ذكر الحديث عن وفرض الصلاة مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه
قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري ، أخبركم الشيخان أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة ، وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة ، قالا : أخبرنا قراءة عليه ونحن نسمع أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي بأصبهان ، أخبرنا أبو نصر إبراهيم بن محمد بن علي الأصبهاني الكسائي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن علي الوساوسي ، حدثنا ، عن ضمرة بن ربيعة يحيى بن أبي عمرو الشيباني ، عن ، عن أبي صالح مولى أم هانئ ، قالت : أم هانئ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي ، فقال : أشعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام ، فأتاني جبريل عليه السلام فذهب بي إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل ، مضطرب الأذنين ، فركبته ، فكان يضع حافره مد بصره ، إذا أخذ في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه ، وإذا أخذ في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه ، وجبريل عليه السلام لا يفوتني ، حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ، فنشر لي رهط من الأنبياء ، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، فصليت بهم وكلمتهم ، وأتيت بإناءين أحمر وأبيض ، فشربت الأبيض ، فقال لي جبريل عليه السلام : شربت اللبن وتركت الخمر ، لو شربت الخمر لارتدت أمتك . ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة .
فتعلقت بردائه وقلت : أنشدك الله ابن عم إن تحدث بها قريشا ، فيكذبك من [ ص: 242 ] صدقك . فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي ، فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق ردائه ، وكأنه طي القراطيس وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصري ، فخررت ساجدة ، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج ، فقلت لجاريتي نبعة : ويحك ! اتبعيه فانظري ماذا يقول ؟ وماذا يقال له ؟ فلما رجعت نبعة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم فيهم المطعم بن عدي بن نوفل ، وعمرو بن هشام ، والوليد بن المغيرة . فقال : إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد ، وصليت به الغداة ، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس ، فنشر لي رهط من الأنبياء ، منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، فصليت بهم وكلمتهم . فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ ، صفهم لي . فقال : أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل ، عريض الصدر ، ظاهر الدم ، جعد الشعر ، يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي ، وأما موسى عليه السلام فضخم آدم ، طويل كأنه من رجال شنوءة ، كثير الشعر ، غائر العينين ، متراكب الأسنان ، مقلص الشفتين ، خارج اللثة ، عابس ، وأما إبراهيم عليه السلام فوالله لأشبه الناس بي خلقا وخلقا ، فضجوا وأعظموا ذلك ، فقال المطعم بن عدي بن نوفل : كل أمرك قبل اليوم كان أمما ، غير قولك اليوم ، أشهد أنك كاذب ، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا ، تزعم أنك أتيته في ليلة ، واللات والعزى لا أصدقك ، وما كان هذا الذي تقول قط . وكان للمطعم بن عدي حوض على زمزم ، أعطاه إياه عبد المطلب فهدمه ، فأقسم باللات والعزى لا يسقي منه قطرة أبدا ، فقال رضي الله عنه : يا أبو بكر مطعم ، بئس ما قلت لابن أخيك ، جبهته وكذبته ، أنا أشهد أنه صادق . فقال : يا محمد ، صف لنا بيت المقدس . قال : دخلته ليلا وخرجت منه ليلا . فأتاه جبريل عليه السلام فصوره في جناحه ، فجعل يقول باب منه كذا في موضع كذا ، وباب منه كذا في موضع كذا ، رضي الله عنه يقول : صدقت صدقت . قالت وأبو بكر نبعة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ : يا إن الله عز وجل قد سماك أبا بكر الصديق . [ ص: 243 ] قالوا : يا مطعم دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس ، يا محمد : أخبرنا عن عيرنا . فقال : أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم ، وانطلقوا في طلبها ، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد ، وإذا قدح ماء فشربت منه ، فسلوهم عن ذلك . فقالوا : هذه واللات والعزى آية ، ثم انتهيت إلى عير بني فلان فنفرت مني الإبل ، وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق ، مخطط ببياض ، لا أدري أكسر البعير أم لا ، فاسألوهم عن ذلك . فقالوا : هذه والآلهة آية . ثم انتهيت إلى عير بني فلان بالأبواء ، يقدمها جمل أورق ، ها هي تطلع عليكم من الثنية . فقال الوليد بن المغيرة : ساحر . فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال ، فرموه بالسحر . وقالوا : صدق الوليد بن المغيرة فيما قال ، وأنزل الله تبارك وتعالى ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) . قلت يا ما الشجرة الملعونة في القرآن ؟ قالت : الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغيانا كبيرا أم هانئ .