الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 286 ] ( وفي الجامع الصغير : فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه ) قال رضي الله عنه : معناه أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر هذا الجواب في الوجهين بالاتفاق ، لأن الاستيفاء عنده باعتبار الوزن وعندهما باعتبار القيمة ، وهي مثل الدين في الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير بقدر الدين مستوفيا ( فإن كانت قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف ) المذكور ، لهما : أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن ، ولا إلى اعتبار القيمة ، لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين ، بخلاف الجنس لينتقض القبض ويجعل مكانه ثم يتملكه ، وله : أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها ، واستيفاء الجيد بالرديء جائز كما إذا تجوز به ، وقد حصل الاستيفاء بالإجماع ، ولهذا يحتاج إلى نقضه ، ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان ، لأنه لا بد له من مطالب ومطالب ، وكذا الإنسان لا يضمن ملك نفسه ، ويتعذر التضمين بتعذر النقض ، وقيل هذه فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد فهلكت ثم علم بالزيافة يمنع الاستيفاء ، وهو معروف ، غير أن البناء لا يصح على ما هو المشهور ، لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة رحمه الله ، وفي هذا مع أبي يوسف رحمه الله ، والفرق لمحمد رحمه الله أنه قبض الزيوف ليستوفي من عينها والزيافة لا تمنع الاستيفاء وقد تم بالهلاك وقبض الرهن ليستوفي من محل آخر ، فلا بد من نقض القبض ، وقد أمكن عنده بالتضمين ، ولو انكسر الإبريق ففي الوجه الأول ، وهو ما إذا كانت قيمته مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله: لا يجبر على الفكاك ، لأنه لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين لأنه يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد ، ولا إلى أن يفتكه مع النقصان لما فيه من الضرر فخيرناه إن شاء افتكه بما فيه ، وإن شاء ضمنه قيمته من جنسه أو خلاف جنسه ، وتكون رهنا عند المرتهن والمكسور للمرتهن بالضمان ، وعند محمد رحمه الله : إن شاء افتكه ناقصا وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك ، وهذا لأنه لما تعذر الفكاك مجانا صار بمنزلة الهلاك ، وفي الهلاك [ ص: 287 ] الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع ، فكذا فيما هو في معناه . قلنا : الاستيفاء عند الهلاك بالمالية وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة ثم تقع المقاصة ، وفي جعله بالدين إغلاق الرهن ، وهو حكم جاهلي فكان التضمين بالقيمة أولى ، وفي الوجه الثالث . وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه ، وتكون رهنا عنده وهذا بالاتفاق ، أما عندهما فظاهر ، وكذلك عند محمد رحمه الله ، لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك والهلاك عنده بالقيمة ، وفي الوجه الثاني وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر عند أبي حنيفة رحمه الله : يضمن جميع قيمته وتكون رهنا عنده ، لأن العبرة للوزن عنده لا للجودة والرداءة ، فإن كان باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا ، وإن كان بعضه فبعضه ، وهذا لأن الجودة تابعة للذات ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة ، وعند أبي يوسف رحمه الله : يضمن خمسة أسداس قيمته ، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه يفرز ، حتى لا يبقى الرهن شائعا ، ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا ، فعنده تعتبر الجودة والرداءة ، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر ، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها ، حتى تعتبر عند المقابلة بخلاف جنسها ، وفي تصرف المريض وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها سمعا فأمكن اعتبارها ، وفي بيان قول محمد رحمه الله نوع طول يعرف في موضوعه من المبسوط والزيادات مع جميع شعبها .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية