( 2 ) : الإسلام دين العقل والفكر
تقرأ قاموس الكتاب المقدس فلا تجد فيه كلمة ( ( العقل ) ) ولا ما في معناها من أسماء هذه الغريزة البشرية التي فضل الإنسان بها جميع أنواع هذا الجنس الحي كاللب والنهى ، ولا أسماء التفكر والتدبر والنظر في العالم التي هي أعظم وظائف العقل ، ولا أن الدين موجه إليه ، وقائم به وعليه . أما ذكر العقل باسمه وأفعاله في القرآن الحكيم فيبلغ زهاء خمسين مرة ، وأما ذكر ( ( أولي الألباب ) ) ففي بضع عشرة مرة ، وأما كلمة ( ( أولي النهى ) ) أي العقول فقد جاءت مرة واحدة من آخر سورة طه .
أكثر ما ذكر فعل العقل في القرآن قد جاء في الكلام على آيات الله ، وكون المخاطبين والذين يفهمونها ويهتدون بها العقلاء ، ويراد بهذه الآيات في الغالب آيات الكون الدالة على علم الله ومشيئته وحكمته ورحمته ، كقوله تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) ( 2 : 164 ) ويلي ذلك في الكثرة آيات كتابه التشريعية ووصاياه ، كقوله في تفصيل الوصايا الجامعة من أواخر سورة الأنعام : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) ( 6 : 151 ) وكرر قوله : ( أفلا تعقلون ) أكثر من عشر مرار كأمر لرسوله أن يحتج على قومه بكون القرآن من عند الله لا من عنده بقوله : ( فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون ) ( 10 : 16 ) وجعل إهمال استعمال العقل سبب عذاب الآخرة بقوله في أهل النار من سورة الملك : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ( 67 : 10 ) وفي معناه قوله تعالى من سورة الأعراف : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) ( 7 : 179 ) وقوله في سورة الحج : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) ( 22 : 46 ) الآية .
كذلك آيات النظر العقلي والتفكر والتفكير كثيرة في الكتاب العزيز ، فمن تأملها علم أن أهل هذا الدين هم أهل النظر والتفكر والعقل والتدبر ، وأن الغافلين الذين يعيشون كالأنعام لا حظ لهم منه إلا الظواهر التقليدية ، التي لا تزكي الأنفس ولا تصعد بها في معارج الكمال ، بعرفان ذي الجلال والجمال ، ومنها قوله تعالى : ( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ) ( 34 : 46 ) [ ص: 203 ] وقوله : ( أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ) ( 30 : 8 ) وقوله في صفات العقلاء أولي الألباب : ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) ( 3 : 191 ) وقوله بعد نفي علم الغيب والتصرف في خزائن الأرض عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحصر وظيفته في اتباع الوحي : ( قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون ) ( 6 : 50 ) .
وقد صرح بعض حكماء الغرب ، بما لا يختلف فيه عاقلان في الأرض ، من أن التفكر هو مبدأ ارتقاء البشر ، وبقدر جودته يكون تفاضلهم فيه اهـ . وقد كانت التقاليد الدينية حجرت حرية التفكر واستقلال العقل على البشر حتى جاء الإسلام فأبطل بكتابه هذا الحجر ، وأعتقهم من هذا الرق ، وقد تعلم هذه الحرية أمم الغرب من المسلمين ، ثم نكس هؤلاء المسلمون على رءوسهم فحرموها على أنفسهم ، حتى عاد بعضهم يقلدون فيها من أخذوها عن أجدادهم .