وصلاته إلى القبلة وذكر البراء بن معرور العقبة الثالثة ذكر
قال : ثم إن ابن إسحاق رجع إلى مصعب بن عمير مكة ، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، فحدثني معبد بن كعب بن مالك أن أخاه عبد الله ، وكان من أعلم الأنصار ، حدثه أن أباه كعبا حدثه ، وكان ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، قال : خرجنا في حجاج قومنا من المشركين ، وقد صلينا وفقهنا ومعنا سيدنا وكبيرنا ، فلما وجهنا لسفرنا وخرجنا من البراء بن معرور المدينة ، قال البراء لنا : يا هؤلاء ! إني قد رأيت رأيا والله ما أدري أتوافقوني عليه أم لا ؟ قال : قلنا وما ذاك ؟ قال : رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر - يعني الكعبة - وأن أصلي إليها . قال : قلنا : والله ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه . قال : فقال : إني لمصل إليها . قال : قلنا له : لكنا لا نفعل . قال : فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة . قال : وقد كنا عبنا عليه ما صنع ، وأبى إلا الإقامة على ذلك . قال : فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابن أخي ! انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء ، لما رأيت من خلافكم إياي فيه . قال : فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلا من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : هل تعرفانه ؟ قلنا : لا . قال : فهل تعرفان عمه ؟ قلنا : نعم . قال : وكنا نعرف العباس بن عبد المطلب العباس ، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا . قال : فإذا دخلتما المسجد هو الرجل الجالس مع العباس .
قال : فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين [ ص: 272 ] يا أبا الفضل ؟ قال : نعم . هذا سيد قومه ، وهذا البراء بن معرور . قال : فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشاعر ؟ قال : نعم . قال : فقال له كعب بن مالك : يا نبي الله ! إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام ، فرأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها ، وخالفني أصحابي في ذلك ، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . فرجع البراء بن معرور البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى إلى الشام ، وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات ، وليس كما قالوا ، نحن أعلم به منهم .
ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر ، سيد من ساداتنا ، أخذناه وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ، ثم دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة . قال : فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا .
فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل ؛ خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسلل القطا ، مستخفين . حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا : إحدى نساء نسيبة بنت كعب أم عمارة بني مازن بن النجار ، وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة ، وهي أم منيع . قال : فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه ، وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له . فلما جلس كان أول متكلم . فقال : يا معشر العباس بن عبد المطلب الخزرج وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج - خزرجها وأوسها - إن محمدا منا حيث قد علمتم ، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده ، وأنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما [ ص: 273 ] دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك ، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده . قال : فقلنا له قد سمعنا ما قلت . فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت . قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ، ودعا إلى الله ، ورغب في الإسلام ، ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . قال : فأخذ بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر . قال : فاعترض القول - البراء بن معرور والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم - أبو الهيثم بن التيهان ، فقال : يا رسول الله ! إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : بل الدم الدم والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا ، يكونون على قومهم بما فيهم . فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس .
فمن الخزرج ثم من بني النجار : أسعد بن زرارة بن عدس . ومن بني مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر . وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر . ومن بني زريق : رافع بن مالك بن العجلان . ومن بني سلمة ، ثم بني حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام . ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد . وعن بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب [ ص: 274 ] بن الخزرج : سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف . ومن بني ثعلبة بن الخزرج أخي طريف : المنذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة . ومن بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : . ومن عبادة بن الصامت الأوس ، ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل . ومن بني السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس : سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم . ومن بني أمية بن زيد ، رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية .
قال : وأهل العلم يعدون فيهم ابن هشام أبا الهيثم بن التيهان بدل رفاعة .