الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 207 ]

                لنا : القطع بالجواز ، بشرط تقديم الإسلام ، كأمر المحدث بالصلاة ، بشرط تقديم الطهارة . ومنع الأصل ، يستلزم أن لو ترك الصلاة عمره لا يعاقب إلا على ترك الوضوء . والإجماع على خلافه والنص ، نحو ولله على الناس حج البيت ياأيها الناس اعبدوا .

                التالي السابق


                قوله : " لنا القطع بالجواز بشرط تقديم الإسلام " إلى آخره . يعني أن النزاع في المسألة ، إما في جوازها عقلا ، أو في وقوعها شرعا .

                أما الجواز عقلا ، فمقطوع به ، إذ لا يمتنع أن يقال : أنتم مأمورون بالصلاة والزكاة ونحوهما ، بشرط أن تقدموا الشهادتين ، كما أن المحدث مأمور بالصلاة بشرط تقديم الطهارة التي هي من شروط صحة الصلاة .

                قوله : " ومنع الأصل " إلى آخره ، أي : منع أن المحدث مخاطب بالصلاة بشرط تقديم الطهارة ، " يستلزم أن " المحدث " لو ترك الصلاة عمره لا يعاقب إلا على ترك الوضوء " لأنه حينئذ ليس مأمورا بغيره ، ثم إذا فعله أمر بالصلاة " والإجماع خلافه " أي : خلاف أنه لا يعاقب إلا على ترك الوضوء ، بل يعاقب على جميع الصلوات الفائتة طول عمره ، وذلك يدل على أنه مكلف بها .

                وفرع الشيخ أبو محمد وغيره على هذا الإلزام ، أن المحدث لو توضأ وترك الصلاة ، يلزم أن لا يعاقب إلا على تكبيرة الإحرام ، لاشتراط تقديمها ، وهو إلزام غير جيد ، لأن التكبيرة جزء الصلاة ، وليست حقيقة مستقلة منفردة عنها ، كالوضوء ، اللهم إلا أن ينزلوا أجزاءها منزلة الحقائق المستقلة ، مؤاخذة بما اقتضاه لفظ الخصم من [ ص: 208 ] اشتراط التقديم ، وجزء الشيء يتقدمه ، ويتوقف الشيء عليه . وبالجملة : هذا تدقيق ، ليس وراءه تحقيق ، إنما هو من باب إعنات الخصم .

                وقولي : " ومنع الأصل " أي : منع حكم المحدث المذكور ، يستلزم ما قررناه ، لأنا جعلنا حكم المحدث - وهو تكليفه بالصلاة - بشرط تقديم الوضوء ، أصلا لحكم الكافر - وهو تكليفه بالفروع - بشرط تقديم الإيمان .

                قال الكناني في " مطالع الأحكام " : مأخذ المسألة ، أنه ليس في ترتيب الثواني على الأوائل ما يخرجها عن أن تكون ممكنة .

                قلت : معناه ، أن ترتيب التكليف على اشتراط تقديم الإيمان ، هو ترتيب أمر ثان على وجود أمر أول ، وليس ذلك ممتنعا ، ولا موجبا للامتناع ، كالآحاد المترتبة في مراتب العدد ، فإن كل واحد منها مترتب الوجود على ما قبله ، الثاني على الأول ، والثالث على الثاني ، وهلم جرا .

                قال أيضا : وإذا ثبت معاقبتهم على ترك الإيمان إجماعا فلتصح معاقبتهم على ترك الصلاة ، إذا مضى من الوقت ما يسع الفعل الأول ، يعني إذا مضى من وقت التكليف ببلاغ الخطاب ما يسع فعل الإيمان ، بأن يقول الكافر : آمنت ، أو يأتي بالشهادتين ، أو يعتقد ذلك .

                قوله : " والنص " إلى آخره . هو عطف على قوله : القطع ، في قوله : " لنا ، القطع بالجواز " أي : لنا القطع بالجواز والنص على الوقوع المستلزم للجواز ، نحو قوله سبحانه وتعالى : ولله على الناس حج البيت [ آل عمران : 97 ] ، وقوله [ ص: 209 ] سبحانه وتعالى : ياأيها الناس اعبدوا ربكم [ البقرة : 21 ] . وسائر الخطاب الوارد بلفظ الناس ، وهو عام في المؤمنين والكفار ، بل هو في الأصل للكفار ، لأن العالم كلهم كانوا كفارا قبل ورود الخطاب ، فلما ورد لم يرد إلا على كافر ، فهدى الله سبحانه وتعالى لاتباعه بعضا دون بعض .

                والحج في الآية الأولى من فروع الإسلام ، والعبادة في الثانية تعم جميع الفروع والأصول ، لأنها في اللغة التذلل ، وفي الشرع التذلل بمتابعة مرسوم الشرع من أمر أو نهي .




                الخدمات العلمية