الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ومن نحر ناقة أو ذبح بقرة فوجد في بطنها جنينا ميتا لم يؤكل أشعر أو لم يشعر ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول زفر والحسن بن زياد رحمهما اللهوقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللهإذا تم خلقه أكل ، وهو قول الشافعي رحمه الله لقوله عليه الصلاة والسلام : { ذكاة الجنين ذكاة [ ص: 50 ] الأم }ولأنه جزء من الأم حقيقة لأنه متصل بها حتى يفصل بالمقراض ، ويتغذى بغذائها ويتنفس بتنفسها وكذا حكما حتى يدخل في البيع الوارد على الأم ويعتق بإعتاقها ، وإذا كان جزءا منها فالجرح في الأم ذكاة له عند العجز عن ذكاته كما في الصيد وله أنه أصل في الحياة حتى تتصور حياته بعد موتها ، وعند ذلك يفرد بالذكاة ولهذا يفرد بإيجاب الغرة ويعتق بإعتاق مضاف إليه ، وتصح الوصية له وبه وهو حيوان دموي ، وما هو المقصود من الذكاة وهو الميز بين الدم واللحم لا يتحصل بجرح الأم ، إذ هو ليس بسبب لخروج الدم عنه فلا يجعل تبعا في [ ص: 51 ] حقه بخلاف الجرح في الصيد ; لأنه سبب لخروجه ناقصا فيقام مقام الكامل فيه عند التعذر ، وإنما يدخل في البيع تحريا لجوازه كي لا يفسد باستثنائه ، ويعتق بإعتاقها كي لا ينفصل من الحرة ولد رقيق .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الرابع عشر : قال عليه السلام : { ذكاة الجنين ذكاة أمه } ; قلت : روي من حديث الخدري ; ومن حديث جابر ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث ابن عمر ; ومن حديث أبي أيوب ; ومن حديث ابن مسعود ; ومن حديث ابن عباس ; ومن حديث كعب بن مالك ; ومن حديث أبي الدرداء ، وأبي أمامة ; ومن حديث علي .

                                                                                                        فحديث الخدري : أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه عن مجالد عن أبي الوداك عن الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : ذكاة الجنين ذكاة أمه }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن ، وهذا لفظه ، ولفظ أبي داود ، قال : { قلنا : يا رسول الله ، ننحر الناقة ، ونذبح البقرة ، أو الشاة ، في بطنها الجنين ، أنلقيه أم نأكل ؟ فقال : كلوه إن شئتم ، فإن ذكاته ذكاة أمه }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، وأحمد في " مسنده " في النوع الثالث والأربعين ، من القسم الثالث عن يونس بن أبي إسحاق عن ابن أبي الوداك به ، ورواه الدارقطني في " سننه " ، وزاد : { أشعر ، أو لم يشعر }.

                                                                                                        وقال : الصحيح أنه موقوف ، قال المنذري : إسناده حسن ، ويونس وإن تكلم فيه فقد احتج به [ ص: 50 ] مسلم في " صحيحه " انتهى .

                                                                                                        وأما حديث جابر : فأخرجه أبو داود عن عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي عن أبي الزبير عن جابر عن عبد الله { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ذكاة الجنين ذكاة أمه } ، انتهى .

                                                                                                        وعبيد الله بن أبي زياد القداح فيه مقال ; ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا عبد الأعلى ثنا حماد بن شعيب عن أبي الزبير عن جابر ، مرفوعا نحوه . وأما حديث أبي هريرة : فأخرجه الحاكم في " المستدرك " عن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، وقال : إسناد صحيح ، وليس كما قال ، فعبد الله بن سعيد المقبري متفق على ضعفه ، وأخرجه الدارقطني عن عمر بن قيس عن عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة ، قال عبد الحق : لا يحتج بإسناده ، قال ابن القطان : وعلته عمر بن قيس وهو المعروف بسندل ، فإنه متروك . وأما حديث ابن عمر : فأخرجه أيضا عن محمد بن الحسن الواسطي عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، ورجاله رجال الصحيح ، وليس فيه غير [ ص: 51 ] ابن إسحاق ، وهو مدلس ، ولم يصرح بالسماع ، فلا يحتج به ، ومحمد بن الحسن الواسطي ذكره ابن حبان في " الضعفاء " ، وروى له هذا الحديث ، وله طريق آخر عند الدارقطني عن عصام بن يوسف عن مبارك بن مجاهد عن عبيد الله بن عمر عن نافع به ، قال ابن القطان : وعصام رجل لا يعرف له حال ، وقال في " التنقيح " : مبارك بن مجاهد ضعفه غير واحد . وأما حديث أبي أيوب : فرواه الحاكم أيضا عن شعبة عن ابن أبي ليلى عن أخيه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعا قال الحاكم : ربما توهم متوهم أن حديث أبي أيوب صحيح ، وليس كذلك ، ومن تأمل هذا الباب قضى فيه العجب أن الشيخين لم يخرجاه في " الصحيح " ، انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ابن مسعود : فأخرجه الدارقطني عن علقمة عنه ، قال : أراه رفعه ، ورجاله رجال الصحيح ، إلا أن شيخ شيخه أحمد بن الحجاج بن الصلت قال : شيخنا الذهبي في " ميزانه " : هو آفة . وأما حديث ابن عباس : فأخرجه الدارقطني أيضا عن موسى بن عثمان الكندي عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس ، وموسى هذا قال ابن القطان : هو مجهول . وأما حديث كعب بن مالك : فأخرجه الطبراني في " معجمه " عن إسماعيل بن مسلم عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك ، مرفوعا [ ص: 52 ] نحوه ، قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : إسماعيل بن مسلم المكي أبو ربيعة ضعيف ، ضعفه ابن المبارك ، وتركه يحيى ، وعبد الرحمن بن مهدي ، روي عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه مرفوعا ، فذكره ، قال : وإنما هو عن الزهري ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه ، هكذا قاله ابن عيينة ، وغيره من الثقات ، وليس هذا هو إسماعيل بن مسلم البصري العبدي ، صاحب المتوكل ، ذاك ثقة انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أبي أمامة ، وأبي الدرداء : فأخرجه البزار في " مسنده " عن بشر بن عمارة عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء ، وأبي أمامة ، قالا : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذكاة الجنين ذكاة أمه }انتهى .

                                                                                                        قال البزار : وقد روي هذا الحديث من وجوه عن أبي سعيد ، وأبي أيوب ، وغيرهما ، وأعلى من رواه أبو الدرداء انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " إلا أنه قال : عن راشد بن سعد ، عن خالد بن معدان ، وكذلك فعل ابن عدي في " الكامل " ، ولين بشر بن عمارة ، ثم قال : وهو عندي حديثه إلى الاستقامة أقرب ، ولا أعرف له حديثا منكرا انتهى .

                                                                                                        وأما حديث علي : فأخرجه الدارقطني عن الحارث عنه ، والحارث معروف ، وفيه أيضا موسى بن عثمان الكندي ، قال ابن القطان : مجهول ، قال عبد الحق في " أحكامه " : هذا حديث لا يحتج بأسانيده كلها ، وأقره ابن القطان عليه ، وقال المنذري في " مختصره " : وقد روى هذا الحديث بعضهم لغرض له : { ذكاة الجنين ذكاة أمه } ، بنصب ذكاة الثانية ، لتوجب ابتداء الذكاة فيه إذا خرج ، ولا يكتفي بذكاة أمه ، وليس بشيء ، وإنما هو بالرفع ، كما هو المحفوظ عن أئمة هذا الشأن ، وأبطله بعضهم بقوله : فإن ذكاته ذكاة أمه ; لأنه تعليل لإباحته من غير إحداث ذكاة ، وقال ابن المنذر : لم يرو عن أحد من الصحابة والتابعين ، وسائر العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه ، إلا ما روي عن [ ص: 53 ] أبي حنيفة ، ولا أحسب أصحابه وافقوه عليه انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية