] وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون قوله تعالى : ( فقد نصره الله ) جوابا للشرط ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما : فسينصره ، وذكر معنى ما قدمناه . والثاني : أنه تعالى أوجب له النصرة وجعله منصورا في ذلك الوقت فلم يخذل من بعده . انتهى . وهذا لا يظهر منه جواب الشرط ; لأن إيجاب النصرة له أمر سبق ، والماضي لا يترتب على المستقبل ، فالذي يظهر الوجه الأول . ومعنى إخراج الذين كفروا إياه : فعلهم به ما يؤدي إلى الخروج ، والإشارة إلى خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة . ونسب الإخراج إليهم مجازا ، كما نسب في قوله : ( التي أخرجتك ) . وقصة خروج الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مذكورة في السير .

وانتصب ( ثاني اثنين ) على الحال ; أي : أحد اثنين وهما : رسول الله ، وأبو بكر رضي الله عنه . وروي أنه لما أمر بالخروج قال لجبريل عليه السلام : " من يخرج معي ؟ " قال : أبو بكر . وقال الليث : ما صحب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل أبي بكر . وقال سفيان بن عيينة : خرج أبو بكر بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله : ( إلا تنصروه ) . قال ابن عطية : بل خرج منها كل من شاهد غزوة تبوك ، وإنما المعاتبة لمن تخلف فقط ، وهذه الآية منوهة بقدر أبي بكر وتقدمه وسابقته في الإسلام . وفي هذه الآية ترغيبهم في الجهاد ونصرة دين الله ; إذ بين فيها أن الله ينصره كما نصره ، إذ كان في الغار وليس معه فيه أحد سوى أبي بكر . وقرأت فرقة : ثاني اثنين بسكون ياء ثاني . قال ابن جني : حكاها أبو عمرو ، ووجهه أنه سكن الياء تشبيها لها بالألف . والغار : نقب في أعلى ثور ، وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة ، مكث فيه ثلاثا . ( إذ هما ) : بدل ، و ( إذ يقول ) : بدل ثان . وقال العلماء : من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله تعالى ، وليس ذلك لسائر الصحابة . وكان سبب حزن أبي بكر خوفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاه الرسول تسكينا لقلبه ، وأخبره بقوله : إن الله معنا ، يعني : بالمعونة والنصر . وقال أبو بكر : يا رسول الله إن قتلت فأنا رجل واحد ، وإن قتلت هلكت الأمة وذهب دين الله ، فقال : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ " ، وقال أبو بكر رضي الله عنه :


قال النبي ولم يجزع يوقرني     ونحن في سدف من ظلمة الغار
لا تخش شيئا فإن الله ثالثنا     وقد تكفل لي منه بإظهار
وإنما كيد من تخشى بوادره     كيد الشياطين قد كادت لكفار
والله مهلكهم طرا بما صنعوا     وجاعل المنتهى منهم إلى النار



( فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) قال ابن عباس : السكينة الرحمة . وقال قتادة في آخرين : الوقار . وقال ابن قتيبة : الطمأنينة . وهذه الأقوال متقاربة . والضمير في ( عليه ) عائد على صاحبه ، قاله حبيب بن أبي ثابت ، أو على الرسول ، قاله الجمهور ، أو عليهما وأفرده لتلازمهما ، ويؤيده أن في مصحف حفصة : فأنزل الله سكينته عليهما وأيدهما . والجنود : الملائكة يوم بدر ، والأحزاب ، وحنين . وقيل : ذلك الوقت يلقون البشارة في قلبه ، ويصرفون وجوه الكفار عنه . والظاهر أن الضمير ( عليه ) عائد على أبي بكر ; لأن النبي كان ثابت الجأش ، ولذلك قال : لا تحزن إن الله معنا . وأن الضمير في ( وأيده ) عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه ) يعني الرسول ، وتسبحوه : يعني الله تعالى . وقال ابن عطية : والسكينة عندي إنما هي ما ينزله الله على أنبيائه من الحياطة لهم ، والخصائص التي لا تصلح إلا لهم كقوله : ( فيه سكينة من ربكم ) ، ويحتمل أن يكون قوله : فأنزل الله سكينته [ ص: 44 ] إلى آخر الآية يراد به ما صنعه الله لنبيه إلى وقت تبوك من الظهور والفتوح ، لا أن يكون هذا يختص بقصة الغار . وكلمة الذين كفروا هي الشرك ، وهي مقهورة . وكلمة الله : هي التوحيد ، وهي ظاهرة . هذا قول الأكثرين . وعن ابن عباس : كلمة الكافرين ما قرروا بينهم من الكيد به ليقتلوه ، وكلمة الله : أنه ناصره . وقيل : كلمة الله لا إله إلا الله ، وكلمة الكفار قولهم في الحرب : يا لبني فلان ، ويا لفلان . وقيل : كلمة الله قوله تعالى : ( لأغلبن أنا ورسلي ) وكلمة الذين كفروا قولهم في الحرب : اعل هبل ; يعنون صنمهم الأكبر . وقرأ مجاهد : وأيده ، والجمهور : وأيده بتشديد الياء . وقرئ : وكلمة الله بالنصب ; أي : وجعل . وقراءة الجمهور بالرفع أثبت في الإخبار . وعن أنس رأيت في مصحف أبي : وجعل كلمته هي العلياء ، وناسب الوصف بالعزة الدالة على القهر والغلبة ، والحكمة الدالة على ما يصنع مع أنبيائه وأوليائه ، ومن عاداهم من إعزاز دينه وإخماد الكفر .

( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) : لما توعد تعالى من لا ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وضرب له من الأمثال ما ضرب ، أتبعه بهذا الأمر الجزم . والمعنى : انفروا على الوصف الذي يخف عليكم فيه الجهاد ، أو على الوصف الذي يثقل . والخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ، ومن يمكنه بصعوبة ، وأما من لا يمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا . وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أعلي أن أنفر ؟ قال : نعم ، حتى نزلت : ( ليس على الأعمى حرج ) .

وذكر المفسرون من معاني الخفة والثقل أشياء لا على وجه التخصيص ، بعضها دون بعض ، وإنما يحمل ذلك على التمثيل لا على الحصر . قال الحسن وعكرمة ومجاهد : شبابا وشيوخا . وقال أبو صالح : أغنياء وفقراء في اليسر والعسر . وقال الأوزاعي : ركبانا ومشاة . وقيل عكسه . وقال زيد بن أسلم : عزبانا ومتزوجين . وقال جويبر : أصحاء ومرضى . وقال جماعة : خفافا من السلاح ؛ أي مقلين فيه ، وثقالا ؛ أي مستكثرين منه . وقال الحكم بن عيينة وزيد بن علي : خفافا من الأشغال وثقالا بها . وقال ابن عباس : خفافا من العيال وثقالا بهم . وحكى التبريزي : خفافا من الأتباع والحاشية وثقالا بهم . وقال علي بن عيسى : هو من خفة اليقين وثقله عند الكراهة . وحكى الماوردي : خفافا إلى الطاعة وثقالا عن المخالفة . وحكى صاحب الفتيان : خفافا إلى المبارزة ، وثقالا في المصابرة . وحكى أيضا : خفافا بالمسارعة والمبادرة وثقالا بعد التروي والتفكر . وقال ابن زيد : ذوي صنعة وهو الثقيل ، وغير ذوي صنعة وهو الخفيف . وحكى النقاش : شجعانا وجبناء . وقيل : مهازيل وسمانا . وقيل : سباقا إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش ، والثقال الجيش بأسره . وقال ابن عباس وقتادة : النشيط والكسلان .

والجمهور على أن الأمر موقوف على فرض الكفاية ، ولم يقصد به فرض الأعيان . وقال الحسن وعكرمة : هو فرض على المؤمنين ; عني به فرض الأعيان في تلك المدة ، ثم نسخ بقوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) . وانتصب ( خفافا وثقالا ) على الحال . وذكر ( بأموالكم وأنفسكم ) إذ ذلك وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند الله ، فحض على كمال الأوصاف . وقدمت الأموال إذ هي أول مصرف وقت التجهيز ، وذكر ما المجاهد فيه وهو سبيل الله ، والخيرية هي في الدنيا بغلبة العدو ووراثة الأرض ، وفي الآخرة بالثواب ورضوان الله . وقد غزا أبو طلحة حتى غزا في البحر ومات فيه ، وغزا المقداد على ضخامته وسمنه ، وسعيد بن المسيب وقد ذهبت إحدى عينيه ، وابن أم مكتوم مع كونه أعمى .

[ ص: 45 ] ( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) : أي لو كان ما دعوا إليه غنما قريبا سهل المنال ، وسفرا قاصدا وسطا مقاربا . وهذه الآية في قصة تبوك حين استنفر المؤمنين فنفروا ، واعتذر منهم فريق لأصحابه ، لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة . وليس قوله : ( ياأيها الذين آمنوا ما لكم ) خطابا للمنافقين خاصة ، بل هو عام . واعتذر المنافقون بأعذار كاذبة ، فابتدأ تعالى بذكر المنافقين وكشف ضمائرهم . ( لاتبعوك ) : لبادروا إليه ، لا لوجه الله ، ولا لظهور كلمته ، ( ولكن بعدت عليهم الشقة ) ; أي : المسافة الطويلة في غزو الروم . والشقة بالضم من الثياب ، والشقة أيضا السفر البعيد ، وربما قالوه بالكسر ، قاله الجوهري . وقال الزجاج : الشقة : الغاية التي تقصد . وقال ابن عيسى : الشقة القطعة من الأرض يشق ركوبها . وقال ابن فارس : الشقة المسير إلى أرض بعيدة ، واشتقاقها من الشق ، أو من المشقة . وقرأ عيسى بن عمر : بعدت عليهم الشقة بكسر العين والشين ، وافقه الأعرج في بعدت . وقال أبو حاتم : إنها لغة بني تميم في اللفظين . انتهى . وحكى الكسائي : شقة وشقة . ( وسيحلفون ) ; أي المنافقون ، وهذا إخبار بغيب . قال الزمخشري في قوله : وسيحلفون بالله ما نصه ، ( بالله ) متعلق بسيحلفون ، أو هو من كلامهم . والقول مراد في الوجهين ; أي : سيحلفون متخلصين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين ، يقولون : بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ، أو وسيحلفون بالله يقولون : لو استطعنا . وقوله : لخرجنا سد مسد جواب القسم ولو جميعا ، والإخبار بما سوف يكون بعد القول من حلفهم واعتذارهم ، وقد كان من جملة المعجزات . ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة ، واستطاعة الأبدان ، كأنهم تمارضوا . انتهى . وما ذهب إليه من أن قوله لخرجنا سد مسد جواب القسم ولو جميعا ليس بجيد [ ص: 46 ] بل للنحويين في هذا مذهبان : أحدهما : أن ( لخرجنا ) هو جواب القسم ، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط إذا تقدم القسم على الشرط ، وهذا اختيار أبي الحسن بن عصفور . والآخر : أن ( لخرجنا ) هو جواب لو ، وجواب القسم هو لو وجوابها ، وهذا اختيار ابن مالك أن ( لخرجنا ) يسد مسدهما ، ولا أعلم أحدا ذهب إلى ذلك . ويحتمل أن يتأول كلامه على أنه لما حذف جواب لو ، ودل عليه جواب القسم جعل كأنه سد مسد جواب القسم وجواب لو جميعا .

وقرأ الأعمش وزيد بن علي : لو استطعنا بضم الواو ، وفر من ثقل الكسرة على الواو وشبهها بواو الجمع عند تحريكها لالتقاء الساكنين . وقرأ الحسن : بفتحها كما جاء : ( اشتروا الضلالة ) بالأوجه الثلاثة . ( يهلكون أنفسهم ) بالحلف الكاذب ; أي : يوقعونها في الهلاك به . والظاهر أنها جملة استئناف إخبار منه تعالى . وقال الزمخشري : ( يهلكون أنفسهم ) إما أن يكون بدلا من ( سيحلفون ) ، أو حالا بمعنى مهلكين ، والمعنى : أنهم يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب ، وما يخلفون عليه من التخلف . ويحتمل أن يكون حالا من قوله : ( لخرجنا ) ; أي لخرجنا معكم ، وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما يحملها من المسير في تلك الشقة . وجاء به على لفظ الغائب ; لأنه مخبر عنهم ، ألا ترى أنه لو قيل : سيحلفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان سديدا ؟ يقال : حلف بالله ليفعلن ولأفعلن ، فالغيبة على حكم الإخبار والتكلم على الحكاية انتهى . أما كون ( يهلكون ) بدلا من ( سيحلفون ) فبعيد ; لأن الإهلاك ليس مرادفا للحلف ، ولا هو نوع من الحلف ، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفا له أو نوعا منه . وأما كونه حالا من قوله : ( لخرجنا ) ، فالذي يظهر أن ذلك لا يجوز ; لأن قوله : ( لخرجنا ) فيه ضمير التكلم ، فالذي يجري عليه إنما يكون بضمير المتكلم . فلو كان حالا من ضمير ( لخرجنا ) لكان التركيب : نهلك أنفسنا ; أي : مهلكي أنفسنا . وأما قياسه ذلك على حلف بالله ليفعلن ولأفعلن فليس بصحيح ; لأنه إذا أجراه على ضمير الغيبة لا يخرج منهم إلى ضمير المتكلم ، لو قلت : حلف زيد ليفعلن وأنا قائم ، على أن يكون وأنا قائم حالا من ضمير ليفعلن لم يجز ، وكذا عكسه نحو : حلف زيد لأفعلن يقوم ، تريد قائما لم يجز . وأما قوله : وجاء به على لفظ الغائب ؛ لأنه مخبر عنهم فهي مغالطة ليس مخبرا عنهم بقوله : لو استطعنا لخرجنا معكم ، بل هو حاك لفظ قولهم ، ثم قال : ألا ترى لو قيل : لو استطاعوا لخرجوا لكان سديدا إلى آخره كلام صحيح ، لكنه تعالى لم يقل ذلك إخبارا عنهم ، بل حكاية . والحال من جملة كلامهم المحكي ، فلا يجوز أن يخالف بين ذي الحال وحاله لاشتراكهما في العامل . لو قلت : قال زيد : خرجت يضرب خالدا ; تريد أضرب خالدا ، لم يجز . ولو قلت : قالت هند : خرج زيد [ ص: 47 ] أضرب خالدا ، تريد خرج زيد ضاربا خالدا ، لم يجز .

( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) ; قال ابن عطية : هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق . واستأذنوا دون اعتذار منهم : عبد الله بن أبي ، والجد بن قيس ، ورفاعة بن التابوت ، ومن اتبعهم . فقال بعضهم : ائذن لي ولا تفتني . وقال بعضهم : ائذن لنا في الإقامة ، فأذن لهم استبقاء منه عليهم ، وأخذا بالأسهل من الأمور ، وتوكلا على الله . قال مجاهد : قال بعضهم : نستأذنه ، فإن أذن في القعود قعدنا ، وإن لم يأذن قعدنا ، فنزلت الآية في ذلك . انتهى . وقال أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة النحوي الداودي المنبوذ بنفطويه : ذهب ناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم معاتب بهذه الآية ، وحاشاه من ذلك ، بل كان له أن يفعل وأن لا يفعل حتى ينزل عليه الوحي كما قال : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ) ; لأنه كان له أن يفعل وأن لا يفعل . وقد قال الله تعالى : ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ) ; لأنه كان له أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي . واستأذنه المخلفون في التخلف واعتذروا ، اختار أيسر الأمرين تكرما وتفضلا منه صلى الله عليه وسلم ، فأبان الله تعالى أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا للنفاق الذي في قلوبهم ، وأنهم كاذبون في إظهار الطاعة والمشاورة ، فعفا الله عنك عنده افتتاح كلام أعلمه الله به أنه لا حرج عليه فيما فعله من الإذن ، وليس هو عفوا عن ذنب ، إنما هو أنه تعالى أعلمه أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم كما قال صلى الله عليه وسلم : " عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق " وما وجبتا قط ومعناه : ترك أن يلزمكم ذلك . انتهى . ووافقه عليه قوم فقالوا : ذكر العفو هنا لم يكن عن تقدم ذنب ، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العرب أن تخاطب بمثله لمن تعظمه وترفع من قدره ، يقصدون بذلك الدعاء له ، فيقولون : أصلح الله الأمير كان كذا وكذا ، فعلى هذا صيغته صيغة الخبر ، ومعناه الدعاء . انتهى .

ولم ولهم متعلقان بأذنت ، لكنه اختلف مدلول اللامين ، إذ لام لم للتعليل ، ولام لهم للتبليغ ، فجاز ذلك لاختلاف معنييهما ، ومتعلق الإذن غير مذكور ، فما قدمناه يدل على أنه القعود ; أي : لم أذنت لهم في القعود والتخلف عن الغزو حتى تعرف ذوي العذر في التخلف ممن لا عذر له . وقيل : متعلق الإذن هو الخروج معه للغزو ، لما ترتب على خروجهم من المفاسد ; لأنهم كانوا عينا للكفار على المسلمين . ويدل عليه قوله : ( وفيكم سماعون لهم ) وكانوا يخذلون المؤمنين ويتمنون أن تكون الدائرة عليهم ، فقيل : لم أذنت لهم في إخراجهم وهم على هذه الحالة السيئة ؟ وبين أن خروجهم معه ليس مصلحة بقوله : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) . وحتى غاية لما تضمنه الاستفهام ; أي : ما كان أن تأذن لهم حتى يتبين من له العذر ، هكذا قدره الحوفي . وقال أبو البقاء : حتى يتبين متعلق بمحذوف دل عليه الكلام ، تقديره : هلا أخرتهم إلى أن يتبين أو ليتبين . وقوله : لم أذنت لهم يدل على المحذوف . ولا يجوز أن تتعلق حتى بأذنت ; لأن ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية ، أو لأجل التبيين ، وهذا لا يعاتب عليه انتهى . وكلام الزمخشري في تفسير قوله : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) ، مما يجب اطراحه ، فضلا عن أن يذكر فيرد عليه . وقوله : الذين صدقوا ; أي : في استئذانك . وأنك لو لم تأذن لهم خرجوا معك . وتعلم الكاذبين : تريد في أنهم استأذنوك ، يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهم كذبة ، وقد عزموا على العصيان ، أذنت لهم أو لم تأذن . وقال الطبري : حتى تعلم الصادقين في أن لهم عذرا ، وتعلم الكاذبين في أن لا عذر لهم . وقال قتادة : نزلت بعد هذه الآية آية النور ، ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ) . وهذا غلط ; لأن النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين الرسول في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات ، فأباح الله أن يأذن ، فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى .

( لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين ) [ ص: 48 ] قال ابن عباس : ( لا يستأذنك ) ; أي بعد غزوة تبوك . وقال الجمهور : ليس كذلك ; لأن ما قبل هذه الآية وما بعدها ورد في قصة تبوك ، والظاهر أن متعلق الاستئذان هو ( أن يجاهدوا ) ; أي : ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا ، وكان الخلص من المهاجرين والأنصار لا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم أبدا ، ويقولون : لنجاهدن معه بأموالنا وأنفسنا . وقيل : التقدير : لا يستأذنك المؤمنون في الخروج ولا القعود كراهة أن يجاهدوا ، بل إذا أمرت بشيء ابتدروا إليه ، وكان الاستئذان في ذلك الوقت علامة على النفاق . وقوله : ( والله عليم بالمتقين ) ، شهادة لهم بالانتظام في زمرة المتقين ، وعدة لهم بأجزل الثواب .

( إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون ) ; هم المنافقون وكانوا تسعة وثلاثين رجلا . ومعنى ارتابت : شكت . ويترددون : يتحيرون ، لا يتجه لهم هدى فتارة يخطر لهم صحة أمر الرسول ، وتارة يخطر لهم خلاف ذلك .

( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ) ; قال ابن عباس : عدة من الزاد والماء والراحلة ; لأن سفرهم بعيد في زمان حر شديد . وفي تركهم العدة دليل على أنهم أرادوا التخلف . وقال قوم : كانوا قادرين على تحصيل العدة والأهبة . وروى الضحاك عن ابن عباس : العدة النية الخالصة في الجهاد . وحكى الطبري : كل ما يعد للقتال من الزاد والسلاح . وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية : عد بضم العين من غير تاء ، والفراء يقول : تسقط التاء للإضافة ، وجعل من ذلك وإقام الصلاة ; أي وإقامة الصلاة . وورد ذلك في عدة أبيات من لسان العرب ، ولكن لا يقيس ذلك ، إنما نقف فيه مع مورد السماع . قال صاحب اللوامح : لما أضاف جعل الكناية نائبة عن التاء فأسقطها ، وذلك لأن العد بغير تاء ، ولا تقديرها هو البثر الذي يخرج في الوجه . وقال أبو حاتم : هو جمع عدة كبرة وبر ودرة ودر ، والوجه فيه عدد ، ولكن لا يوافق خط المصحف . وقرأ زر بن حبيش وأبان عن عاصم : عده بكسر العين ، وهاء إضمار . قال ابن عطية : وهو عندي اسم لما يعد كالذبح والقتل للعد ، وسمي قتلا إذ حقه أن يقتل . وقرئ أيضا : عدة بكسر العين ، وبالتاء دون إضافة ; أي : عدة من الزاد والسلاح ، أو مما لهم مأخوذ من العدد . ولما تضمنت الجملة انتفاء الخروج والاستعداد ، وجاء بعدها ولكن ، وكانت لا تقع إلا بين نقيضين أو ضدين أو خلافين على خلاف فيه ، لا بين متفقين ، وكان ظاهر ما بعد لكن موافقا لما قبلها .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف موقع حرف الاستدراك ؟ قلت : لما كان قوله : ولو أرادوا الخروج معطيا معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو قيل : ولكن كره الله انبعاثهم ، كأنه قيل : ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم ، كما تقول : ما أحسن إلي زيد ولكن أساء إلي . انتهى . وليست الآية نظير هذا المثال ; لأن المثال واقع فيه لكن بين ضدين ، والآية واقع فيها ، لكن بين متفقين من جهة المعنى . والانبعاث الانطلاق والنهوض . قال ابن عباس : فثبطهم كسلهم وفتر نياتهم . وبني ( وقيل ) للمفعول ، فاحتمل أن يكون القول إذن الرسول لهم في القعود ، أو قول بعضهم لبعض إما لفظا وإما معنى ، أو حكاية عن قول الله في سابق قضائه . وقال الزمخشري : جعل إلقاء الله تعالى في قلوبهم كراهة الخروج أمرا بالقعود . وقيل : هو من قول الشيطان بالوسوسة . قال : فإن قلت : كيف جاز أن يوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهي قبيحة ، وتعالى الله عن إلهام القبيح ؟ قلت : خروجهم كان مفسدة لقوله تعالى : ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) [ ص: 49 ] فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسنا ومصلحة . انتهى .

وهذا السؤال والجواب على طريقة الاعتزال في المفسدة والمصلحة ، وهذا القول هو ذم لهم وتعجيز ، وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت ، وهم القاعدون والخالفون والخوالف ، ويبينه قوله تعالى : ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) والقعود هنا عبارة عن التخلف والتراخي كما قال :


دع المكارم لا ترحل لبغيتها     واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي



( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ) : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع ، وضرب عبد الله بن أبي عسكره أسفل منها ، ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار تخلف عنه عبد الله فيمن تخلف فنزلت بعرى . . . . الله ورسوله إلى قوله : ( وهم كارهون ) . وفيكم ؛ أي : في جيشكم أو في جملتكم . وقيل : في بمعنى مع . قال ابن عباس : الخبال الفساد ومراعاة إخماد الكلمة . وقال الضحاك : المكر والغدر . وقال ابن عيسى : الاضطراب . وقال الكلبي : الشر ، وقاله ابن قتيبة . وقيل : إيقاع الاختلاف والأراجيف ، وتقدم شرح الخبال في آل عمران . وهذا الاستثناء متصل وهو مفرغ ; إذ المفعول الثاني لزاد لم يذكر ، وقد كان في هذه الغزوة منافقون كثير ، ولهم لا شك خبال ، فلو خرج هؤلاء لتألبوا فزاد الخبال . وقال الزمخشري : المستثنى منه غير مذكور ، فالاستثناء من أعم العام الذي هو الشيء ، فكان هو استثناء متصلا ; لأن الخبال بعض أعم العام ، كأنه قيل : ما زادوكم شيئا إلا خبالا . وقيل : هو استثناء منقطع ، وهذا قول من قال : إنه لم يكن في عسكر الرسول خبال . فالمعنى : ما زادوكم قوة ولا شدة لكن خبالا . وقرأ ابن أبي عبلة : ما زادوكم بغير واو ; يعني : ما زادكم خروجهم إلا خبالا . والإيضاع الإسراع ، قال :


أرانا موضعين لأمر غيب     ونسحر بالطعام وبالشراب



ويقال : وضعت الناقة تضع وضعا ووضوعا ، قال :


يا ليتني فيها جذع     أخب فيها وأضع



قال الحسن : معناه لأسرعوا بالنميمة . وقرأ محمد بن القاسم : لأسرعوا بالفرار . ومفعول أوضعوا محذوف ، تقديره : ولأوضعوا ركائبكم بينكم ; لأن الراكب أسرع من الماشي . وقرأ مجاهد ومحمد بن زيد : ولأوفضوا ؛ أي أسرعوا كقوله : ( إلى نصب يوفضون ) وقرأ ابن الزبير : ولأرفضوا بالراء من رفض أسرع في مشيه رفضا ورفضانا ، قال حسان :


بزجاجة رفضت بما في جوفها     رفض القلوص براكب مستعجل



[ ص: 50 ] وقال غيره :


والرافضات إلى منى فالقبقب



والخلال جمع الخلل ، وهو الفرجة بين الشيئين . وقال الأصمعي : تخللت القوم دخلت بين خللهم وخلالهم ، وجلسنا خلال البيوت وخلال الدور ; أي : بينها . ويبغون حال ؛ أي : باغين . قال الفراء : يبغونها لكم . والفتنة هنا الكفر قاله مقاتل ، وابن قتيبة ، والضحاك ، أو العيب والشر قاله : الكلبي ، أو تفريق الجماعة ، أو المحنة باختلاف الكلمة ، أو النميمة . وقال الزمخشري : يحاولون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ، ويفسدوا نياتكم في مغزاكم . وفيكم سماعون لهم ; أي : نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم ، أو فيكم قوم يستمعون للمنافقين ويطيعونهم . انتهى . فاللام في القول الأول للتعليل ، وفي الثاني لتقوية التعدية كقوله : ( فعال لما يريد ) والقول الأول قاله : سفيان بن عيينة ، والحسن ، ومجاهد ، وابن زيد ، قالوا : معناه جواسيس يستمعون الأخبار وينقلونها إليهم ، ورجحه الطبري . والقول الثاني قول الجمهور ، قالوا : معناه وفيكم مطيعون سماعون لهم . ومعنى وفيكم في خلالكم منهم ، أو منكم ممن قرب عهده بالإسلام . والله عليم بالظالمين يعم كل ظالم . ومعنى ذلك : أنه يجازيه على ظلمه . واندرج فيه من يقبل كلام المنافقين ، ومن يؤدي إليهم أخبار المؤمنين ، ومن تخلف عن هذه الغزاة من المنافقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية