الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 320 ]

                قالوا : ندب في أول الوقت ، لجواز تركه فيه . واجب في آخره لعدم ذلك .

                قلنا : الندب يجوز تركه مطلقا ، وهذا بشرط العزم على فعله ، فليس بندب ، بل موسع في أوله مضيق عند بقاء قدر فعله .

                قالوا : لو غفل عن العزم ومات ، لم يعص .

                قلنا : لأن الغافل غير مكلف ، حتى لو تنبه له ، واستمر على تركه عصى .

                التالي السابق


                " قالوا : ندب في أول الوقت " إلى آخره ، هذا دليل آخر لهم .

                وتقريره : أن الموسع مندوب في أول الوقت ، لأنه يجوز تركه فيه ، وكل ما جاز تركه في وقت ، فليس بواجب فيه . وإذا ثبت أنه غير واجب في أول الوقت ، فهو واجب في آخره ، لعدم ذلك ، أي : لعدم جواز تركه ، وهو المطلوب .

                واعلم أن في تقرير الدليل المذكور نظرا لفظيا ، وهو أن وجه تقريره على لفظه ، أن الموسع ندب في أول الوقت ، لأنه يجوز تركه ، وما جاز تركه ، فهو ندب ، لكنه يبطل بالمباح والمكروه والحرام ، إذ كلها يجوز تركها ، وليست ندبا ، ووجه تصحيحه ، ما أشرنا إليه في تقريره ، وهو أن معنى قولنا : ندب : أنه غير واجب ، فتقريره إذا هكذا :

                الموسع غير واجب في أول الوقت ، لأنه يجوز تركه فيه ، وكل ما جاز تركه فهو غير واجب .

                " قلنا " : لا نسلم أنه ندب في أوله ، ولا أنه غير واجب . قولكم : لأنه يجوز تركه ، قلنا : مطلقا أو بشرط العزم . الأول ممنوع ، والثاني مسلم . ولا يلزم منه أن [ ص: 321 ] يكون ندبا ، لأن الندب يجوز تركه مطلقا ، والموسع إنما يجوز تركه بشرط العزم على فعله ، فليس بندب ، بل موسع في أوله لجواز تركه ، مضيق في آخره عند بقاء قدر فعله .

                وذلك لأن الفعل : إما أن يعاقب على تركه مطلقا ، وهو المضيق ، أو لا يعاقب على تركه مطلقا ، وهو الندب ، أو يعاقب على تركه في جميع الوقت لا في بعض أجزائه ، وهو الواجب الموسع .

                سميناه واجبا للحوق العقاب على تركه بالجملة ، وسميناه موسعا لحصول التوسعة في وقته عن قدر فعله ، وعلى المكلف في جواز تأخيره في بعض أجزاء وقته .

                " قالوا : لو غفل عن العزم ومات لم يعص " . أي : ولو كان العزم واجبا لعصى بموته وهو تارك له ، لأن تارك الواجب عاص .

                قلنا : إنما لم يعص بذلك ، لأن الغافل غير مكلف ، لما سبق في مسألة النائم والناسي ، حتى إن هذا الغافل لو تنبه للعزم واستمر على تركه عصى ، لما سبق تقريره في وجوب العزم . وتارك الواجب إنما يكون عاصيا إذا لم يكن معذورا . وهذا معذور بالغفلة ، فلا يكون عاصيا .




                الخدمات العلمية