الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 499 ]

                قلنا : فهم مقصوده بالقرائن والتكرير ، فلا ضرورة إلى التوقيف . ثم هي اجتهادية ، فلعله قصد إيصال ثواب الاجتهاد لأهله . ثم يبطل بكثير من الأحكام .

                التالي السابق


                قوله : " قلنا : فهم مقصوده بالقرائن والتكرير ، فلا ضرورة إلى التوقيف " .

                تقرير هذا الجواب : أنا لا نسلم انحصار طريق تعريف الأمة بوضع هذه الحقائق فيما ذكرتم من العقل والنقل ، حتى ينتفي التعريف بانتفائها ، بل ثم طريق آخر ، وهو فهم الأمة مقصوده ، بتكرير استعماله لتلك الألفاظ في تلك المعاني الشرعية مرة بعد أخرى ، وتضافر القرائن المختصة باستعماله لتلك الألفاظ في تلك المعاني على أنه وضعها لها . وهذا كما يفهم الأطفال لغة آبائهم بالتكرار والقرائن ، لا بالعقل ولا بالنقل ، وحينئذ يكون قد عرفهم بالوضع المذكور ، فلا نسلم انتفاء اللازم في الملازمة المذكورة ، ثم إن أصل حجة الخصم مبني على امتناع تكليف ما لا يطاق ، وهو ممنوع ، وقد سبق الكلام فيه .

                قوله : " ثم هي اجتهادية " ، إلى آخره .

                هذا منع على الملازمة التي قرروها .

                وتقريره : لا نسلم أن الشارع لو وضع الأسماء الشرعية ، لوجب أن يعرف الأمة بذلك ، لأن هذه المسألة اجتهادية ، فلعله - يعني الشارع - يحتمل أنه قصد بعدم تعريفهم ذلك توفر دواعي المجتهدين على البحث فيها ، ليحصل لهم ثواب الاجتهاد . والفرق بين المسائل الاجتهادية والقطعية : أن الاجتهادية يكتفى فيها بالاعتقاد الظني ، والقطعيات يجب فيها الاعتقاد القطعي ، والظن والقطع فيهما تابع [ ص: 500 ] للدليل ، وقد استقصيت بيان هذا في آخر كتاب " التحسين والتقبيح " ، وهو من المهمات .

                قوله : " ثم يبطل بكثير من الأحكام " ، أي : دليلهم الذي قرروه بالملازمة المذكورة يبطل بكثير من الأحكام التي حكم بها الشارع ، ولم يوصلها إلى الأمة بطريق علمي ، وليس وضع الأسماء للمسميات أهم ولا أشد حكما من إنشاء الأحكام المتعلقة بالأفعال والذوات ، فإن كان عدم تعريف الأمة بوضع الأسماء للمعاني الشرعية بطريق علمي يلزم منه تكليف ما لا يطاق ، فكذلك سائر الأحكام التي أنشأها ولم يعرفهم إياها بطريق علمي يلزم منه ذلك .

                فإن قيل : الفرق أن مسألة قطعية ، ثم رتبنا عليه هذا الإلزام . والدليل على أنها ليست قطعية : أنها لو كانت قطعية لنصب عليها دليل قاطع ، يثبت القطع فيها بمثله ، كأدلة التوحيد والنبوات ونحوه ، والإلزام : تكليف ما لا يطاق ، لكن الدليل القاطع فيها منتف قطعا ، وإلا لما وقع هذا النزاع ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




                الخدمات العلمية