الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض سقط حق الباقين عن القصاص وكان لهم نصيبهم من الدية ) وأصل هذا أن القصاص حق جميع الورثة وكذا الدية خلافا لمالك والشافعي رحمهما اللهفي الزوجين . لهما أن الوراثة خلافة وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت . [ ص: 357 - 358 ] ولنا { أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم } ، ولأنه حق يجري فيه الإرث حتى إن من قتل ، وله ابنان فمات أحدهما عن ابن كان القصاص بين الصلبي وابن الابن فيثبت لسائر الورثة ، والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث ، أو يثبت بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح ، وإذا ثبت للجميع فكل منهم يتمكن من الاستيفاء والإسقاط عفوا وصلحا ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه ، لأنه لا يتجزأ بخلاف ما إذا قتل رجلين وعفا أحد الوليين ، لأن الواجب هناك قصاصان من غير شبهة لاختلاف القتل ، والمقتول ، وهاهنا واحد لاتحادهما ، وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا ، لأنه امتنع [ ص: 359 ] لمعنى راجع إلى القاتل ، وليس للعافي شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه ثم يجب ما يجب من المال في ثلاث سنين . وقال زفر رحمه الله : يجب في سنتين فيما إذا كان بين الشريكين وعفا أحدهما لأن الواجب نصف الدية فيعتبر بما إذا قطعت يده خطأ . ولنا أن هذا بعض بدل الدم وكله مؤجل إلى ثلاث سنين فكذلك بعضه والواجب في اليد كل بدل الطرف وهو في سنتين في الشرع ويجب في ماله لأنه عمد .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي ، من عقل [ ص: 359 ] زوجها أشيم }; قلت : روي من حديث الضحاك بن سفيان ; ومن حديث المغيرة بن شعبة .

                                                                                                        فحديث الضحاك بن سفيان : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر أنه كان يقول : الدية للعاقلة ، لا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى قال الضحاك بن سفيان : { كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها } ، فرجع عمر انتهى . أخرجه أبو داود ، والنسائي في " الفرائض " ، وابن ماجه في " الديات " ، والترمذي فيهما وقال : حديث حسن صحيح ; ورواه أحمد في " مسنده " حدثنا سفيان به ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب ، قال : ما أرى الدية إلا للعصبة ، لأنهم يعقلون عنه ، فهل سمع أحد منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا ؟ فقال الضحاك بن سفيان الكلابي ، وكان عليه السلام استعمله على الأعراب : كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها } ، فأخذ به عمر انتهى .

                                                                                                        أخبرنا ابن جريج عن الزهري به ، وزاد : وكان قتل خطأ ، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ، وابن راهويه في " مسنده " ، وصحح عبد الحق في " أحكامه " هذا الحديث ، وتعقبه ابن القطان في " كتابه " وقال : إن ابن المسيب لم يسمع من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن ، ومن الناس من أنكر سماعه منه البتة انتهى . [ ص: 360 ]

                                                                                                        وأما حديث المغيرة : فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن عبد الله الشعيثي عن زفر بن وثيمة عن المغيرة بن شعبة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته }انتهى . وزفر بن وثيمة مجهول الحال ، قاله ابن القطان ، وتفرد عنه الشعيثي ، قال الذهبي : وثقه ابن معين ، ودحيم ، ثم أخرجه عن محمد بن عبد الله الشعيثي عن زفر بن وثيمة عن المغيرة بن شعبة أن زرارة بن جزء . قال لعمر بن الخطاب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث ، الحديث . قال الدارقطني في " كتاب المؤتلف ، والمختلف " : وزرارة بن جزء له صحبة ، روى عنه المغيرة بن شعبة ، قال : وهو بكسر الجيم هكذا يعرفه أصحاب الحديث ، وأهل العربية يقولون : بفتح الجيم ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن عبد الله الشعيثي عن زفر بن وثيمة البصري عن المغيرة بن شعبة { أن أسعد بن زرارة الأنصاري قال لعمر بن الخطاب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها }انتهى .

                                                                                                        قال الطبراني : وأسعد بن زرارة صحابي ، يكنى أبا أمامة ، توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية